معنى قول عليٍّ عليه السلام: أَنَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقَعُ عَلَيهِ اِسْمٌ وَلَا شِبْه
- طول المقطع : 0:38:27
- مقطع من برنامج : الخاتمة_160 - اعرف امامك ج59 - شؤون عقيدة التوحيد ق29
وصف للمقطع
وإلى هذا يُشيرُ أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في بعضِ خُطَبهِ الَّتي رواها الحافظُ رجب البُرسي في كتابهِ المشارق (مشارق أنوارُ اليقين في أسرار أمير المؤمنين) طبعةُ مؤسسة الأعلمي / بيروت - لبنان / صفحة (172)، في آخر خطبةٍ من خطبهِ الَّتي جاءت مذكورةً في هذا الكتاب الأميرُ يقول: (أَنَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقَعُ عَلَيه اِسْمٌ وَلَا شِبْه)، وكذلك يمكن أن تكون (وَلَا شَبَه)، فليسَ لهُ من شِبهٍ، من شبيه، وليسَ هناكَ من شَبَهٍ يمكننا أن نجدهُ في كائنٍ آخر كي نستطيعَ أن نصفَ المعنى الَّذي يتحدَّث عنهُ سيّد الأوصياء، قطعاً من الخلقيّات الَّتي صدرت من الحقيقة الـمُحَمَّديّة.
الإمام هنا يقول: (أَنَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقَعُ عَلَيهِ اِسْمٌ وَلَا شِبْه)، ولكنَّهُ سبَقَ كلامه بقرينةٍ قال: (أَنَا صِهْرُ مُحَمَّد) فهل أنَّ الذَّاتَ الأولى ينطبق عليها هذا الكلام؟ الذَّاتُ الأولى المنزَّهةُ تمام التنزيه بحسبِ عقيدةِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، الإمام صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه إنَّهُ قاصدٌ عامدٌ أن يقول: (أَنَا صِهْرُ مُحَمَّد، أَنَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقَعُ عَلَيهِ اِسْمٌ وَلَا شَبَه وَلَا شِبْه - ثُمَّ يُعقِّبُ هذه الجملة بقولهِ - أَنَا بَابُ حِطَّة)، فهل أنَّ الله، أعني الذَّاتَ الأولى يَصدُقُ في حَقِّهِ أن نقول عنه من أنَّهُ بابُ حِطَّة؟ نحنُ نُنزِّههُ حتَّى عن اسم الله، إنَّها إشاراتُ نُنزِّههُ عن الأسماء الحُسنى، نحنُ نُنزِّههُ حتَّى عن الحقيقةِ الـمُحَمَّديَّة.
هذه القرائنُ جاء بها أميرُ المؤمنين كي نفهم أنَّ المراد من المعنى هُو هذا الَّذي أشرتُ إليه قبل قليل؛
- فإنَّ الله سبحانهُ وتعالى تجلَّى معناهُ في الحقيقةِ الـمُحَمَّديَّة.
- والحقيقةُ الـمُحَمَّديَّةُ تجلَّت بالمعنى الَّذي تجلَّى فيها في الحقيقة العلَويَّة.
- والحقيقةُ العَلَويَّةُ تجلَّت بالمعنى الَّذي تجلَّى فيها في الأسماءِ الحُسنى الفاعلة الَّتي هي مصادرُ الفيضِ في هذا الوجود.
- أمَّا مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّدٍ الَّذين هم بين أظهُرنا هم الأسماء العظمى، هم الاسمُ الأعظمُ للحقيقةِ الـمُحَمَّديَّةِ وللحقيقةِ العَلَويَّة، وإلى هذا يشير أمير المؤمنين: (أَنَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقَعُ عَلَيهِ اِسْمٌ وَلَا شِبْه وَلَا شَبَه)، فهو الَّذي يقول قبل هذه الجملة مباشرةً: "أَنَا صِهْرُ مُحَمَّد"، وبعدها مباشرةً: "أَنَا بَابُ حِطَّة".
المضامين الَّتي تحدَّث عنها أمير المؤمنين في هذه الخطبة نفسها مثلاً حين يقول: (أَنَا صَاحِبُ بَدْرٍ وَحُنَين)، هل يَصحُّ أن نقول عن الذَّات الأولى هذا الَّذي يقوله أمير المؤمنين: (أَنَا صَاحِبُ بَدْرٍ وَحُنَين)؟
يقول: (أَنَا الكِتَابُ الْمَسْطُور)، هل يصحُّ أن نقول عن الذَّاتِ الأولى هذا القول؟ (أَنَا البَيتُ الْمَعْمُور) أنا أنا، وفي سائر خطبه الأخرى.
مثلاً في خطبةٍ أخرى: (أَنَا شَهرُ رَمَضَان، أَنَا لَيلَةُ القَدْر، أَنَا أُمُّ الكِتَاب) أنا أنا، هل يصحُّ أن نقول عن الذَّاتِ الأولى هذه المضامين؟ هذه المضامينُ يصحُّ وبتمامِ المعنى أن نقولها عن عليٍّ أمير المؤمنين، أن نقولها عن صاحبِ الأمر، لكن لا يصحُّ أن نقولها عن الذَّاتِ الأولى ولا يصحُّ أن نقولها عن الحقيقةِ الـمُحَمَّديَّةِ أصلاً، لأنَّها لا تنطبقُ عليها، إنَّما تنطبقُ على شؤونِ أسمائها، وهذهِ شؤونٌ من شؤون الخلقيّاتِ الصَّادرةِ عن الحقيقةِ الـمُحَمَّديّة، نحنُ لا نصفُ الحقيقة الـمُحَمَّديَّة بهذهِ الأوصاف، فكيفَ نصفُ الذَّات الأولى؟!
أميرُ المؤمنين صلواتُ اللهِ وسلامه عليه حين يقول: (أَنَا الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقَعُ عَلَيهِ اِسْمٌ وَلَا شِبْه)، باعتبارِ أنَّهُ الاسمُ الأعظمُ للحقيقةِ العَلَويَّة، والحقيقةُ العَلَويَّةُ تجلَّى فيها (معنى الله) عبر الحقيقةِ الـمُحَمَّدية، فإنَّ الله تجلَّى أولَّاً في الحقيقة الـمُحَمَّديةِ بمعناه، وبعد ذلك تجلَّت الحقيقة الـمُحَمَّديةُ بهذا المعنى في الحقيقةِ العَلَويَّة، هناك فصلٌ واضحٌ في مظاهرهم، الآياتُ القُرآنيةُ صريحةٌ في هذا.
على سبيل المثال: إذا ذهبنا إلى سورة النساء.
وإلى الآية التاسعة والخمسين بعد البسملة من سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ - واحد - وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ - اثنان - وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾، ثلاثة، هناك تفصيلٌ، هذا التفصيلُ ليس اعتباطياً.
وإذا ذهبنا إلى سورة المائدة، وإلى الآيةِ الخامسة والخمسين بعد البسملة: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِيْنَ آمَنُواْ الَّذِيْنَ يُقِيْمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون﴾، هذه الأوصافُ لا تتناسب أن يوصفَ بها الله، الظواهرُ لا تنفكُّ عن البواطن، الظواهرُ والبواطنُ تأتي في اتساقٍ واحد، كُلُّ شيءٍ عندَ اللهِ بمقدار، هناكَ حكمةٌ، وهناكَ انتظامٌ ونظامٌ واتساقٌ واتزانٌ..
وإذا ما ذهبنا إلى سورة التوبة، وفي الآية الخامسة بعد المئة: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، هناك تفصيلٌ، وهناك تقديمٌ وتأخيرٌ، (إِنَّ قَومَاً آمَنُوْا بِالظَّاهِر وكَفَروْا بِالبَاطِن مَا كَانُوْا عَلَى شَيء - ضَلُّوْا - وَإِنَّ قَومَاً آمَنُوْا بِالبَاطِن وَكَفَرُوْا بِالظَّاهِر مَا كَانُوْا عَلَى شَيء - ضلُّوا وأضلّوا الآخرين - الإِيْمَانُ إِيْمَانٌ بِظَاهِرٍ وَبَاطِن)، ولا يوجد انفكاكٌ بين الظَّاهرِ والباطن.
الباطنُ إن كان الحديثُ في العلمِ فإنَّ المعاني ستكون أعمق، وإن كان الحديث في التجليّاتِ وفي التكوينِ فإنَّ الباطن سيكونُ أعلى رُتبةً من الظَّاهر، لكنَّهُ لن يُفارق الظَّاهر، الظَّاهِرُ ملاصقٌ للباطن والباطنُ ملاصقٌ للظَّاهر.
إذا ما ذهبنا إلى سورة الرعد:
وإلى الآية الأخيرة من سورة الرعد وهي الثالثة والأربعون بعد البسملة: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً - الحديث عن مُحَمَّدٍ هنا - قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيْدَاً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ ، "وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ"؛ عليٌّ، هناك تفريقٌ: هناك مُحَمَّدٌ، وهناك اللهُ، وهناك عليٌّ، هناك تفصيلٌ.
والأمر هو هو إذا ما ذهبنا إلى الآيةِ السابعة والستين بعد البسملة من سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ - "الرَّسولُ، رَبُّكَ وعليٌّ" الَّذي تتحدَّثُ الآيةُ عن بيعة غديرهِ - يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ - في عليٍّ - وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين﴾، التفصيل واضحٌ: (هناكَ اللهُ، هناك مُحَمَّدٌ، هناك عليٌّ صلَّى اللهُ عليهما وآلهما)، والقُرآنُ من أوَّلهِ إلى آخرهِ يتحرَّكُ هذا المضمونُ فيه بشكلٍ واضحٍ وواضحٍ جِدَّاً.
وحينما نذهبُ إلى بواطنهِ بحسب تفسيرهم، فإنَّ بواطن القُرآنِ لن تكونَ مُغايرةً مُجانِفَةً مُباعدةً لظواهرهِ، فالظواهرُ والبواطنُ في نفسِ الاتجاهاتِ، وإلَّا فإنَّ الحقائق ستنقلبُ حينئذٍ، وإنَّ الأمور ستكونُ فاسدةً فإنَّنا سنذهبُ من الحكمةِ إلى الفساد، ومن السويَّةِ ومن الحقيقةِ إلى الانقلاب، وهذا ما لا أثرَ لهُ في الوجود، وحتَّى إذا احتملناه فهو خلافٌ لحكمةِ اللهِ سُبحانه وتعالى.
إذا ما رجعنا إلى كُلِّ أدعيتهم، إلى مناجياتهم، إلى أدعية الصَّلوات على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ إلى كُلِّ زياراتهم قضيَّةٌ واضحةٌ في كُلِّ هذه المنظومةِ الهائلة أنَّ مُحَمَّداً هو الأصل، وأنَّ عليَّاً هو مُحَمَّدٌ في وجهٍ من الوجوه لكنَّهُ في الآخرِ هو فرعٌ عن مُحَمَّدٍ، هذا في ظاهرِ الأمرِ وفي باطنهِ.
العنوان | الطول | روابط | البرنامج | المجموعة | الوثاق |
---|