الشوق واللوعة في مُناجاة العارفين

مفاتيح الجنان

مُناجاة العارفين


1 ـ إلهِي قَصُرَتِ الأَلْسُنُ عَنْ بُلُوغِ ثَنآئِكَ، كَما يَلِيقُ بِجَلالِكَ، وَعَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إدْراكِ كُنْهِ جَمالِكَ، وَانْحَسَرَتِ الأَبْصارُ دُونَ النَّظَرِ إلى سُبُحاتِ وَجْهِكَ، وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إلى مَعْرِفَتِكَ إلاَّ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ.




2 ـ إلهِي فَاجْعَلْنا مِنَ الَّذِينَ تَرَسَّخَتْ أَشْجارُ الشَّوقِ إلَيْكَ فِي حَدآئِقِ صُدُورِهِمْ، وَأَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجامِعِ قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ إلَى أَوْكارِ الأَفْكارِ يَأْوُونَ، وَفِي رِياضِ الْقُرْبِ وَالْمُكاشَفَةِ يَرْتَعُونَ، وَمِنْ حِياضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلاطَفَةِ يَكْرَعُونَ، وَشَرايعَ الْمُصافاةِ يَرِدُونَ، قَدْ كُشِفَ الْغِطآءُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، وَانْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقآئِدِهِمْ، وَانْتَفَتْ مُخالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَرآئِرِهِمْ، وَانْشَرَحَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ، وَعَلَتْ لِسَبْقِ السَّعادَةِ فِي الزَّهادَةِ هِمَمُهُمْ، وَعَذُبَ فِي مَعِينِ الْمُعامَلَةِ شِرْبُهُمْ وَطابَ فِي مَجْلِسِ الأُنْسِ سِرُّهُمْ، وَأَمِنَ فِي مَوْطِنِ الْمَخافَةِ سِرْبُهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ بِالرُّجُوْعِ إلى رَبِّ الأَرْبابِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَيَقَّنَتْ بِالْفَوْزِ وَالْفَلاحِ أَرْواحُهُمْ، وَقَرَّتْ بِالنَّظَرِ إلى مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ، وَاسْتَقَرَّ بِإدْراكِ السُّؤْلِ وَنَيْلِ الْمَأْمُولِ قَرَارُهُمْ، وَرَبِحَتْ فِي بَيْعِ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ تِجارَتُهُمْ.




3 ـ إلهِي ما أَلَذَّ خَواطِرَ الإِلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ، وَما أَحْلَى الْمَسِيرَ إلَيْكَ بِالأَوْهامِ فِي مَسالِكِ الْغُيُوبِ، وَما أَطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ، وَما أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ، فَأَعِذْنا مِنْ طَرْدِكَ وَإبْعادِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَخَصِّ عارِفِيكَ، وَأَصْلَحِ عِبادِكَ، وَأَصْدَقِ طآئِعِيكَ وَأَخْلَصِ عُبَّادِكَ، يا عَظِيمُ، يا جَلِيلُ، يا كَرِيمُ، يا مُنِيلُ، بِرَحْمَتِكَ وَمَنِّكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

280