مَسار التَّعظيم العقائدي في الزيارة الجامعة الكبيرة
وصف للمقطع

زُبدةُ القولِ بعدَ كُلِّ تلك البيانات: في (الزِّيارة الجامعة الكبيرة) إنَّهُ القولُ البليغُ الكامل.

في مفاتيح الجنان:

سأقرأ عليكم مقطعاً من مقاطعِ هذهِ الزِّيارةِ وبعد ذلك أعودُ للتعليقِ على هذا المقطع، بالإجمالِ فهذا المقطعُ يتحدَّثُ عن مَسار التَّعظيم العقائدي، نُخاطِبُ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّد، نُخاطِبُ صَاحِبَ الأمر الحُجَّةَ بنَ الحسن: وَأَنَّ أَرْوَاحَكُم وَنُوْرَكُم وَطِيْنَتَكُم وَاحِدَة طَابَت وَطَهُرَت بَعْضُهَا مِن بَعْض، خَلَقَكُم اللهُ أَنْوَارَاً فَجَعَلَكُم بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين حَتَّى مَّنَّ عَلَيْنَا بِكُم فَجَعَلَكُم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَع وَيُذْكَرَ فِيْهَا اِسْمُه، وَجَعَلَ صَلَاتَنَا عَلَيْكُم وَمَا خَصَّنَا بِهِ مِن وِلَايَتِكُم طِيْبَاً لِخَلْقِنَا وَطَهَارَةً لِأَنُفُسِنَا وَتَزْكِيَةً لَنَا وَكَفَّارَةً لِذُنُوبِنَا، فَكُنَّا عِنْدَهُ مُسَلِّمِينَ بِفَضْلِكُم وَمَعْرُوفِيْنَ بِتَصْدِيقِنَا إِيَّاكُم، فَبَلَغَ اللهُ بِكُم أَشْرَفَ مَحَلّ الْمُكَرَّمِيْن وَأَعْلَى مَنَازِلِ الْمُقَرَّبِيْن وَأَرْفَعَ دَرَجَاتِ الْمُرْسَلِيْن حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ لَاحِق وَلَا يَفُوقُهُ فَائِق وَلَا يَسْبِقُهُ سَابِق وَلَا يَطْمَعُ فِي إِدْرَاكِهِ طَامِع حَتَّى لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّب وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَل وَلَا صِدِّيْقٌ وَلَا شَهِيْد وَلَا عَالِـمٌ وَلَا جَاهِل وَلَا دَنِيٌّ وَلَا فَاضِل وَلَا مُؤْمِنٌ صَالِح وَلا فَاجِرٌ طَالِح وَلَا جَبَّارٌ عَنِيْد وَلَا شَيْطَانٌ مَرِيْد وَلَا خَلْقٌ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَهِيْد إِلَّا عَرَّفَهُم جَلَالَةَ أَمْرِكُم وَعِظَمَ خَطَرِكُم وَكِبَرَ شَأْنِكُم وَتَمَامَ نُوْرِكُم وَصِدْقَ مَقَاعِدِكُم وَثَبَاتَ مَقَامِكُم وَشَرَفَ مَحَلِّكُم وَمَنْزِلَتِكُم عِنْدَه وَكَرَامَتَكُم عَلَيه وَخَاصَّتَكُم لَدَيه وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُم مِنْه.

هذا المقطعُ الَّذي اقتطعتهُ من دستورنا العقائدي الشيعي الأصيل من الزِّيارة الجامعةِ الكبيرة يُحدِّثنا عن مسار التَّعظيم.

بشكلٍ سريعٍ سأمرُّ على عبائرِ هذا المقطعِ من الزِّيارةِ الشريفة:

عبائرُ هذا المقطعِ مِن هُنا بدأت: "وَأَنَّ أَرْوَاحَكُم وَنُوْرَكُم وَطِيْنَتَكُم وَاحِدَة"، كُلُّ هذا يُشيرُ إلى الحقيقةِ الـمُحَمَّديَّةِ العُظمى، إنَّها حقيقةٌ واحدة، حقيقةٌ بسيطةٌ ليست مُركَّبةً من حيثُ ما دُونها وهي مُركَّبةٌ مِن حيثُ ما فوقها، فإنَّ الَّذي فوقها هو الَّذي خلقها.

الحقيقةُ الـمُحَمَّديَّةُ مُركَّبةٌ؛

- ما بين التَّجلِّي الإلهي فيها.

- وما بينَ وجهِ عبوديّتها ومخلوقيّتها.

بالضبط مثلما جاء في دُعاءِ شهرِ رجب المروي عن إمامِ زماننا الحُجَّة بن الحسن صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه: (لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك)، الزِّيارةُ هُنا تُشيرُ إلى الحقيقةِ الواحدة الَّتي هي واحدةٌ بسيطةٌ من حيثُ ما دُونها، وهي مُركَّبةٌ من حيثُ ما فوقها.

- في وجهها الأولِ: لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَينَهُ.

- وفي وجهها الثاني: إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك.

"وَأَنَّ أَرْوَاحَكُم وَنُوْرَكُم وَطِيْنَتَكُم وَاحِدَة"؛ أرواحهم مَردُّها إلى حقيقةٍ واحدة هي الحقيقةُ الـمُحَمَّديَّة، أنوارُهُم، طينَتُهم، عَبِّروا ما شئتُم من التعابير وهذهِ أبلغُ التعابير.

الأرواحُ؛ تَجلِّياتٌ من الأنوار.

والأنوارُ؛ تَجلِّياتٌ من الطِّينةِ.

والطِّينةُ؛ هي عنوانٌ للحقيقةِ الـمُحَمَّديَّةِ هنا.

-وَأَنَّ أَرْوَاحَكُم وَنُوْرَكُم - فجاءت الأرواحُ جَمعاً لأنَّ التَكَثُّر يأتي بعدَ التوحُّد، لم تقل الزيارةُ (وأنواركم)، فالأرواحُ تَكثُّرٌ في تجلِّيها، والنُّورُ توحُّدٌ في تجلِّيه، وهذا التَكثُّر انعكاسٌ عن ذلكَ التوحُّد، والمرَدُّ إلى الطِّينةِ إنَّها الطِّينةُ الواحدة، إنَّها الحقيقةُ الـمُحَمَّديَّةُ العظمى، فإنَّ الله خلقها بنفسها ولذا فهي الطِّينةُ هي الأصل، خلقَ المشيئة وهي الطِّينةُ خلقها بنفسها، وخلقَ الأشياءَ بالمشيئة.

-وَطِيْنَتَكُم وَاحِدَة طَابَت وَطَهُرَت - إنَّها الأرواحُ هي الَّتي طابَت وطَهُرت - بَعْضُهَا مِن بَعْض - تلكَ الأرواح، مردُّها إلى رُوحٍ واحدة، مردُّها إلى نُورٍ واحد، مردُّها إلى طينةٍ واحدة، مردُّها إلى سرٍّ إلهيٍّ واحد إنَّها المشيئةُ الَّتي خلقها اللهُ بنفسها - خَلَقَكُم اللهُ أَنْوَارَاً - هذهِ أصولُ المجالي الَّتي أشرقت منها الأسماءُ الحُسنى، الَّتي كُلُّ شيءٍ من حولنا مَردُّهُ إليها إلى الأسماءِ الحُسنى.

-فَجَعَلَكُم بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين - مُحْدِقِينَ؛ مُحيطين، مثلما تُحدِقُ الحديقةُ بالبيت، فمجالي أنوارهم الأولى، أنا لا أتحدَّثُ عن الحقيقةِ الـمُحَمَّديَّةِ في أعظمِ مجاليها مثلما جاء في الأدعيةِ الشريفة: (وَبِاسْمِكَ العَظِيمِ الأَعْظَمِ الأَعْظَم الأَعَزِّ الأَجَلِّ الأَكْرَم الَّذِي خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي ظِلِّك فَلَا يَخْرُجُ مِّنْهُ إِلَى غَيْرِك)، أعظمُ مجاليها هناك، فأين العرشُ من هُناك، وإنَّما هذهِ مجالي الأنوار الَّتي أشرقت منها الأسماءُ الحُسنى.

في الجزء الأوّل من (الكافي الشريف)، الطبعة الَّتي أشرتُ إليها قبل قليل، صفحة (164)، الحديثُ الرَّابع: بِسندهِ - بسندِ الكُليني - عَن مُعَاوِيَة بنِ عَمَّار، عَن إِمَامِنَا الصَّادِقِ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيه، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" - هكذا قال إمامنا الصَّادقُ - نَحْنُ واللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ العِبَادِ عَمَلاً إِلَّا بِمَعْرِفَتِنَا - فَهُم واللهِ الأسماءُ الحُسنى - نَحْنُ واللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ العِبَادِ عَمَلاً إِلَّا بِمَعْرِفَتِنَا.

- حَتَّى مَّنَّ عَلَيْنَا بِكُم - إلى أن تَجلَّى ما تجلَّى من تجليّاتِكُم في عالَمِنا الأرضي ما بَينَ أظهُرنا مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد صلواتُ اللهِ عليهم، ما تقدَّم من كلامٍ هوَ حديثٌ يبدأُ من الحقيقةِ الـمُحَمَّديَّةِ الَّتي كانت ولم يَكُن معها شيء مِمَّا دُونها من الخلائق، إلى كُلِّ مجاليها، حتَّى تجلَّت حقيقتهم في عالَمنا الَّذي نعيشُ فيه وفي هذهِ القُبَّةِ الَّتي يُصطلحُ عليها في مصطلحاتهم في ثقافتهم (بقُبَّةِ آدم)، والقِبابُ الآدميَّةُ كثيرةٌ، فقبل آدمنا هذا آدمُ وآدمُ وآدم، الحكايةُ طويلةٌ سيأتي الحديثُ عنها في قادمِ الحلقات.

- فَجَعَلَكُم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيْهَا اِسْمُه - هذهِ البيوتُ ما هي بِبُيوتِ الحجر، هذهِ بُيُوتُ الحقائق، هذهِ البُيُوت الَّتي أخبرونا عنها من أنَّهم لا يجدون لبُيوتهم سُقُفاً غيرَ عرشِ الرَّحمن، هذهِ مجالي أنوارِهم في هذا العالم، في قُبَّةِ أبينا آدم.

- وَجَعَلَ صَلَاتَنَا عَلَيْكُم - هذا عنوانٌ لعقيدتنا - وَمَا خَصَّنَا بِهِ مِن وِلَايَتِكُم - الصَّلاةُ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد هي بنفسِ معنى التَّسبيح الَّذي نُسَبِّحُ الله به، فشأنُ الله أن نُسبِّحهُ، وشأنُ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ أن نُصلِّي عليهم هذا هوَ تسبيحُنا في مِحرابِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد.

-طِيْبَاً لِخَلْقِنَا وَطَهَارَةً لِأَنُفُسِنَا - هذا هو مصنعُ صناعة الفردِ الإنسان، هُنا يُصنَعُ الفردُ الإنسان - وَتَزْكِيَةً لَنَا وَكَفَّارَةً لِذنُوبِنَا - كُلُّ كلمةٍ بحاجةٍ إلى شرحٍ وبيان، ماذا أصنعُ للوقتِ والزَّمان، لكنَّكم تتلمَّسُونَ أنَّ مسارَ التَّعظيمِ يتحرَّكُ في كُلِّ هذهِ الجُمَل، يتجلَّى واضحاً في كُلِّ هذهِ الكلمات، ما هي النتيجةُ بعد ذلك؟

- فَكُنَّا عِنْدَهُ مُسَلِّمِينَ بِفَضْلِكُم - تُلاحظونَ الاتِّساقَ الدقيق جِدَّاً بينَ نُصوص الزِّياراتِ الَّتي يُشَكِّكُ بها مُرجئةُ النجف، ألا لعنةٌ على منهجهم، ألا لعنةٌ على حوزتهم - وَمَعْرُوفِيْنَ بِتَصْدِيْقِنَا إِيَّاكُم - نحنُ نُسَلِّمُ بفضلكم، ونُصَدِّقُ بعظمةِ مقامتكم الَّتي هي أعظمُ العظمة (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ عَظَمَتِكَ بِأَعْظَمِهَا).

- فَبَلَغَ اللهُ بِكُم - التعبيرُ هُنا قد يكونُ دُعاءً، وقد يكونُ إخباراً، حتَّى إذا أردنا أن نفهمهُ دُعاءً فَهُو دُعاءٌ في تركيبهِ اللفظي، أمَّا في مضمونهِ الخبري فهو بيانٌ وإخبار، وإظهارٌ وإقرار من قِبَلِ الزَّائر، هذا عرضٌ للعقيدةِ، وما هوَ بدعاءٍ نتوجَّهُ فيهِ كي ينتفع مِنهُ مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد، فنحنُ الَّذين ننتفعُ مِنَ الدعاء، ننتفعُ مِن صلاتِنا على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ إذا ما ردَّدناها على أنَّها دُعاء، أمَّا إذا ردَّدناها على أنَّها تسبيح في حقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ فإنَّ التَّسبيحَ إخبار، لا أريدُ أن أخوضَ في هذهِ التفاصيل - فَبَلَغَ اللهُ بِكُم أَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمِّين وَأَعْلَى مَنَازِلِ الْمُقَرَّبِين وَأَرْفَعَ دَرَجَاتِ الْمُرْسَلِين - هل يعني أنَّ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ هُم في هذهِ الدرجات؟!

دَقِّقوا النَّظرَ في التعابير:

"فَبَلَغَ اللهُ بِكُم أَشْرَفَ مَحَلّ الْمُكَرَّمِين"؛ هُناكَ مُكرَّمُون، والْمُكرَّمُونَ هؤلاء لهم محال، لهم منازل، وهناكَ أشرفُ مَحالِّ الـمُكرِّمِين، فهل يعني هذا أنَّ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ هُم في أشرفِ مَحالِّ المكرَّمِين، هذا يعني أنَّ سلسلة المكرَّمِين ستكونُ مُتَّصِلةً، وأعلى السلسلة مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد.

والكلامُ هو هو بالنسبةِ للمُقرَّبين؛ "وَأَعْلَى مَنَازِلِ الْمُقَرَّبِيْن وَأَرْفَعَ دَرَجَاتِ الْمُرْسَلِين"؛ فَهُناكَ مجموعةُ الـمُرسَلِين، وهُناكَ مجموعةُ الـمُقرَّبِين، وهُناك مجموعةُ المكرَّمِين، وقد يكونُ مرسلٌ أيضاً من المقرَّبِينَ ومِن المكرَّمين، هذهِ المراتبُ قد تكونُ مُنفصلةً من حيثيّةٍ من الحيثيّات، وقد تكونُ مُتَّصِلةً من حيثيّةٍ أخرى، نحنُ نتحدَّثُ عن حقائقِ عالم الغَيْب، نحنُ لا نتحدَّثُ عن حقائقِ عالم الدنيا، لا نتحدَّثُ عن حقائق المادّةِ والحس، هُناكَ شيءٌ يتسامى على هذهِ المعاني.

عبائرُ الزيارةِ هكذا يبدو منها لأوَّلِ وهلة؛ كأنَّ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ هُم في أشرفِ مَحلِّ المكرَّمِين وفي أعلى منازلِ المقرَّبين وفي أرفعِ درجاتِ المرسلين، فهذا يعني أنَّ السلاسل تتواصلُ حتَّى تَصِل إلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ. الزيارةُ لا تقصدُ هذا، إذا قصدنا هذا قَزَّمَنا مقاماتِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد.

أكملوا الكلام ماذا تقولُ الزِّيارةُ؟: حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ لَاحِق وَلَا يَفُوقُهُ فَائِق وَلَا يَسْبِقُهُ سَابِق وَلَا يَطْمَعُ فِي إِدْرَاكِهِ طَامِع - ليسَ هُناكَ من تواصل في هذهِ السلاسل معَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، هذهِ سلاسلُ شيعتهم.

"إِنَّ حَدِيثَنَا صَعِبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَحْتَمِلُهُ لَا نَبِيٌّ مُرْسَل وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّب"؛ حديثهم الَّذي هُو من آثارهم، هُناكَ قطيعةٌ، فَاطِمَة هي فَاطِمَةٌ لأنَّها قد فطمت العُقول، العُقُولُ فُطِمت عن معرفتها، عُقُولُ الخلق، عُقُولُ الأنبياء.

"إِنَّ حَدِيثَنَا صَعِبٌ مُسْتَصْعَبٌ ذَكْوَانٌ أَجْرَد لَا يَحْتَمِلُهُ لَا نَبِيٌّ مُرْسَل وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّب وَلَا عَبْدٌ اِمْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلإِيمَان - أبو الصَّامت الَّذي يروي لنا الرواية هذهِ يسألُ الإمام الصَّادقَ صلواتُ اللهِ عليه - فَمَن يَحْتَمِلُهُ جُعِلْتُ فِدَاك؟ - مَن يحتملهُ؟ - قَالَ: نَحنُ نَحْتَمِلُه"، نحنُ نَحتَمِلُه، هُناكَ قطيعةٌ.

"إِنَّ حَدِيثَنَا صَعِبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَل - وَمِن الأنبياءِ مِن ليسَ مُرسلاً، أكثرُ الأنبياء ليسوا مُرسلين - لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَل أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّب - أكثرُ الملائكةِ ليسوا مُقرَّبين - أَوْ عَبْدٌ اِمْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلإِيمَان وأكثرُ المؤمنين ليسوا بهذا الوصف لم تُمتَحن قُلُوبهم.

هذهِ السَّلاسِلُ الَّتي تتحدَّث عنها الزيارة: فَبَلَغَ اللهُ بِكُم أَشْرَفَ مَحَلَّ الْمُكَرَّمِّين وَأَعْلَى مَنَازِلِ الْمُقَرَّبِين وَأَرْفَعَ دَرَجَاتِ الْمُرْسَلِين - هذا ما أستطيعُ أنا أن أُدرِكَهُ بعقلي، الزيارةُ قولٌ بليغٌ كاملٌ، مثلما قال النُّخَعي، أقولهُ أنا، هذا ما هو قولٌ يُناسِبُ الإمام، هذا قولٌ يُناسبني أقولهُ أنا.

هكذا جاءَ في مُقدِّمةِ الزِّيارة: (عَلِّمْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ الله - موسى بنُ عبد الله النُّخَعي يقولُ للإمام الهادي - عَلِّمْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ الله قَوْلَاً أَقُولُه - أنا النُّخَعي أنا وأنتم - قَوْلَاً أَقُولُهُ بَلِيْغَاً كَامِلاً إِذَا زُرْتُ وَاحِدَاً مِنْكُم)، هذا القولُ بليغٌ كاملٌ من حيث أنا لا من حيثُ هم، من حيثُ هم ما هو بقولٍ بليغٍ كامل، مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّدٍ أسمى من الزِّيارةِ الجامعةِ الكبيرة، هذا قولٌ بليغٌ كاملٌ دُستورٌ عقائديٌّ شيعيٌّ أصيلٌ بحسبي وبحسبكم لا بحسبِ الحُجَّةِ بن الحسن، إذا قُلتُ هذا كُنتُ مُقَزِّمَاً للحُجَّةِ بن الحسن، فما بالكم بهؤلاءِ الَّذين لا يفقهونَ الزِّيارةَ الجامعة الكبيرة ويجدونَ الزِّيارةَ الجامعة الكبيرة فيها من المعاني الَّتي لا تقبَلُها عقولهم؟

عرفتُم الآنَ الفارقَ بين التَّعظيمِ والتَّقزيم، هذا هو مرادي من التَّعظيمِ والتَّقزيم، هذهِ الزِّيارةُ الجامعةُ الكبيرةُ منبعُ العقيدةِ الصَّافية، ومَنجمُ المعرفةِ والثقافةِ العَلَويَّةِ النَّقيَّة، أتحدَّثُ عن عَلَويَّةِ أميرِ المؤمنين، وعن عَلَويَّةِ إمامنا السجَّاد، وعن عَلَويَّة الرِّضا، وعن عَلَويَّة الَّذي فاضت شِفَاهُهُ القُدسيَّةُ بها عن عَلَويَّةِ عليٍّ الهادي، هؤلاءِ الأَئِمَّةُ الحُرُم بحسبِ تعبيرِ القُرآن، العَلِيُّونَ الحُرُم صلواتُ اللهِ عليهم مظاهر الجلال الإلهي الأعظم، ومن هنا عَبَّر عنهُم القُرآن من أنَّهم الحُرُم.

في سُورةِ التَّوبة، الآيةِ السادسةِ والثلاثين: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ - كَم؟ - اثْنَا عَشَرَ شَهْراً - إنَّها سلسلةُ الأئِمَّةِ الأوصياء، سلسلةُ الأَئِمَّةِ الاثني عشر - فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم - العَلِيُّون؛ عليُّ المرتضى، عليُّ السجَّاد، عليُّ الرِّضا، عليُّ الهادي - ذَلِكَ الدِّيْنُ الْقَيِّم﴾، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم الَّذي لهُ قَيِّمةٌ كما في سُورةِ البَيِّنة: ﴿وَذَلِكَ دِيْنُ الْقَيِّمَة﴾، الباقرُ يقول: (القَيِّمَةُ فَاطِمَة)، بحسب تفسيرهم.

- حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ لَاحِق - ليسَ هُناك من اتصال هنا انقطاع - وَلَا يَفُوقُهُ فَائِق - الفائقُ هو المتفوِّق الَّذي يتفوَّقُ عَلَيَّ بما عِندهُ من قُدرَاتٍ مِن مَلكاتٍ مِن ومِن ومِن - وَلَا يَسْبِقُهُ سَابِق وَلَا يَطْمَعُ فِي إِدْرَاكِهِ طَامِع - انتهت الألفاظ، هذا هو الَّذي يُوجَدُ في لُغةِ العرب..

المجموع :2625

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق