المقامُ البشريُّ المُقيَّد للمعصوم
- طول المقطع : 0:28:57
- مقطع من برنامج : الخاتمة_264 - يا امام هل من خبر ج35
وصف للمقطع
في الآيةِ الحاديةِ والعشرين بعد البسملةِ من سورةِ الأحزاب: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيْرَاً﴾، هؤلاءِ هُم أشياعُ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ الـمُخْلِصُون، لهُ أسوةٌ مَن هُو؟ رسولُ الله، مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّدٍ أُسوتُنا، الأسوةُ؛ القدوة، والأسوةُ والقدوةُ؛ المثالُ الكاملُ الَّذي نحاولُ أن نتمثَّلَ به، حينما نتحدَّثُ عن أنَّ رسول اللهِ أُسوةٌ لنا بنحوٍ نسبي.
المقامُ البشري المقيّد: الجهةُ الَّتي هي المثالُ الأكملُ لـمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ والَّتي نتَّخِذها أُسوةً لنا، قُدوةً لنا، قطعاً لن نستطيعَ أن نكونَ كهذهِ الأُسوة، كهذا المثال، وإنَّما نتمثَّلُ، نُحاوِلُ أن نتمثَّلَ بقدرِ ما نستطيع.
أمَّا المقامُ البشري المطلق: فذلكَ مقامٌ حرٌّ ليسَ مُقيَّداً بالأسباب، ذلك المقامُ الَّذي يكونُ فيهِ المعصومُ فوق الأسباب (وَذَلَّ كُلَّ شَيءٍ لَكُم)، ذلك المقامُ الَّذي نتوجَّهُ إليه، هذا المقامُ المقيَّدُ هو الَّذي نتأسَّى بهِ، المقامُ المطلقُ هو الَّذي نتوجَّهُ إليهِ.
هناك قاعدتان مُهمَّتان في معرفةِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، دائماً أُرَدِّدُ ذكرهما في مثلِ هذهِ الموضوعات:
القاعدةُ الأولى: رعايةُ تَعدُّدِ الحيثيّات.
كما يقولونَ: لولا الحيثيّاتُ لَبَطُلت الحكمة، وتلكَ حقيقةٌ، لولا الحيثيّاتُ لبَطُلت العُلومُ من أوَّلها إلى آخرها، وأتحدَّث هنا عن العلومِ الدينيَّةِ بالدرجةِ الأولى وعن العلومِ الدنيويّةِ بالدرجةِ الثانية.
والقاعدةُ الثانية وهي القاعدةُ الذهبيّةُ العقائديّة: قاعدةُ حفظ المقامات.
فَكُلُّ مقامٍ من المقامات؛
- أكانَ المقامُ ماديَّاً.
- أم كانَ المقامُ معنويّاً.
- أم كانَ المقامُ نُورانيّاً في أعلى مراتبِ المقاماتِ المعنويّة.
كُلُّ مقامٍ من هذهِ المقامات لهُ خصائِصهُ، ولهُ مُميّزاتهُ، ولهُ حدودهُ، بحسبِ خصائصهِ، بحسبِ مميّزاتهِ، إذا أردنا أن نُدرِك المعرفة السليمة فلابُدَّ أن نحفظَ لِكُلِّ مقامٍ حدودهُ في دائرةِ خصائصهِ ومميّزاتهِ، حينئذٍ نستطيعُ أن نتلمَّس الحكمة، تلكَ هي الحكمة.
الحِكمةُ: رعايةُ تعدُّدِ الحيثيّات، وحفظُ المقامات.
أُقرِّبُ لكم الفكرة بمثالٍ من خصائص المعصوم:
المعصومُ؛ "مُحَمَّدٌ، عَلِيٌّ، فَاطِمَة، أولادُ فَاطِمَة مِنَ الـمُجتبى إلى القائم"، أتحدَّثُ عن الأَئِمَّة المعصومين الأربعة عشر، فقط وفقط وفقط، المعصومُ ينامُ، "تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبهُ"، هذا وصفُ المعصومِ في ثقافةِ العترة الطاهرة.
تنامُ عيناه؛ هذا هو المقامُ البشريُّ المقيَّد، هُناكَ سببٌ وهذا السَّببُ هو النُّعاس، المعصومُ بإمكانهِ أن يتجرَّد من هذا القيد، ولكنَّ المعصومَ هو الَّذي يُجري على نفسهِ هذا القيد، مثلما جرت الخيولُ وداست بحوافرها جسد الحُسَين، الحُسَينُ كانَ بإمكانهِ أن يمنعَ كُلَّ ذلك، الخيولُ ركضت على الحُسَينِ قبل أن يُقتل، (فَهَوَيْتَ إِلَى الأَرْضِ جَرِيْحَاً - في زيارةِ النَّاحية المقدَّسة - تَطَؤُكَ الخُيُولُ بِحَوَافِرِهَا وَتَعْلُوكَ الطُّغَاةُ بِبَوَاتِرِهَا)، هذا جرى قبل أن يُقتل الحُسَين، فكانَ الحُسَينُ قادراً أن يدفعَ هذا عن نفسهِ، لكنَّهُ لم يفعل ذلك، هذا هو المقامُ البشري المقيَّد، مُقيَّدٌ بالأسبابِ وهي أسبابٌ سُلطتها على المعصومِ اختياريّةٌ باختيارهِ.
المقامُ البشري المقيَّد: تنامُ عيناه.
المقامُ البشري المطلق: ولا ينامُ قلبه، فقلبهُ محيطٌ بالأشياء عالِـمٌ بها، كما يقولُ أمير المؤمنين: (أَنَا قَلْبُ اللهِ الوَاعِي)، فكيف ينامُ قلبُ الله؟!
المعصومُ يصومُ صومَ الوِصال؛
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله كان يصومُ صَومَ الوصال، ويمنعُ المسلمين من صيامِ الوصال، صومُ الوصال أن يُوصِلَ الصَّائِمُ صِيامَهُ ليلاً ونهاراً، الصَّومُ في النَّهارِ كما نعرفهُ، والإفطارُ في الليلِ، صَومُ الوصال وهو صَومٌ مُحرَّمٌ عندنا مُحرَّمٌ علينا، لكنَّ المعصوم يصومُ صومَ الوصال، فحينما سألوا رسول الله عن ذلك؟ قالَ: (إِنَّ مَعي رَبِّي يُطْعِمُني وَيُسْقِيني)، الصَّومُ في النَّهارِ فقط وبعد ذلك يكونُ الإفطارُ على الطعامِ والشرابِ هذا إذا فعلهُ المعصومُ مثالٌ من أمثلةِ تطبيقِ المقامِ البشري المقيَّد، وإذا صامَ صومَ الوصال فهذا مثالٌ من أمثلةِ تطبيقِ المقامِ البشري المطلق.
في سورةِ الإنسان، الآيةِ الحاديةِ والعشرين بعد البسملة: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ رَبُّهُم: الضميرُ هنا يعودُ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، هذهِ سورة هل أتى، سورتُهُم - شَرَاباً طَهُوراً﴾ - الساقي هو سبحانه وتعالى، أيُّ شرابٍ هذا؟! انظروا إلى الساقي وانظروا إلى الَّذين سُقُوا، وانظروا إلى هذا الشراب، وما معنى الطهورِ هنا، هذا شأنٌ بينهم وبينهُ، ما دخلنا نحنُ فيما بينهم.