بحث في شرح وبيان معنى { آلاء الله }
  • طول المقطع : 00:54:54
وصف للمقطع

مقطع من برنامج [ قـرآنـهـم ] الحلقة ( 19 )
■ جاء في الآية 96 في قصّة هود النبي يُخاطب قومه: {فاذكروا آلاء الله لعلّكم تُفلحون} وفي الآية 74 النبي صالح يُذكّر قومه (ثمود) بنفس التعابير. هذا التعبير (آلاء الله) في الكتاب الكريم ورد في سورة الأعراف مرّتين مرّة على لسان هود النبي ومرّة على لسان صالح النبي.. فهذا المُصطلح جاء في قصّة قوم عاد وقصّة قوم ثمود، وجاء أيضاً في سُورة النجم في سياق قصّة عادٍ وثمود {وأنّه أهلكَ عاداً الأولى *وثمودَ فما أبقى* وقومَ نوحٍ من قبل إنّهم كانوا هم أظلم وأطغى* والمُؤتفكة أهوى* فغشّاها ما غشّى* فبأي آلاء ربك تتمارى أي تُشكّك}
أيضاً جاء تعبير (آلاء الله) في موطن آخر في الكتاب الكريم في سُورة الرحمن، فقد ورد فيها أيضاً هذا التعبير في قوله تعالى: {فبأي آلاء ربّكما تُكذّبان} هذا التعبير تكرّر 31 مرّة في السُورة.
■ فيما مرّ من الحلقات تحدّثت عن شيئين:
قلتُ هُناك رموز في الكتاب الكريم، وأيضاً تحدّثت عن أنّ القرآن نزل على العبارة والإشارة...
ما سأذكره في بيان معنى (آلاء الله) هو مِصداق مِن مَصاديق التشبّث بأذيال الإشارة، لأنّ التفسير في مُستوى الإشارة يكون بنحو أعمق مِن هذا الذي سأذكره. ومحاولة الخروج من سُلطة العبارة.
■ وقفة عند حديث الإمام الصادق مع داود الرقي في [تفسير البرهان: ج1] والذي يُعطينا قاعدة قرآنية يُبيّنها الإمام "عليه السلام"
(عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله أنتم الصلاة في كتاب الله عزَّ وجل؟ وأنتم الزكاة؟ وأنتم الحج؟ فقال: يا داود نحنُ الصَلاةُ في كتابِ الله عزّ وجل ونحنُ الزكاة، ونحنُ الصيام، ونحنُ الحجّ، ونحنُ الشهْر الحرام، ونحنُ البلد الحرام، ونحنُ كعبةُ الله، ونحنُ قِبلةُ الله، ونحنُ وجهُ الله، قال الله تعالى: {فَأينما تُولّوا فثمَّ وجْه الله}. ونحنُ الآياتُ ونحن البينات، وعدوّنا في كتابُ الله عزّ وجلّ الفحشاءُ والمُنكر والبغي والخَمْر والمَيسر والأنصابُ والأزلام والأصنام والأوثان والجبتُ والطاغوتُ والمِيتةُ والدم ولحمُ الخِنزير،
يا داود إنَّ الله خَلَقنَا وأكرمَ خَلْقنا وفَضَّلَنا وجَعَلنا أُمناءه وحَفَظَتهُ وخزّانهُ على ما في السماوات وما في الأرض، وجعلَ لنا أضداداً وأعداءً فسمّانا في كتابهِ وكنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبّها إليه تكنيةً عن العدوّ أي إخفاءً عن العدو وسمّى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنّى عن أسمائهم وضربَ لهم الأمثال في كتابهِ في أبغضِ الأسماء إليهِ وإلى عبادهِ المُتّقين). الرواية هنا لا تُريد أن تحصر أسماء أهل البيت بهذه الأسماء.. فقد ورد في كتاب "الّلوامع النورانية" أكثر من ألف اسم لهم "صلواتُ الله عليهم" وحتّى هذا العدد ليس حصراً لأسمائهم.. فهناك الكثير من الروايات لم تصل إلينا. ● قول الإمام (نحنُ الصَلاةُ في كتابِ الله، ونحنُ الزكاة، ونحنُ الصيام، ونحنُ الحجّ...) هذه الأسماء هي على نحو الحقيقة في طبقة الإشارة. ● كلّ العناوين الدالة على الحُسن والجمال هي من أسمائهم "صلوات الله عليهم" وكُلّ العناوين الدالّة على القُبح والمُنكر هي مِن عناوين أعدائهم، هذا إذا كان في الأوصاف.. ولكن في الأسماء كذلك، كما يقول أمير المؤمنين في خُطبه الافتخارية: (أنا آدم، أنا نوح، أنا موسى، أنا عيسى، أنا إبراهيم، أنا الخِضر..) كذاك فرعون والسامري وعاد وثمود وبقية الأسماء.. هي في أعدائهم.. هذه القضية واضحة والروايات الشريفة تحدّثت عن ذلك. فالسامري وقارون وهامان وفرعون والبقيّة الباقية هي من أسماء أعدائهم.. صحيح أنّ فرعون هو اسمٌ لشخص كان في زمان موسى، ولكن القُرآن في طبقةِ الإشارة يُشير إلى أعدائهم. فرعون في طبقة العبارة هو "فرعون موسى"، وفي طبقة الإشارة هو اسمٌ لعُتاة أعدائهم، وكذلك هذا العنوان: عاد وثمود.. عاد وثمود هي عناوين لأعدائهم
● أمّا في سورة الرحمن فهذا التعبير له خصوصية: {فبأي آلاء ربّكما تُكذّبان} هذا العنوان (آلاء الله) قطعاً رمز فالقرآن مشحونٌ بالرموز، والقرآن أهمّ أسراره: رموزه وعلى أساس رموزه نستطيع أن نفهم الحقائق القرآنية، وهذهِ الرموز يُحدّثنا عنها سيّد الأوصياء في كتاب [الاحتجاج] فيقول:
(وإنّما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمُها غيره وغيرُ أنبيائه وحُججه في أرضه لعلمه بما يُحْدثه في كتابه المُبدّلون..)
هناك رموز تبتني عليها هندسة القرآن ومِن خلال هذهِ الرموز نستطيع أن نستكشف المَعاني والحقائق.
فعنوان آلاء الله جاء مذكوراً في سورة الأعراف مرّتين، مرّة في خطاب من النبي هود لقومه عاد يُطالبهم أن يذكروا آلاء الله، ومرّة في قوم ثمود نبيّهم صالح يُطالبهم أن يذكروا آلاء الله.. وهذا يعني أنّ قوم عاد لا يذكرون آلاء الله، ولكنّهم على معرفة بها ولذلك يُطالبهم نبيّهم أن يذكروا آلاء الله، وكذلك الأمر بالنسبة لقوم صالح.. فآلاء الله عند قوم عاد وعند قوم ثمود ولكنّهم في حالة إعراض عن آلاء الله هذه.