العجلة في الآيات القرآنية {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}
وصف للمقطع

في سورةِ مريم، الآيةِ الرابعةِ والثمانين بعدَ البسملة: ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾.

في الجزء الثالث من (الكافي الشريف)، طبعةِ دار التعارف للمطبوعات/ بيروت - لبنان/ الصفحةِ الخامسةِ والأربعين بعدَ المئتين، الحديثُ الثالثُ والثلاثون من البابِ المرقَّمِ بالرقم السادسِ والستين بعدَ المئة: بِسندهِ - بسند الكليني صاحب الكافي المتوفّى سنة (328) للهجرة - عَن عَبد الأَعْلَى مَوْلَى آل سَام، قَالَ: قُلتُ لِأبِي عَبد اللّه - للصَّادقِ صلواتُ اللّهِ عليه - قَولُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً" - عبدُ الأعلى هُنا يُريدُ تفسيرَ هذهِ الآية: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾، الإمامُ قالَ لَهُ: مَا هُوَ عِنْدَك؟ - مَا الَّذي تعرِفهُ - قُلتُ: عَدَدُ الأيَّام - قالَ إمامُنا الصَّادقُ: إنَّ الآبَاءَ وَالأُمَّهاتِ يُحْصُونَ ذَلِك - الآباءُ والأُمَّهات يعدّونَ الأيَّامَ في عُمر أولادِهِم خُصوصاً حينما يكونون صِغاراً وحتَّى حينما يكبُرُون - لَا - كلام الإمام، يعني أنَّ الكلام ليسَ صحيحاً - وَلَكِنَّهُ عَدَدُ الأَنْفَاس - هُناكَ الملائكةُ الَّذينَ يعدُّونَ الأنفاسَ على البشر..

الآيةُ بحسب اللُّغةِ بحسبِ الظهور العرفي؛ ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ﴾، هذا نهيٌ موجَّهٌ لرَسُولِ اللّه، رَسُولُ اللّهِ يستعجلُ ماذا؟ يستعجلُ هلاكَهُم، إنَّهُم الكافرونَ باللّه فإنَّ الآيةَ السابقةَ تتحدَّثُ عن الكافرين؛ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ۞ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾، بحَسَبِ الظاهر العُرفي فإنَّ النَّبيَّ كانَ يستعجلُ هلاكَهُم، نحنُ نحسبُ عليهِم أنفاسَهُم لكنَّنا نتركُهُم، لِماذا نتركُهُم؟ هذهِ سُنَّةُ الإمهال وليس الإهمال..

السؤالُ منطقيٌّ هذهِ العجلةُ مذمومةٌ أو ممدوحة؟!

- إذا كانت ممدوحةً فلِماذا يأتي النَّهيُ هُنا؟

- وإذا كانت مذمومةً فهل أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله يعجَلُ عجلةً مذمومةً؟!

هذا الكلامُ كُلُّه يأتي مُترتـﱢـباً ومتركـﱢـباً إذا فهمنا الآيةَ بهذهِ الطريقة؛ بطريقةِ الظهور العرفي، ولهذا فإنَّ الأئِمَّة صلواتُ اللّهِ عليهِم بيَّنوا لَنا: من أنَّنا لن نكون فُقهاء حتَّى نعرفَ كلامَهُم، كلامَهُم في قُرآنِهِم، كلامَهُم في حديثهِم، حتَّى نعرفَ معاريضَ كلامهِم معاريضَ قولِهم، حتَّى نعرفَ لحنَ حديثهِم في قُرآنِهم أو في رواياتهِم على حدٍّ سواء، المنطقُ واحد والبلاغةُ واحدة والصِّياغةُ واحدة والثقافةُ واحدة والأصلُ واحدٌ، ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾، أكانَ بطريقةِ السَّبْك القُرآني، أم كانَ بطريقةِ السَّبْكِ المعصومي من لسانِ مُحَمَّدٍ، من لسانِ عليٍّ، من لسانِ فَاطِمَة، ومن لسانِ الأئِمَّةِ مِن وُلْدِ فَاطِمَة من الـمُجتبى إلى القائم..

أمَّا بحسب العترةِ الطاهرةِ صلواتُ اللّهِ عليها؛ "فإنَّ القُرآنَ نزلَ بلِسانِ إيَّاكِ أعنِي واسمَعِي يا جَارَة، اللَّفظُ لِنَبيِّنا والمضمونُ لنا"، هذا الخِطابُ لنا، إذا ما رأيتُم أعداءَ اللّه قد استتبَّت لَهُم الأمور، قد تهيَّأت لَهُم الأسباب الدُّنيويَّة ونحنُ نتعجَّلُ نِهايَتَهُم، القُرآنُ يقولُ لنا؛ إنَّها سُنَّةُ الإمهال، لَهُم أجلٌ، وهذا الأجلُ أمهلَهُم اللّهُ سُبحانهُ وتعالى إلى حدِّهِ، إلى ساعتهِ.. هذا أفقٌ من الآفاق.

المجموع :2701