قصّة نبي الله شعيب و قومه مَدْيَن {وإلى مَدين أخاهم شعيباً}
  • طول المقطع : 00:46:18
وصف للمقطع

مقطع من برنامج [ قـرآنـهـم ] الحلقة ( 19 )
{وإلى مَدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره قد جاءتكم بيّنة مِن ربّكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إنْ كنتم مؤمنين}
مدين: اسم لبلد تقع في بلاد الشام.
● قوله: {وإلى مَدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره}
الشعارات والدعوة والألفاظ والمضامين هي هي.. قطعاً الأنبياء جميعاً شعاراتهم ومضامينهم هي هي، ولكن قد تكون هناك اختلافات بحسب خُصوصيّة كلّ نبي، وشؤون كلّ أُمّة بُعث إليها ذلك النبي زماناً، مكاناً، ظُروفاً، وسائر المُلابسات الأخرى التي ترتبط بحياتهم وبثقافتهم وعاداتهم.
لكن الصياغة القُرآنية التي عنونتْ دعوةَ نوح، ودعوة هود، وكذلك دعوة صالح.. هناك استمرارية على نفس الألفاظ ونفس المُصطلحات.. والقرآن يُبين لنا ذلك يُريد أن يُشير إلى هذه الحقيقة: مِن أنّ هذه المجموعة من الأنبياء تُشكّل خطّاً واحداً هو الخطّ الآدمي.
● {قد جاءتكم بيّنة مِن ربّكم} البيّنة التي جاءتهم مِن ربّهم هو شعيب نفسه، بعلمه، بدعوته، ببراهينه، وبما صدر من مُعجزة على يده. (كُل الأقوام طالبوا أنبياءهم بِمعجزات). الآية تتحدّث عن بيّنة جاءتهم وتفرّع على ذلك أنّ نبيّهم يُطالبهم بأن يُوفوا الكيل والميزان.
● قوله: {فأوفوا الكيل والميزان} الفارق بين الكيل والميزان هو:
● أنّ الميزان قد يكون اسماً للآلة التي نزن بها الأشياء، وقد يكون اسماً وعنواناً لنفس عملية الوزن بغضّ النظر عن الآلة، فهو منظومة لوزن الأشياء
● أمّا الكيل: فهو عنوانٌ لآليّة حساب ومعرفة مقادير ما يُكال.. الذي يُكال هو الذي يُعرف مِقداره بآلة المكيال، والمكيال أي وعاء من الأوعية بحسب اتّفاق أهل البيع والشراء. عملية الكيل هي عملية تقدير شيء بواسطة المكيال.
● قولهِ: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} أي لا تُنقصوها. الذي كان يفعلهُ قوم شعيب هو أنّهم كانوا إذا اشتروا مِن أحدٍ شيئاً وزنوه بالتمام والكمال على أحسن وجهاً، ولكنّهم إذا ما باعوا شيئاً للآخرين أنقصوا في كيلهم وميزانهم (غشّوا في ذلك)! عملية الظلم والانقاص هذهِ وعملية بخس الناس أشياءهم هذه تقع في سلسلة جرائم تُؤدّي إلى إفساد الأرض.. وقد مرّ علينا الحديث في عملية إفساد الأرض وإصلاحها.
● محمّد وعليّ مقدمة لمشروع كبير هو مشروع إمام زماننا، والذي يتلخّص في عنوان واضح أنّه (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً) مُلئتْ ظُلماً بجميع أنواع الظُلم، وأحد أشكال هذا الظلم في سلسلة الجرائم والأخطاء التي تُؤدّي إلى الإفساد في الأرض هو هذا المعنى الذي تتحدّث عنه هذه الآيات. وقطعاً الافساد في الأرض على درجات:
فهذا الظُلم في الكيل والوزن هو إفساد.. وقتلُ الحسين إفساد. والإلتزام بالقوانين العادلة في الكيل والميزان قسطٌ وعدل.. وظهور إمام زماننا قسط وعدل. فالإفساد مراتبهُ كثيرة، ويُقابله الإصلاح أيضاً مراتبه كثيرة.
■ قوله: {ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله مَن آمن به وتبغونها عِوَجا واذكروا إذْ كنتم قليلاً فكثّركُم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين}. المُشكلة هي هي في هذهِ الأًمّة (أُمّة شعيب) وفي الأُمم السابقة وفي الأمم الّلاحقة أيضاً. من هنا جاء ذكْر هذه الأحداث وهذه الوقائع.. فما جرى في الأُمم السالفة يجري في هذه الأمّة ونبيّنا الأعظم هو الذي يُخبرنا أنّ ما جرى في الأُمم السابقة يجري في هذه الأُمّة حذوَ النعل بالنعل وحذوَ القذّة بالقذّة باعاً بباع وذراعاً بذراع حتّى أنّهم لو دخلوا جُحْر ضبّ لدخلتم فيه.
ومِن هُنا أُمرنا أن ننظر في هذهِ القصص والحكايات والوقائع لأجل الاعتبار بها والاعتبار منها.. ونفس هذهِ المضامين مرّت فيما سلف مِن آيات سورة الأعراف كما في قولهِ تعالى: {وأذّن مُؤذّن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} وأوّل العناوين التي أُشير إليها في هذه السُورة هم أصحاب الجمل (والجمل جملهم) هؤلاء كانوا يصدّون على سبيل الله ويبغونها عوجاً.
● {ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون وتصدون أي تمنعون عن سبيل الله مَن آمن به وتبغونها عِوَجا} تُوعدون هو الوعيد والوعيد هو التهديد، تُهدّدون مَن آمن بالله. وسبيل الله في ثقافة أهل البيت هم عليّ وآل عليّ.. كما نقرأ في دُعاء الندبة الشريف: (أين السبيلُ بعد السبيل...أين الحسنُ أين الحُسين أين أبناء الحُسين..) التعابير هي هي.. وقطعاً في كلّ أمّة من الأُمم السابقة هذهِ المعاني تتجلّى لهم بِحَسبهم، فسبيلهم في زَمانهم هو نَبيّهم، ونَبيّهم جوهر دينه وجوهر نبوّته: الولاء لمُحمّد وآل مُحمّد
● قوله {واذكروا إذْ كنتم قليلاً فكثّركُم} القِلّة عُنوانٌ للضعف، وعنوانٌ للفَقر، وعُنوانٌ للخَوف مِن الآخرين، وعُنوانٌ للمَهانة والمذلّة.. والكثرة عنوانٌ للقوّة وللعزّة وللغنى.
● قوله {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} مِن الأُمم السالفة، من قوم نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم.. فشُعيب في أيّامه جاءه موسى قبل أن يُبعث وعاش سنوات في بيت شُعيب.. موسى من الخطّ الإبراهيمي، وأمّا شُعيب فهو من الخط الآدمي. (وهنا تلتقي النبّوة الآدميّة والنبوّة الإبراهيمية حين يأتي موسى في بيت شُعيب النبي)