تحرُّك مصطلح الدّابة في الكتاب الكريم
وصف للمقطع

في سورة النمل الآيةُ الثانيةُ والثمانون بعد البسملة، مِن هُنا سأبدأُ معكم حديثي.

﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ﴾، لستُ بصددِ الحديثِ عن هذهِ المرحلةِ من مراحلِ سَيرِنا باتجاهِ يوم القيامة، مرحلةُ حكومةِ وولايةِ دابَّةِ الأرض هذهِ تكونُ بعد أن تُطوى صفحةُ الرَّجْعَة، فمرحلةُ دابَّة الأرض تأتي بعدَ انقضاءِ مرحلةِ الرَّجْعَةِ العظيمة، إذْ نحنُ نقتربُ شيئاً فشيئاً من اليومِ الثَّالث، فيومُ القائمِ قد انقضى، ويومُ الرَّجْعَة قد انقضى، وها نحنُ وصلنا إلى مرحلةِ حكومةِ وولايةِ دَابَّةِ الأرض، بِكُلِّ شُؤونها وخصائصها وتفاصيلها، والدابَّةُ الَّتي تتحدَّثُ هذهِ الآيةُ عنها عنوانٌ معروفٌ في ثقافةِ العترة الطاهرة عنوانٌ لسيِّدِ الأوصياء صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه - تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُون﴾.

في (تفسيرِ القُمِّي) علي بن إبراهيم القُمِّي رضوان الله تعالى عليه، طبعةُ مؤسَّسة الأعلمي، بيروت، لبنان، صفحة (488)، جامعٌ من جوامعِ أحاديثنا التفسيريّة، سأذهبُ إلى موطن الحاجةِ من روايةٍ مرويّةٍ عن إمامنا الصَّادِق صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، يُحدِّثُنا بها أبو بصير، إمامنا الصَّادِقُ يُخبِرنا عن رَسُول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وهو يقولُ لأميرِ المؤمنين: يَا عَلِيّ يَا عَلِيّ إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَان - ما بعدَ الرَّجْعَةِ العظيمة - إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَان أَخْرَجَكَ اللهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ - في أجملِ صُورة، لا كما يتحدَّثُ نواصبُ سقيفةِ بني ساعدة عن دابَّةِ الأرضِ من أنَّها ستكونُ بصورةٍ مُشوَّهةٍ وقبيحةٍ جِدَّاً، هي أقبحُ مِن صُورِ كُلِّ الكائنات الموجودةِ على الأرض، هكذا يذكرونَ في تفاسيرهم وفي كتبهم، ألا لعنةٌ على تفاسيرهم وكُتُبِهِم.

-وَمَعَكَ مِيْسَمٌ - الـمِيسَمُ الآلة الَّتي تُستعملُ في وَسمِ الأشياء، في وَسمِ الحيواناتِ أو في وَسمِ غيرِ الحيوانات - وَمَعَكَ مِيْسَمٌ تَسِمُ بِهِ أَعْدَاءَك - إلى آخرِ الروايةِ.

موطنُ الشَّاهدِ هنا: من أنَّ الدابَّة الَّتي ذُكِرت في الآيةِ الثانيةِ والثمانين بعدَ البسملةِ من سورةِ النمل إنَّهُ عليٌّ سيتجلَّى في أحسنِ صُورةٍ من صُوَرِهِ، فعليٌّ يتقلَّبُ في الصور، هُو الَّذي أخبرنا عن ذلك، هم جميعاً يتقلَّبُونَ في الصُّور.

إذاً لماذا بدأتُ بهذهِ الآيةِ الشريفة؟!

أريدُ أن أقولَ لكم: من أنَّ المصطلح هذا مُصطلحٌ مُتحرِّكٌ في الكتابِ الكريم، فَهُنا في هذهِ الآيةِ جاءَ عُنواناً لعليٍّ وهو يتجلَّى في مرحلةِ دابَّةِ الأرض ما بعد الرَّجْعَةِ العظيمة.

وفي سورةِ سبأ، في قصّةِ موتِ سُليمان النَّبي في الآيةِ الرابعةِ بعد العاشرةِ بعد البسملة: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْت - قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْت؛ على سُليمان النَّبي - مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ﴾، إلى آخرِ الآية، دابَّةُ الأرضِ هنا هي الأَرَضَة، هذهِ الدودةُ الصغيرةُ، الدويدةُ الصغيرةُ الَّتي تأكل الخشب وغيرَ الخشب، لكنَّها معروفةٌ بأكلها للخشب، والمنسأةُ هي العصا، والعصا خشبٌ، والأَرَضةُ الَّتي عُبِّر عنها هنا بدابَّةِ الأرض تأكل الخشب.

- ففي سورة النمل؛ دابّةُ الأرض عليٌّ في أحسن صُورةٍ من صورهِ يتجلَّى في عالَمِنا ما بعد انقضاءِ مرحلةِ الرَّجْعَةِ العظيمة.

- ودابَّةُ الأرضِ في سورةِ سبأ؛ إنَّها الأَرَضَةُ تلك الدُويدَةُ الصغيرة.

وما بين هذا العالي وهذا السَّافل هُناك من المراتبِ الكثيرةِ الَّتي يُطلَقُ عليها هذا العنوان: (الدَّابَّة)، الدَّابَّةُ من الدَّبِيب، والدَّبِيبُ هو الحركة، فَكُلُّ مُتحرِّكٍ هو دَابَّةٌ، بغضِّ النَّظرِ عن عُلُوّ منزلتهِ أو دُنُوّ منزلتهِ..

نُريدُ أن نستكشفَ عُنوانَ الدَّابَّةِ في الكتابِ الكريم يُطلَقُ على مَن:

سآخذكم في جولةٍ بينَ آيات الكتابِ الكريم كي نستكشفَ إطلاقَ هذا المصطلح وأينَ قد استعملهُ قُرآننا في آياتهِ.

في الآيةِ الثامنةِ والثلاثين بعد البسملةِ من سورةِ الأنعام: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيْرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾، إلى آخرِ الآيةِ الكريمة.

ما هو الطائرُ لونٌ من ألوانِ الدَّواب، ولكن هُنا في هذهِ الآيةِ جاء المصطلحُ مُستعملاً في الحيواناتِ من غير الطيور، "وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْض"، الحديثُ ليس عن بني البشر، لأنَّ الخِطاب لبني البشر؛ "إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم"، فالخطابُ هُنا لبني البشر، والحديثُ عن دَوابِّ الأرض باستثناءِ الطيور لأنَّ الحديثَ عن الطيورِ جاء بشكلٍ مُنفصل. فهنا استُعمِلَ هذا المصطلحُ في الحيواناتِ على وجهِ الأرضِ من دُون الطيور، "وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ"، قطعاً الحيوانات البحريّة داخلةٌ في هذا التعبير، أصلاً الحيواناتُ البحريّةُ هي أعظمُ وأعجبُ وأكثرُ عدداً وأكثرُ أنواعاً من الحيوانات الَّتي تعيشُ على التُراب، لبديهةٍ واضحة فَمِساحةُ المياه أكبرُ من مِساحةِ اليابسة، أتحدَّثُ عن الأرضِ الَّتي نعيشُ عليها، أتحدَّثُ عن هذا الكوكب.

في سورة الحج، الآيةِ الثامنةِ بعد العاشرةِ بعد البسملة: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾، إلى آخرِ الآية، والدَّوابُّ هنا عُنوانٌ حتَّى للطيور الَّتي تطيرُ بأجنحتها، فالعُنوانُ هنا أُطلِق على كُلِّ الدَّوابّ؛ على الحيواناتِ البريَّةِ والبحريَّةِ، وعلى الطيور الَّتي لا تطيرُ بأجنحتها وعلى الطيور الَّتي تطيرُ بأجنحتها، كثيرٌ مِن النَّاس، الدَّوَابُّ كُلُّها تسجدُ لله، الحديثُ عن الحيواناتِ البريَّةِ والبحريَّةِ وعن الطيورِ الَّتي لا تطيرُ بأجنحتها وهي قليلةٌ، وعن الطيورِ الَّتي تطيرُ بأجنحتها وهي كثيرةٌ وهي الطيورُ الأكثر.

في سورةِ فاطر، الآيةُ السابعةُ والعشرون بعد البسملةِ والَّتي بعدها أيضاً: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُود - غرابيبُ سُود إشارةٌ إلى شِدَّة السَّواد، جبالٌ غرابيبُ سُود، صُخورها سوداء هذا هو المراد - وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُور﴾.

"وَمِنَ النَّاسِ - الآدميّون - وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ"؛ فَهُنا أُطلِقَ العنوانُ على الحيواناتِ باستثناءِ الأنعام، ما الـمُراد من الأنعام؟ إنَّها الحيواناتُ الأهليّةُ الَّتي يتنعَّم النَّاسُ بفائدتها، لا يُقصَدُ مِنَ الأنعامِ هُنا ما هُو معروفٌ في بابِ الزَّكاةِ زَكاةُ الأنعام، الدَّوابُّ هُنا أُطلق على غيرِ هذهِ الحيوانات؛ من الحيواناتِ البريَّةِ ما كان منها أهليَّاً أو ما كان منها وحشيّاً، فبعضُ الحيواناتِ البريَّةِ قد يُطوَّعُ فيتحوَّلُ إلى حيوانٍ أهلي، فهنا مصطلح (الدَّواب) أُطلِقَ على الحيواناتِ عموماً، من حيوانات البرِّ ومن حيواناتِ البحر، وعلى الطيورِ بِكُلِّ أشكالها الَّتي تطيرُ والَّتي لا تطير، باستثناءِ الأنعامِ الحيوانات الأهليَّة الَّتي يتنعَّمُ الإنسانُ بفوائدها ومنافعها في حياتهِ اليوميَّة في سَفَرهِ وحَضَرِه، في حربهِ وفي سِلمهِ.

في سورةِ النور، الآيةِ الخامسةِ والأربعين بعد البسملة: ﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء - العنوانُ هُنا ينطبقُ على الآدميّين وعلى غيرهم، فالآدميُّ دابَّةٌ أيضاً لهُ دَبيبٌ على الأرض، وهو مخلوقٌ من الماءِ أيضاً - وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ - الَّذي يمشي على رجلين هُو الآدمي هو الإنسان - وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَع - لا أريدُ أن أدخل في تفاصيلِ الآيةِ لكنَّني لابُدَّ أن أُلْفِت أنظاركم إلى أنَّ الآية استعملت (مَن)، (مَن) في لُغةِ العرب وفي الاستعمالِ القُرآني تُستعملُ للعاقل، فهل هُناكَ مِن دَابَّةٍ عاقلةٍ تمشي على بطنها؟ - يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾، هذهِ الآيةُ إنْ أُريدَ منها دَوابَّ الأرض فإنَّ الآية ما أشارت إلى الأرض، ليسَ هُناك من حديثٍ عن الأرض، هذا الكلامُ ينطبقُ على الأرضِ وعلى غيرِ الأرض، على هذا الكوكبِ وعلى الكواكب الأخرى، لأنَّ الآية لم تتحدَّث عن الأرض.

وَرَدَ في رواياتنا مِن أنَّ الَّذي يمشي على بطنهِ الحيّات، ويمشي على رجلين الإنسان، ويمشي على أربع إنَّها البهائمُ بكُلِّ أشكالها، لكنَّ الَّذي وردَ في الرواياتِ إنَّما هُو مصاديق.

لماذا جاء استعمالُ (مَن) هُنا الَّتي هي للعاقل؟ لأنَّ الآيةَ تتحدَّثُ عن بني البشر وتكريماً لبني البشر جاء هذا التعبيرُ عن الحيواناتِ غيرِ العاقلةِ إكراماً لها، لأنَّها ذُكِرت بجنبِ هذا الكائن المكرَّم، إذا كان الحديثُ عن دوابِّ الأرضِ فقط، أمَّا إذا كان الحديثُ عن دَوابِّ الأرضِ وعن دوابِّ الكواكبِ الأخرى فإنَّ الكلامَ سيكونُ مُختلفاً، فَهُناك كائناتٌ عاقلةٌ لكنَّها لا تمشي على رجلين، وإنَّما يمكن أن يكون مشيُها على بطنها، أو على أربع، نحنُ لا نملك علماً عن المخلوقاتِ الكثيرةِ والكثيرةِ جِدَّاً في هذا الكون الفسيح، الرواياتُ حدَّثتنا عن مخلوقاتٍ كانت تعيشُ على الأرض قبلنا.

والإمامُ الصَّادِق يُكْمِلُ في حديثهِ: (وَمِنْهُم مَن يَمْشِي عَلَى أَكْثَرَ مِن ذَلِك)، إذا كان الكلامُ عن دَوابِّ الأرضِ وغيرِ الأرض في الكواكبِ الأخرى في المجرَّات الأخرى فإنَّ الكلام سيكونُ مختلفاً، فإنَّ الآية ستتحدَّثُ عن أصنافٍ عاقلةٍ من الدَّوابِّ.

في سورةِ النحل، الآيةِ الثامنةِ بعد البسملة: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة﴾، جاء هذا في سِياق آياتٍ تبدأ من الآيةِ السادسةِ بعد البسملة من سورة النحل؛ ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُون - هذا هو الَّذي أشرتُ إليهِ قبل قليل من أنَّ الأنعامَ هي هذهِ الَّتي يتنعَّمُ الإنسانُ بفوائدها ومنافعها - وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُون ۞ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم ۞ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيْرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة - بعد كُلِّ هذهِ العناوين - وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُون﴾، "وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُون"، ما لا نعلمُ في عالَمنا الأرضي هُناك الكثيرُ مِمَّا خلقهُ الله ونحنُ لا نعلمُ بهِ ولا نعلمُ عنهُ شيئاً، وإلى يومنا هذا هُناكَ حيواناتٌ في الغاباتِ وفي البراري وفي الجبال الإنسانُ لا يعرفُ عنها شيئاً، في كُلِّ سنةٍ يكتشفون حيواناً بل أكثر من ذلك في الغاباتِ في البراري في الجبالِ، أمَّا في البحارِ فتلك العجائبُ والغرائب، "وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُون"؛ 

أشرتُ قبل قليلٍ إلى أنَّ الطيور لها خُصوصيَّةٌ، خُصوصيَّةٌ في خلقها وجمالها وطيرانها في الهواء، خُصوصيّةٌ في ذكائها ونباهَتِها، وفي معرفتها لأسرارِ التربةِ وأسرارِ المياهِ والبحار، ولا أريدُ أن أتوغَّل في هذهِ الموضوعات، إنَّما أُشيرُ إلى خُصوصيَّتها القُرآنية، لأنَّ القُرآنَ حينَ تحدَّث عنها تحدَّثَ بِخصوصيَّةٍ مُعيَّنةٍ جعلها مُميَّزةً عن سائرِ الحيوانات الأخرى، على سبيل المثال في سورةِ النور في الآيةِ الحاديةِ والأربعين بعد البسملة: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، (مَن) إشارةٌ للعاقل، "مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض"، قطعاً يُرادُ مِن ذلكَ الملائكةُ الـمُقرَّبون وغيرُ الـمُقرَّبين، قطعاً يُرادُ من ذلك بنو آدم، مِنَ الأنبياءِ الـمُرسَلِينَ وغيرِ الـمُرسَلِين، مِن الأولياءِ والصَّالِحينَ ومن أشياعِهِم المؤمنين، وكذلك من صالحي الجنّ ومن شيعة الجنّ من شيعةِ عليٍّ وآلِ عليٍّ من الجنّ، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ - والطَّيْرُ جاءت معطوفةً هنا من دُونِ الحيوانات - وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾، فكأنَّ للطَّيرِ من خُصوصيّةٍ بِخُصوصِ صلاتهِ وتسبيحه، قد يتفرَّعُ على هذا المعنى ما جاء في أحاديثنا الشريفةِ من أنَّ الأَئِمَّةَ كانوا يُوجِّهون الشيعة في حالِ عدمِ معرفتهم بأوقاتِ الصَّلوات الواجبة يُوجِّهون شيعتهم إلى مُراقبةِ الدِّيَكَة، فإنَّ الدِّيَكَةَ تَصدَحُ بأصواتها في أوقاتِ الصَّلواتِ الواجبة، وهذا موضوعٌ مذكورٌ في أبوابهِ ومضانِّهِ..

الملائكةُ يتصوَّرون بِصُورِ الآدميّين وبِصُورِ الطيور، وهذا يُشيرُ إلى خُصوصيَّةٍ في الطيور، الرواياتِ تُحدثنا من أنَّ أولَ مُبايعٍ يُبايعُ الحُجَّةَ بنَ الحسن بينَ الرُّكن والمقام جبرائيل فإنَّهُ يأتي بصُورةِ طائرٍ يستقرُّ هذا الطائرُ في المسجدِ الحرام وهُو أوّلُ مُبايعٍ يُبايعُ الحُجَّة بنَ الحسن..

في سورة النمل، الآيةِ السابعةِ بعد العاشرةِ بعد البسملة: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُون﴾، الحيوانات كانت في خِدْمَةِ سُليمان أيضاً، ولكن لماذا خُصِّص الطَّيرُ بالذِّكر؟ لِمَا قُلتُ لكم من خُصوصيَّةٍ فيه، مِن ذكائهِ ومِن عُلُوِّ شأنهِ فيما بين الحيوانات، ولذا فإنَّ القُرآنَ حين تحدَّثَ عن جُنودِ سُليمان حدَّثنا عن الجنِّ والإنسِ والطَّيْر.

وحدَّثتنا سورة النمل عن طائرٍ ذكيٍّ جِدَّاً إنَّهُ الهدهد، في الآية العشرين بعدَ البسملةِ من سورة النمل: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾، مَن؟ سُليمان، كيفَ تفقَّدَ الطَّيْر؟ لأنَّ سُليمانَ حينما كانَ يَطيرُ ببساطهِ الطائر وهُوَ جالسٌ على عرشهِ كانت الطَّيرُ تصطفُّ معَ بعضها، وكُلُّ طائرٍ لهُ مكانهُ الخاص كي تُظلِّل على سُليمان وجُنودهِ الَّذينَ معهُ قد ركَبِوا على البساط الطائر، الهدهدُ كان مكانهُ فارغاً فكان ضوءُ الشَّمس يتسرَّبُ من فتحةِ مكانهِ فنظرَ سُليمانُ إلى مكانِ الهدهد في هذا السَّقفِ المصنوعِ من الطيورِ وأجنحتها، مثلما قلتُ لكم قبل قليل: كُلُّ طائرٍ لهُ مكانهُ الثَّابت نِظامٌ دقيق، فوجدَ مكانهُ فارغاً، فلذا قال: "مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُد"، ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ - سليمانُ - فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِين﴾، إلى آخرِ ما جاء في قصّةِ الهدهد.

في الآيةِ الثانيةِ والعشرين بعد البسملةِ من سُورة الأنفال جاء التعبيرُ بالدَّوابِّ عن بني البشر: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُون ۞ وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾، الحديثُ عن البشر، لا ذِكرَ لسائرِ الحيوانات، ولا ذِكرَ للطُّيورِ، ولا ذِكرَ لأيِّ صنفٍ آخر، تُلاحظون أنَّ المصطلح يتحرَّكُ في مسارِ حركتهِ عِبرَ آياتِ القُرآن في مُختلفِ الموضوعات.

في الآيةِ الخامسةِ والخمسين من سورةِ الأنفال بعد البسملة: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون ۞ الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُون﴾، "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ"، الدَّواب هُنا بنو البشر صَالِحُهم وطَالِحهم، لكنَّ الآيةِ تتحدَّثُ عن الأشرار، "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ - إنَّ شَرَّ الآدميّينَ - عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون"، إلَّا إذا أردنا أن نقول مِن أنَّ الحديث هنا ليس عن بني البشرِ فقط، وإنَّما عن بني البشرِ في عالم الأرض وعن مخلوقاتٍ أخرى في الكواكبِ الأخرى، فيكونُ الكلام: إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ الله مِن بَني البشرِ ومِن غيرِ البشرِ من الكائنات العاقلةِ الأخرى في هذا الكونِ الفسيح، لكنَّني لا أريدُ أن أحمل الآياتِ هذهِ على هذا المعنى مع وُجودِ هذا الاحتمال من الجهةِ اللغويّة.

في سورة النحل، الآيةِ الحاديةِ والستين بعد البسملة: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون﴾، الحديثُ عن النَّاس، ما ترك عليها من دابَّةٍ من بني البشرِ ومن غيرِ بني البشر مِن الحيوانات، الحيواناتُ قد تكونُ سبباً لرحمةِ الإنسان، مثلما جاءَ في بعضِ الأحاديثِ القُدسيَّة: (لَولَا بَهَائِمُ رُتَّع - بَهائم حيوانات - لَوْلَا بَهَائِم رُتَّع وَشُيُوخٌ رُكَّع)، إلى آخرِ الحديث، هُناك البهائِمُ الرُّتَّع، وهُناك الشُّيُوخُ الرُّكَّع، وهُناكَ الشَّبابُ الخُشَّع، وهُناكَ الأطفالُ الرُّضَّع، لكن حديثي عن البهائِم الرُّتَّع، لصَبَّ اللهُ على النَّاسِ العذابَ صَبَّاً، ففي حالاتٍ في السُّننِ الإلهيَّة تكونُ البهائِمُ الرُّتَّع وهي البهائِمُ الآمنةُ في حُقولها في مراعيها تأكلُ طعامها، تأكلُ أعلافها، تأكلُ حشائشها حشائش الأرض ونباتها، هذهِ البهائِمُ الآمِنةُ في مراعيها تكونُ سبباً في بعض الأحيانِ لِمَنعِ نُزولِ البلاءِ، وفي أحيانٍ أخرى حينما يستحقُّ النَّاسُ عذاباً قد يُعذَّبون بهلاكِ الحيوانات، في أعوامِ المجاعةِ والقَحْطِ مثلاً، وقد ينزلُ العذابُ والبلاءُ على النَّاسِ وعلى الحيواناتِ معاً، كُلُّ حالةٍ لها تفاصيلها..

في سورةِ الشورى، الآيةِ التاسعةِ والعشرين بعد البسملة، وصلنا إلى غايتنا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - كُلُّ الَّذي تقدَّم ذِكرهُ مِن حركةِ المصطلحِ في مسارهِ بينَ آياتِ القُرآن أردتُ من خلالهِ أن أصلَ إلى هذهِ الآية - وَمَا بَثَّ فِيْهِمَا مِن دَابَّةٍ﴾، فلقد بثَّ الدَّوَابَّ في السَّماواتِ والأرض، ليسَ في الأرضِ فقط.

بَثَّ نَشَرَ مِثلما نَشَرَ ما نَشَرَ من دَوابٍّ في الأرض في كُلِّ مكان، الدَّابَّةُ الَّتي لها دَبيب، الإنسانُ، حيواناتُ البر، حيوانات البحر، الطُّيور، هذا هو مصطلحُ الدَّوابّ ومرَّ علينا، والدَّابَّة هُنا جاءت بهذا المعنى، فمثلما بَثَّ الدَّوابَّ في الأرض بَثَّ الدَّوابَّ في السَّماوات، والحديثُ على الأقلِّ عن السَّماءِ الدُّنيا عن هذهِ المجرَّاتِ العظيمة، لا أريدُ أن أتجاوزَ إلى السَّماواتِ العُلى، الحديثُ عن السَّماء الدنيا، عن هذهِ المجرَّات العظيمة، مجرَّتنُا فيها المليارات والمليارات من الكواكبِ والنُّجُوم، وهُناكَ مِلياراتٌ من المجرَّات، هكذا تقولُ حقائقُ العِلم المعاصر، فمثلما بَثَّ ما بَثَّ وبكثرةٍ من الدَّوابِ في الأرض فإنَّهُ قد بَثَّ ما بَثَّ من الدَّوابِّ وبكثرةٍ في هذهِ المجرَّاتِ العظيمة، نحنُ لا نعلمُ بهم، القُرآن يُحدِّثنا.

- وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾، هؤلاءِ يُجْمَعونَ في المشروعِ المهدويّ، هذهِ عظمةُ المشروعِ المهدويّ، أنا لا أتحدَّثُ عن كُلِّ عَظمتهِ، هذا مِصداقٌ من مصاديقِ عظمةِ المشروع المهدويّ الَّذي تُقزِّمهُ حوزةُ السَّفاهةِ والسُّفهاء إنَّها حوزةُ الطوسي، من هنا نشأ العنوان: (المشروعُ المهدويُّ ما بينَ التَّعظيمِ والتَّقزيم)، الأرضُ جُزءٌ يسيرٌ من مشروع الحُجَّةِ بن الحسن، الأرضُ هي العاصمة، عاصمةُ المشروع المهدويّ الأرض، وعاصمةُ الأرض العراق، وعاصمةُ العراق الكوفة، ما هو هذا الَّذي ثَقَّفنا بهِ وثَقَّفونا عليهِ مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد، فالأرضُ عاصمةٌ للكونِ، لا أتحدَّثُ عن أنَّها تكونُ في وسطِ الكون، نحنُ على حافّةِ مجرَّةِ دربِ التبانة، نحنُ لسنا في وسطِ المجرَّة، الأرضُ على ذراعٍ من أذرعةِ مجرَّةِ دربِ التبانة، ومجرَّةُ دربِ التبانة فيها الملياراتُ من الكواكبِ والنُّجوم، وما وراء مجرَّةِ دربِ التبانة هُناكَ مجرَّاتٌ ومجرَّاتٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى، ونحنُ في أرضنا في كوكبنا في حاشيةِ ذِراعٍ من أذرعةِ مجرَّةِ دربِ التبانة، فالأرضُ عاصمةُ المشروع في هذا الكون، وعاصمةُ الأرضِ بحسبِ المشروع العراق، وعاصمةُ العراق بحسب المشروع المهدويّ الكوفة.

في سورةِ النساء، الآيةِ الأولى بعد البسملة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء - خلقَ أبانا آدمَ، وخلق أُمَّنا حواء ثُمَّ كانَ الَّذي كان، البَثُّ هُوَ النَّشرُ الواسعُ الكثير، هذا هو تعبيرُ القُرآن.

قالَ النَّواصِبُ في تفاسيرهم من أنَّ دوابَّ السَّماء هُم الملائكة قالوا هذا، ووافَقَهم مَن وَافَقهم من الشيعةِ، لا شأنَ لي بأقوالهم، القُرآنُ يُكذِّبهم؛ في سورة النحل، الآيةِ التاسعةِ والأربعين بعدَ البسملةِ: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ - الـمَلائكةُ هم غيرُ دَوابِّ السَّماء - وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون﴾، الـمَلائكةُ ما هم بِدَاخلينَ تحت هذا العنوان، الآيةُ التاسعةُ والعشرون بعدَ البسملةِ من سورة الشورى لا تتحدَّثُ عن الملائكة، إنَّها تتحدَّثُ عن دوابِّ الأرضِ ودوابِّ السَّماوات.

في سورةِ الجاثية، الآيةِ الثالثةِ والرابعةِ بعد البسملة: ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِين ۞ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُون﴾، الحديثُ عن بَثٍّ في السَّماواتِ والأرض.

اجمعوا بين الآيةِ التاسعةِ والعشرين بعد البسملةِ من سورة الشورى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِير﴾، اجمعوا تلك الآية مع هاتين الآيتين من سورة الجاثية: ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِين ۞ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُون﴾، بَثٌّ للدَّوابِّ في السَّماواتِ والأرض.

أعتقدُ أنَّ الآياتِ واضحةٌ، هُناكَ دَوابٌّ في السَّماوات، وهُناك دوابٌّ في الأرض، قطعاً أعدادُ دوابِّ السَّماوات أكثرُ بكثير، بل لا وجه للمقايسة مع أعدادِ دوابِّ الأرض، فإنَّ اللهَ بثَّ الدَّوابَّ في الأرض بحسبها، وبَثَّ الدَّوابَّ في السَّماواتِ بحسبها أيضاً، فما سِعةُ الأرض إلى سِعةِ السَّماوات؟!

هذا يُشيرُ إلى جُزءٍ من معنى أنَّهم؛ أنَّ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّد حُجَّةُ اللهِ في سماواتهِ وأرضه، فما هُم بِحُجَّةٍ على الصُّخورِ وعلى الكواكبِ الَّتي ليس فيها من ماءٍ أو هواء، هُم حُجَّةٌ عليها، لكنَّ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ على هذهِ الأعدادِ الهائلةِ من المخلوقاتِ في هذهِ المجرَّاتِ العظيمة، هُم حُجَّةٌ على كُلِّ أولئك، وقد بَيَّنوا لنا هذا في قُرآنهم المفسَّرِ بتفسيرهم وفي أحاديثهم الشريفة، هذا الكلامُ ليس كلاماً مجازيّاً من أنَّهُم حُجَّةٌ على جميعِ مَن في السَّماواتِ والأرض، جزءٌ من هذا المعنى هو الَّذي أتحدَّثُ عنه، وهو جزءٌ من عقيدةِ التَّعظيم مِن مسارِ التَّعظيم الَّذي يتناقضُ بدرجةٍ كاملةٍ مع مسارِ التَّقزيم، مع مسارِ الأقزام والسُّفهاء في حوزةِ الأقزامِ والسُّفهاء، في حوزة السَّفاهةِ والتَّقزيم.

سأختمُ حديثي بمقطعٍ من الزيارةِ المطلقة الأولى من زياراتِ سَيِّدِ الشُّهداء: من (مفاتيح الجنان) إنَّها الزِّيارةُ المطلقة الأولى بحسبِ تبويبِ مفاتيح الجنان، يرويها عن الكافي الشريف، عن إمامنا الصَّادِقِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه هكذا نُسَلِّمُ على الحُسَين: الْسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللهِ وَابْنَ حُجَّتِه - حُجَّةٌ على الإطلاق، من جُملةِ مصاديقِ حُجيَّتهِ هُو هذا الَّذي أتحدَّثُ عنه، عن هذهِ الكائناتِ الهائلةِ عن دوابِّ السَّماوات، عن المخلوقات العظيمة في هذا الكون الفسيح، القُرآن أخبرنا عن هذا وهم حدَّثونا - الْسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا قَتِيْلَ اللهِ وَابْنَ قَتِيْلِه، الْسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثَارِه، الْسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وِتْرَ اللهِ الْمَوْتُوْر فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض - فَحُزنكَ هذا يا حُسَين حُزنٌ في كُلِّ تلك العوالم، هم لا يعرفونَ أنَّ آدم قد خُلِق لكنَّهُم يحزنون على حُسَينٍ بحسبهم،

- أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْد - لأنَّ الخُلْدَ يشتاقُ إلى دَمِك، لأنَّ الوجود يبكي على دَمِك، لا كما يقولُ هؤلاء السَّفَلَة في النجف مِن أنَّ دَمَكَ نجسٌ، يَا حُسَين - وَاقْشَعَرَّت لَهُ أَظِلَّةُ العَرْش وَبَكَى لَهُ جَمِيعُ الخَلَائِق - جَميعُ الخَلَائق - وَبَكَت لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْع وَالأَرَضُونَ السَّبْع وَمَا فِيْهِنَّ - مَا فِيهِنَّ مِنَ الأعداد الهائلةِ من الخلائق - وَمَا بَيْنَهُنَّ - ليس الحديثُ عن طبقاتِ الأرض - وَمَن يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى - ما نراهُ وما لا نراهُ، هُناكَ من الكائناتِ العظيمةِ الَّتي تَقطُنُ في هذهِ المجرَّاتِ لا نستطيعُ رؤيتها، خُلِقت من مادّةٍ لا نتمكَّنُ مِن رؤيتها، لا نستطيعُ أن نراها بحواسِّنا المحدودةِ هذهِ، نحنُ بحاجةٍ إلى أن تُفتَحُ العُيُونُ الَّتي في القُلوب، (شِيعَتُنا أَصْحَابُ الأَرْبَع - الصَّادِقُ يقول - عَيْنَانِ فِي الرَّأس وَعَينَانِ في القَلب، فَإذا أرَاد اللَّهُ بِأحدٍ بِرَجُلٍ خَيراً فَتَحَ عَيْنَيه اللَّتَين فِي قَلْبِه)، الكلامُ مُفصَّلٌ طويلٌ.

المجموع :2684

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق