المَعصومُ لا یلعَبُ ولا يَلهو
- طول المقطع : 22:55
- مقطع من برنامج : اسئلة وشيء من اجوبة ح23 - هل الإمام يلعب ويلهو؟
وصف للمقطع
في الجزء الثاني، طبعةُ المحاسن، طبعةُ المجلَّدِ الواحدِ الَّذي يشتملُ على الجزأين، طبعةُ مُؤسَّسة الأعلمي/ بيروت - لبنان/ الصفحةِ السابعةِ والعشرين بعدَ الأربعمئة، الحديثُ العاشر: بسندهِ - بسند البرقي - عَن أَمِير الْمُؤْمِنين صَلواتُ اللَّهِ وسلامهُ عليه، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآله مُخاطِباً أميرَ المؤمنين: يا عَلِيّ إنَّ جَبرَائِيلَ أتَانِي البَارِحَة فَسَلَّمَ عَلَيَّ مِنَ البَاب، فَقُلْتُ: ادْخُل، فَقالَ: إنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتَاً فِيْهِ مَا فِي هذا البَيْت - إنَّهُ بيتُ رَسُول اللّه - فَصَدَّقْتُهُ - صدَّقتهُ بِما قال - وَمَا عَلِمْتُ فِي البَيْتِ شَيْئَاً، فَضَرَبتُ بِيَدِي - باحثاً وفَاحِصاً - فَإِذَا جُرُو كَلْبٍ كَانَ للحُسَينْ بنِ عَلِيﱟ يَلْعَبُ بِهِ بالأَمْس - منطقيٌّ هذا أنَّ رَسُولَ اللّهِ يتكلَّمُ معَ أمير المؤمنين عن الحُسينِ ويقولُ لَهُ من أنَّ جرو الكلبِ هذا كانَ للحُسينِ بنِ علي، ألم يَكُن كافياً أن يقولَ من أنَّهُ كانَ للحُسين؟! - فَلمَّا كَانَ الْلَّيْلُ دَخَلَ تَحْتَ الْسَّريْر - دخلَ هذا الجُرو - فَنَبَذْتُهُ مِنَ البَيْتِ - طردتهُ - وَدَخَل - ودخلَ جبرائيل - فَقُلتُ: يَا جَبْرَائيِل أَوَمَا تَدْخُلُونَ بَيْتَاً فِيهِ كَلْب؟ قَالَ: لا، وَلَا جُنُب ولا تِمثَالٌ لا يُوطَأ - "لا يُوطأ"؛ لا يُوطأ بالأقدام، إنَّها الصورُ المرسُومةِ على الأفرشةِ والأقمشةِ الَّتي تُوضَعُ على الأرض..
إذا فهمنا الرواية بحسَبِ الظهور العرفي ومن أنَّ موقفَ الملائكةِ على الإطلاق ودائماً يكونُ سلبيَّاً اتجاه الكلاب فإنَّ الرواية تتعارضُ مع منطق القُرآن، لكنَّنا إذا فهمنا الرواية بحسب المعاريض من أنَّها تأتي لأجلِ بيانِ حُكمٍ، حينئذٍ نقبلُ الروايةَ ولا نجدُ أيَّ إشكالٍ بِخُصوصِها، هُناكَ جِهاتٌ أخرى وعدتُكم أن أُشيرَ إليها وهي موجودةٌ في الرواية.
الروايةُ تُشيرُ إلى أنَّ الحُسينَ كانَ يلعبُ بهذا الجرو؛
المعصومُ في صغرهِ، في كبرهِ هو هو، المعصومُ معصومٌ لا يُمكنُ أن يلهو أو يلعب، النَّبيُّ الأعظَمُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله كانَ يقولُ عن الحسنِ والحُسينِ؛ "من أنَّهُما إمامان قاما أو قعدا"، وهُما صغيران كانَ يقولُ النَّبيُّ الأعظَمُ صلَّى اللَّهُ عليه وآله؛ "من أنَّ الحَسَنَ والحُسينَ إمامان قاما أو قعدا"، والنَّبيُّ هُنا لا يتحدَّثُ عن قيامٍ أو عن قعودٍ، لكنَّ القِيامَ والقُعُودَ عناوين للحالات الَّتي يكونُ عليها الإنسان، النَّبيُّ يُريدُ أن يقولَ لنا؛ "من أنَّ الحسنَ إمامٌ في جميعِ حالاتهِ"، مُنذُ لحظةِ ولادتهِ إنَّهُ إمامٌ..
إذا أردنا أن نقبلَ الرواية فإنَّنا نقبلُها من أنَّ الحُسينَ صلواتُ اللَّهِ عليه لَعِبَ بجرو الكلبِ هذا وأدخلَهُ إلى بيتِ رَسُول اللّه لأجلِ بيانِ حُكمٍ، وإلَّا فإنَّ الرواية تتعارضُ مع القُرآن مثلما بيَّنتُ لَكُم وتتعارضُ مع حقائقِ معارف العترةِ الطاهرة فإنَّ المعصومَ لا يلعبُ، وإذا ما لَعِب فهُناكَ حكمةٌ، والحكمةُ بيانُ حُكمٍ شرعي في هذهِ الروايةِ..
القُرآن؛
في سورة مريم، الآيةُ الثانيةُ بعدَ العاشرةِ بعدَ البسملة: ﴿يَا يَحْيَى - الخِطابُ ليحيى بعدَما وُلِد حينما كانَ في مهدهِ - خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ - بعدَ ولادتهِ وهو في المهد - وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾، فهل يحيى هُنا يُمكنُ أن يلعب؟ إنَّها النُّبوَّةُ، لِماذا جاء هذا القيد (بِقُوَّة)؟ لأنَّهُ صبيٌّ، لأنَّهُ طفلٌ رضيعٌ، فإنَّ القُرآنَ يُريدُ أن يقولَ لنا وإن كانَ طِفلاً رضيعاً لكنَّهُ يمتلكُ من القُوَّةِ الَّتي لا يمتلكها أقوى الأقوياء في بني إسرائيل، هذهِ قُوَّةُ الوفاء بالعهود الإلهيَّة، هذهِ قُوَّةُ تحمُّلِ العِلمِ والمعرفةِ، بقُوَّةِ عقلِك، بقُوَّةِ قلبِك، بقُوَّةِ روحِك، إلى آخر الآيات الَّتي تتحدَّثُ عن أحوالِ هذا الرضيع النَّبي.
في السورةِ نفسها حينما جاءت مريمُ تحمِلُ عيسى إلى بني إسرائيل وضَجّوا وقالوا ما قالوا، وكانت صائمةً وكانَ صومُهَا عن الكلام يُريدونَ منها جواباً: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ - أن كَلـﱢـموه يا بني إسرائيل - قَالُوا كَيْفَ نُكَلـﱢـمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً - هذا رضيعٌ في المهد كيفَ نُكلـﱢـمهُ؟! نطقَ مُباشرةً: قَالَ إِنـﱢـي عَبْدُ اللَّهِ - فأصابَهُم الذهول - آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ۞ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ۞ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ۞ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾، إذا دقَّقنا النَّظرَ في قُصَّةِ يحيى فإنَّ يحيى لم يتكلَّم معَ بني إسرائيل ولذا القُرآنُ هكذا يقول: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ - جاء التعبيرُ بصيغة الغائب - وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾، أمَّا عيسى فكانَ هُو الَّذي يتكلَّم، هذا لا يعني أنَّ يحيى كانَ عاجزاً عن الكلام، لكنَّهُ ما تكلَّمَ ليسَ هُناكَ من ضرورةٍ أن يتكلَّم..
في (نهج البلاغة الشريف)، طبعةُ دارِ التعارف/ بيروت - لبنان/ الصفحةِ الثامنةِ والسبعين من الخُطبةِ السابعةِ والثمانين، أميرُ المؤمنين يقول: أيُّهَا النَّاس خُذُوهَا عَن خَاتَم النَّبِيـﱢـين صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلَّم، إِنَّهُ يَمُوْتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيـﱢـت، وَيَبْلَىٰ مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ - لا يُقاسُ بهِم أحد - فَلا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُون - لا تتحدَّثونَ عنَّا وأنتُم لا تعرفونَ أسرارنا - فَإِنَّ أَكْثَرَ الحَقﱢ فِيْمَا تُنْكِرُون - إلى أينَ أنتُم ذاهبون!!
إنَّهُ يتحدَّثُ عن مُحَمَّدٍ وعليﱟ وفَاطِمَة وعَن وُلْدِ فَاطِمَة من الحَسَن المجتبى إلى قائمِ آلِ مُحَمَّد عن الأئِمَّةِ المعصومينَ الأربعة عشر ابتداءً من رَسُول اللّه وانتهاءً بقائمِ آلِ مُحَمَّد صلواتُ اللَّهِ عليهِم جميعاً..
في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرة المرويَّةِ عن إمامِنا الهادي صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه: بِأَبِي أَنْتُم وَأُمـﱢـي وَنَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي ذِكْرُكُم فِي الْذَّاكِرِين - مُميَّزٌ، لا يُقاسُ بِكُم أحد، ولا تُقاسُونَ بأحد - وأَسْمَاؤُكُم فِي الأَسْمَاء - مُميَّزةٌ - وَأَجْسَادُكُمْ فِي الأَجْسَاد - مميَّزةٌ - وَأَرْوَاحُكُم فِي الأَرْوَاح - مُميَّزةٌ - وَأَنْفُسُكُم فِي النُّفُوس، وَآثَارُكُم فِي الآثَار، وَقُبُورُكُم فِي القُبُور - مُميَّزةٌ، هل قُبورُ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ كقبورِ غيرِهِم؟! - فَمَا أَحْلَىٰ أَسْمَاءَكُم وأَكْرَمَ أنْفُسَكُم وَأَعْظَمَ شَأنَكُم وَأَجَلَّ خَطَرَكُم وَأَوْفَىٰ عَهْدكُم وَأَصْدَقَ وَعْدكُم كَلامُكُم نُوْر - هذا هُوَ نُورُ كَلامِهِم، نحنُ في طوفانِ أنوارِ كلامِهم..
في الآيةِ التاسعةِ والأربعين بعدَ البسملةِ من سورةِ آلِ عمران الحديثُ عن عيسى بنِ مريم: ﴿وَيُعَلـﱢـمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ - في الآية الَّتي قبلَها إنَّما قرأتُها لأجلِ أن يتواصلَ سِياقُ الكلام، موطنُ الشَّاهدِ في الآيةِ التاسعةِ والأربعين بعدَ البسملةِ من سورةِ آلِ عمران: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مـﱢـن رَّبـﱢـكُمْ أَنـﱢـي أَخْلُقُ لَكُم مـﱢـنَ الطـﱢـينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ﴾، هل تتوقَّعونَ أنَّ هذا الأمر كانَ يفعلهُ عيسى وهُوَ في السنةِ الثالثةِ والثلاثينَ من عُمره؟ لأنَّ عيسى رُفِعَ من الأرض حينما كانَ في السنةِ الثالثةِ والثلاثينَ من عمرهِ، ابتدأ نُبوَّتهُ العلنيَّة حينما بلغَ الثلاثينَ من العُمر مُدَّةُ نبوَّتهِ ثلاثُ سنوات، فهل كانَ عيسى في هذا العُمر يلعبُ بالطين ويصنعُ ألعاباً طينيَّةً على هيئة الطيور وبعدَ ذلكَ ينفخُ فيها؟!
﴿وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنـﱢـي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مـﱢـن رَّبـﱢـكُمْ أَنـﱢـي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطـﱢـينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ - هذا لا يُناسبهُ وهو في سنِّ الثلاثين، حينما كانَ في السابعةِ من عمره - فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللّهِ - هذا حينما صارَ كبيراً، فآيةُ خلق الطير في صغرهِ والآيات الأُخرى في كِبرهِ - وَأُنَبـﱢـئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾.
في سورة المائدة، الآيةِ العاشرةِ بعدَ المئة اللَّهُ يُخاطِبُ عيسى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطـﱢـينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي - إنَّهُ لا يلعبُ، يَلعبُ بحكمةٍ، وهذا اللَّعبُ اللّهُ يُريدهُ (بِإِذْنِي)، المعصومُ لا يلعبُ، نحنُ نتحدَّثُ عن المعصومينَ من أمثالِ عيسى وهُم شيعةٌ لِمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، فكيفَ سيكونُ الكلامُ عن مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ أنفُسِهِم؟! هذهِ أمثلةٌ قُرآنيَّةٌ، لا يُمكنُ أن نتصوَّرَ الحُسينَ يلعبُ بجرو كلب إلَّا لحكمةٍ، إلا لغايةٍ، وإلَّا فإنَّ الرواية مرفوضةٌ قطعاً - فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي - هذا لعِبٌ من أوَّلهِ إلى آخرهِ باتِّفاقٍ مع اللّه، هذهِ تغطيةٌ من اللّهِ للعبِ عيسى بالطين وصِناعةِ تماثيلَ للطيور، وتستمرُّ الآيةُ: وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ﴾، إلى آخرِ ما جاء في الآيةِ الكريمة..
في (الكافي الشريف)، الجزء الأوَّل من طبعةِ دارِ الأسوة/ طهران - إيران/ الصفحةِ الثانيةِ والثلاثين بعدَ الأربعمئة: "بابُ حالات الأئمَّةِ في السنّ"، الحديثُ الأوَّل: بسندهِ - بسند الكليني - عَن هِشام بنِ سالِم، عَن يزيدَ الكُنَاسي قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ - الباقرَ صلواتُ اللّهِ عليه - أَكَانَ عِيْسَى بنُ مَرْيَم حِيْنَ تَكَلَّم فِي الْمَهْدِ حُجَّةَ اللّهِ عَلَىٰ أَهْلِ زَمَانِهِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَومَئِذٍ نَبِيَّاً حُجَّةَ اللّهِ غَيْرَ مُرْسَل - كانَ نبيَّاً، في السنة السابعة حينما بدأ يصنَعُ تماثيلَ الطيور - أمَا تَسْمَعُ لِقَولِهِ حِينَ قَال: "إِنـﱢـي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً" - ما قالَ وجعلني رَسُولاً، وجعلني نبيَّاً، كُلُّ رَسُولٍ نبيّ ولكن ليسَ كُلُّ نبيﱟ رَسُولاً - وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً"، قُلتُ: فَكَانَ يَوْمَئِذٍ حُجَّةً لِلّهِ علىٰ زَكَرِيَّا فِي تِلكَ الحَالِ وهُو في الْمَهْد؟ فَقالَ: كَانَ عِيسَى في تِلكَ الحَالِ آيَةً للنَّاس ورَحْمَةً مِن اللّهِ لِمَرْيَم حِينَ تَكلَّمَ فَعَبَّرَ عَنْهَا وكَانَ نَبِيَّاً حُجَّةً عَلَىٰ مَن سَمِعَ كَلامَهُ في تِلكَ الحَال - وزكريَّا سِمِعَ الكلامَ أيضاً - ثُمَّ صَمَت - صَمَتَ بعدَ ذلكَ عيسى - فَلم يَتَكَلَّم حَتَّى مَضَت لَهُ سَنَتَان وَكَانَ زَكَريَّا الحُجَّة لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَىٰ النَّاس بَعْدَ صَمْتِ عِيسَى بِسَنَتَين، ثُمَّ مَاتَ زَكَريَّا فَوَرِثَهُ ابْنُهُ يَحْيَى الكِتَابَ والحِكْمَةَ وهُو صَبِيٌّ صَغِير، أمَا تَسْمَعُ لقولهِ عَزَّ وجلَّ: "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً"، فَلَمَّا بَلَغَ عِيْسَى سَبْعَ سِنِين تَكلَّمَ بالنُبُوَّةِ والرﱢسَالَة حِينَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَىٰ إِلَيْه فَكَانَ عِيْسَى الحُجَّة عَلَىٰ يَحْيَى وَعَلَىٰ النَّاسِ أَجْمَعِين، وَلَيْسَ تَبْقَىٰ الأَرْضُ يَا أَبَا خَالِدٍ يَوماً واحِداً بِغَيرِ حُجَّةٍ لِلّهِ عَلَىٰ النَّاس مُنذُ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ آدَم وأسكنَهُ الأرْض، فَقُلتُ: جُعِلْتُ فِدَاك، أكَانَ عَلِيٌّ حُجَّةً من اللّهِ وَرَسُولِهِ علىٰ هذهِ الأُمَّةِ في حَيَاةِ رَسُولِ اللّه؟ فَقَالَ: نَعَم - كانَ حُجَّةً في حياةِ رَسُول اللّه لأنَّهُ كانَ شريكاً في أمرِ رَسُول اللّه، آياتُ القُرآنِ الَّتي تتحدَّثُ عن أنَّ هارونَ كانَ شريكاً لموسى في أمرِ نُبُوَّته هي هي تنطبقُ على عليﱟ حديثُ المنزلةِ موجودٌ في صِحاحِ نواصبِ سقيفةِ بني ساعدة - يَوْمَ أقَامَهُ للنَّاسِ ونَصَبَهُ عَلَمَاً ودَعَاهُم إلىٰ وِلايَتِهِ وأمَرَهُم بِطاعَتِه، قُلتُ: وكَانَت طَاعَةُ عَلِيﱢ وَاجِبَةً عَلَىٰ النَّاسِ في حَيَاةِ رَسُول اللّه وَبَعدَ وَفَاتهِ؟ فَقَالَ: نَعَم وَلَكِنَّهُ صَمَت فَلَم يَتَكَلَّم مَعَ رَسُول اللّه وَكَانَت الطَّاعَةُ لِرَسُول اللّه عَلَىٰ أُمَّتهِ وَعَلىٰ عَلِيﱟ فِي حَيَاةِ رَسُول اللّه، وَكَانَت الطَّاعَةُ مِن اللّهِ ومِن رَسُولِهِ عَلَىٰ النَّاسِ كُلـﱢـهِم لِعَلِيﱟ بَعدَ وَفَاةِ رَسُول اللّه وَكَانَ عَلِيٌّ حَكِيْمَاً عَالِمَاً - الكلامُ واضحٌ وصريحٌ، لا أُريدُ أن أدخلَ في هذهِ التفاصيل.
فكلُّ ما جاء في الآياتِ وفي هذهِ الكلماتِ: المعصومُ لا يلعبُ وإذا ما لَعبَ المعصومُ فلِحكمَةٍ، والكلامُ عن الأنبياءِ مِن شيعةِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد فكيفَ سيكونُ شأنُ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد؟! هُم الَّذينَ يُخبِرونَنا:
في (الكافي الشريف)، الصفحةِ الحاديةِ بعدَ الثلاثمئة من الباب الَّذي عنوانهُ: "بابٌ فيه ذِكر الأرواح الَّتي في الأئمَّةِ عليهُم السَّلام"، الحديثُ الثاني: بسندهِ - بسند الكليني - عن جابرٍ - جابرٌ الجعفي - عن إمامِنا الباقرِ صلوات اللّهِ عليه قَالَ: سَأَلتُهُ عَن عِلْم العَالِم - المرادُ من العالِم هُنا الإمامُ المعصوم من آلِ مُحَمَّد - فَقَالَ لِي: يَا جَابِر، إِنَّ فِي الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْصِيَاءِ خَمْسَة أَرْوَاح؛ رُوحَ القُدُس، ورُوحَ الإيْمَان، ورُوحَ الحَيَاة، ورُوحَ القُوَّةِ، ورُوحَ الشَّهوَة، فَبرُوحِ القُدُسِ يا جَابِرُ عَرَفُوا مَا تَحتَ العَرْشِ إِلَىٰ مَا تَحْتَ الثَّرَى، ثُمَّ قالَ: يَا جَابِر إِنَّ هَذهِ الأَربَعَة - يُشيرُ إلى روح الإيمان وروح الحياة وروح القُوَّةِ وروح الشَّهوة - أَرْوَاحٌ يُصِيبُها الحَدَثَان - يطرأُ ما يطرأُ عليها - إِلَّا رُوحَ القُدُس فَإِنَّها لَا تَلْهُو وَلَا تَلْعَب وَهِي الرُّوحُ الحَاكِمَةُ عَلَىٰ هَذهِ الأَرْوَاح - ومن هُنا فإنَّ المعصومَ من الأنبياءِ والأوصياء لا يلهو ولا يلعب وإذا ما رُئيَ أنَّهُ يلعب فلحكمةٍ..
صفحة (315)، الحديثُ الرابع: بسندهِ - بسند الكليني - عَن مُعاوية بنِ وَهْب قَالَ: قُلتُ لِأَبِي جَعْفَر - لإمامنا الباقرِ صلواتُ اللّهِ عليه - مَا عَلَامَةُ الإمَامِ الَّذِي بَعْدَ الإِمَام؟ - ما علامتهُ إذا ما استُشهِدَ الإمامُ المعصوم هل هُناكَ من علامةٍ للإمام الَّذي يأتي من بعدهِ؟ - فَقَال: طَهَارَةُ الوِلَادَة - المرادُ من طهارة الوِلادة أنَّهُ حينما يُولَدُ يُولَدُ طاهراً مُطهَّراً فَهُو لا يحتاجُ إلى تطهيرٍ..
في الجزء الثالثِ والأربعين من (بحار الأنوار) للمجلسي، طبعةُ دارِ إحياء التراث العربي، الصفحةِ الثالثةِ والأربعين بعدَ المئتين: بسندهِ، عَن صَفِيَّة بِنتِ عَبد الـمُطَّلِب - عَمَّةُ نبيِّنا صلَّى اللّهُ عليهِ وآله - لَمَّا سَقَطَ الحُسَيْنُ مِن بَطْنِ أُمـﱢـهِ وكُنتُ وُلّيتُها - هي الَّتي كانت قابلةً ومُعينةً للزَّهراءِ عِندَ وِلادةِ سيـﱢـد الشُّهداء - قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وآله: يَا عَمَّة يَا عَمَّة هَلُمـﱢـي إِلَيَّ ابْنِي - كانَ ينتظِرُ وراء الباب - فَقُلْتُ - صفيَّة تقول - فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللّه إنَّا لَم نُنَظـﱢـفهُ بَعْد - الآنَ نزل - فَقَالَ: يَا عَمَّة أنتِ تُنَظـﱢـفِينَهُ؟! - مَن أنتِ؟ مَن أنتِ وإن كُنتِ عمَّة رَسُول اللّه وإنْ كُنتِ بِنتَ عبد المطّلب لكنَّكِ لستِ مُؤهَّلةً لتنظيفهِ، هذا حُسينٌ مَن أنتِ حتَّى تُنظّفينَ حُسيناً؟! - إنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ قَدْ نَظَّفَهُ وطَهَّرَه - وهُو مُنزَّهٌ عن نواقض الوضوء المعصومُ مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّدٍ إذا نامَ أحدهُم تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبهُ..
في سورةِ ص: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾، العالونَ مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد لا دخلَ لَهُم بموضوعِ آدمَ وإنَّما كانَ آدمُ بما هو آدم كانَ قِبلةً حِسيَّةً للملائكةِ، والقِبلةُ المعنويَّةُ نورهُم الَّذي شعَّ في آدم..