هل بإمكاننا التغيير في مُجرياتِ وتفاصيلِ الوقائع القادمة؟
وصف للمقطع

لسؤالُ الَّذي يطرحُ نفسهُ هنا: هل بإمكانِ الإنسانِ أن يُغيَّر في مُجرياتِ الوقائعِ المستقبليّةِ إذا كان عالِماً بتفاصيلِ وقوعها قبلَ أن تقع؟ هل يمكنُ ذلك؟

مثلما يتحدَّثونَ في الخيال العلمي وفي أفلامِ السفرِ إلى المستقبل من أنَّ الإنسانَ يُسافرُ إلى المستقبل كي يمنعَ حدوثَ الأضرارِ لهُ أو لغيرهِ من خلالِ الحاضر، لأنَّ الحاضرَ سيقودُ إلى المستقبل، فإذا سافرنا إلى المستقبل واطّلعنا على النتائجِ وعَرِفنا أنَّ النتائج السيئة في المستقبل سببُها مُقدِّماتٌ في الحاضر الَّذي نعيشهُ فإذا غيّرناها فإنَّ النتائج السيئة في المستقبلِ ستتغيّر، باعتبارِ أنَّ النتائج تتبعُ المقدِّمات، هذا هو الَّذي يجري في الروايات الأدبيّةِ للخيال العلمي، وهو نفسهُ يجري في الأفلام السينمائيّةِ في حكاياتِ السفرِ للمستقبل، وهذا سؤالٌ قديمٌ تطرحهُ البشريّةُ: هل بإمكاننا أن نُغيَّر المستقبل؟

فهل هذهِ هي العلامةُ، ولكنَّ المسؤولين حينما تصرَّفوا بالَّذي تصرَّفوا به وحينما قرَّروا واتخذوا ما اتخذوا من قرارٍ ولم يقوموا بعمليّة الهدم الَّتي اقترحها المهندسون خوفاً تشاؤماً، قطعاً إذا صحَّت هذهِ المعلومات، هي صحيحةٌ، ولكنَّني لابُدَّ أن أقولَ هذا الكلام، الاحتراف الإعلامي يُلزمني أن أقول مِثلَ هذا الكلام، فهل هم قادرون على تغييرِ مجريات هذهِ العلامة؟ قطعاً إذا كانت هي هي الَّتي قصدتها الروايةُ الشريفة، كلامُنا مبنيٌّ على احتمالات، نحنُ لا نعلمُ الغيب ولا نملكُ الحقيقةَ الكاملة، إنَّما نتلمَّسُ السيرَ والحركةَ في فَلَكِ الحقيقةِ من خِلالِ المعطياتِ المتوفّرةِ لدينا، فهل بإمكان الإنسانِ أن يُحدِثَ تغييراً في مُجرياتِ علامةٍ من العلاماتِ المهدويَّةِ مثلاً كهذهِ العلامة؟ وبغضّ النظرِ عن العلاماتِ المهدويَّة، هل بإمكان الإنسانِ أن يُحدِثَ تغييراً في مُجرياتِ الأحداثِ المستقبليّةِ والوقائعِ القادمةِ إذا كانَ عالِماً بتفاصيلها هل بإمكانهِ وهو في حاضرهِ أن يتصرَّف بنحوٍ وبآخر كي يُحدِثَ تغييراً في مُجرياتِ وتفاصيلِ الوقائع القادمة؟

الجوابُ: نعم، بإمكان الإنسانِ أن يفعلَ ذلك، ولكن بحدود، نحنُ عندنا في باب الدعاء، الدعاءُ وسيلةٌ إنسانيَّةٌ يستطيعُ الإنسانُ من خلال الدعاءِ الَّذي تتوفَّرُ فيهِ حقائقُ الاستجابة أن يُغيّرَ القضاءَ المبرم.

في الجزء الثاني من (الكافي الشريف/ طبعةُ دار الأسوة/ طهران/ إيران/ صفحة 462/ البابُ الَّذي عنوانهُ: "أنَّ الدعاء يَردُّ البلاء والقضاء"، على سبيل المثال:

الحديثُ الأوَّل: عَن حمّاد بنِ عُثمان، قَالَ: سَمِعتُهُ - سمعتهُ؛ سَمِعَ الإمام المعصوم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه - يَقُول: إِنَّ الدُّعَاءَ يَردُّ القَضَاء - قضاءٌ قُضِي في السَّماء لابُدَّ أن يتحقَّقَ في الأرض لكنَّ الدعاء يردُّهُ، يردُّهُ بالكامل، لا أن يُؤثِّرَ في بعضِ مجرياتهِ في تغييرِ تفاصيلهِ أو في تقديمهِ أو تأخيرهِ، وإنَّما يقضي عليه بالكامل يردُّهُ ردَّاً كاملاً - يَنْقضهُ - ينقضهُ نقضاً - يَنْقضهُ كَمَا يُنْقَضُ السِلْك وَقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَامَاً - السِّلكُ هو أن نجمعَ خُيوطاً، خُيوطاً من حريرٍ، خُيوطاً من صوفٍ، خُيوطاً من معدنٍ من المعادن، نقومُ بجمعها ونقومُ ببرمها برماً شديداً حتَّى تتحوَّلَ تلك الخيوطُ إلى سلكٍ واحدٍ مُتماسكٍ مُتمازجٍ وبعد ذلك نقومُ بنقضهِ نقومُ بفتحِ خُيوطهِ خيطاً خيطاً فينتفي وجودُ ذلك السلك لأنَّ وجودهُ كان قد أُنشئ من اجتماعِ تلك الخيوط، الَّذي أُبْرِم إِبرَاماً هو السلك وكذلك القضاءُ.

الحديثُ الثاني: بِسندهِ - بسند الكليني - عَن عُمر بنِ يَزِيد، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ - موسى بنُ جعفر صلواتُ اللهِ عليهما - يَقُول: إِنَّ الدُّعَاءَ يَردُّ مَا قَد قُدِّرَ وَمَا لَم يُقَدَّر - حتَّى الَّذي لم يُقدَّر - قُلتُ: وَمَا قَد قُدِّرَ عَرَفتُهُ فَمَا لَم يُقَدَّر؟ قَالَ: حَتَّى لَا يَكُون - الَّذي لم يُقدَّر وأنت تتوقَّعهُ أن يُقدَّر فإنَّ الدعاء سيردُّهُ سيُستجابُ فلا يُقدَّرُ هذا الَّذي أنتَ تتوقَّعهُ، أيَّةُ قُوَّةٍ في الدعاء؟!

الحديثُ الثالث: عَن إِمَامِنَا الصَّادِقِ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيه: إِنَّ الدُّعَاءَ يَردُّ القَضَاءَ وَقَد نَزَلَ مِن السَّمَاءِ - نزلت بهِ الملائكة - وَقَد أُبْرِمَ إِبْرَامَاً - حان وقتُ تطبيقهِ لكنَّ الدعاء يردّهُ.

الأحاديث وفيرةٌ كثيرةٌ في هذا المضمون أكتفي بهذهِ الأمثلة.

هذهِ الأحاديثُ تُخبرنا من أنَّ الإنسانَ بإمكانهِ أن يُغيّر المستقبل، هذا أسلوبٌ من الأساليب، هذهِ وسيلةٌ من الوسائل، قطعاً نحنُ نتحدَّثُ عن علامةِ حائطِ مسجد الكوفةِ، قد لا يكونُ الدعاءُ جارياً هنا وإن كان يمكنُ أن يجري، الدعاءُ يمكنُ أن يجري في كُلِّ الصورِ وفي كُلِّ الاحتمالات..

في الآيةِ التاسعةِ والأربعين بعد البسملةِ من سورة البقرة: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيم﴾، لا أريدُ أن أقفَ عندَ الآيةِ وتفاصيلها، الآيةُ واضحةٌ إنَّها تتحدَّثُ عن الَّذي واجههُ بنو إسرائيل حينما كانوا في مِصر.

أقفُ عند هذهِ الكلمة: "يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ".

لماذا أصدرَ فرعونُ أمرهُ بمراقبةِ نساء الإسرائيليِّين؟ فأيُّ امرأةٍ كانت حاملاً أوكل بها نساءً من القوابلِ فحينما تَلِدُ تلكَ المرأةُ الإسرائيليَّةُ فإنَّ القوابل تأخذُ الطفلَ منها كي يُذبحَ وكي يُقتل، لماذا؟

لأنَّ أخباراً وصلت إلى فرعون من أخبار المستقبل من أنَّ إسرائيليَّاً سيولدُ في هذهِ السنوات هو هذا الَّذي سيقضي عليك، من هنا اتخذ قرارهُ أن يذبحَ كُلَّ مولودٍ يُولَدُ في بني إسرائيل، الجواسيس يتجسَّسون لهُ من الرجالِ والنساء؛ أيُّ امرأةٍ تكونُ حاملاً توضعُ تحتَ المراقبة وتُسلَّمُ إلى القوابلِ ويُؤخذُ طفلُها منها بعد أن تلد، وقد ذبحوا كثيراً من أطفالِ بني إسرائيل، علَّهم يذبحونَ موسى، موسى نشأ في بيتهِ نشأ في قصرِ فرعون.

في سورةِ طه، الآيةِ الثامنةِ والثلاثين بعد البسملةِ وما بعدها: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى - يا موسى - ۞ أَنِ اقْذِفِيْهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيْهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾، إلى آخر الآيات.

فرعون غَيَّر مسارَ الأحداث.

المجموع :2679

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق