الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي - هل كانَ الدينُ ناقصاً؟
وصف للمقطع

سورةُ المائدة:

إنَّها الآيةُ الأعظمُ والأخطر السابعةُ والستون بعد البسملةِ من سورة المائدة، أعتقدُ أنَّي وإيَّاكم مُتَّفقون على أنَّ الآية هذهِ في بيعةِ الغدير وما عندنا من شكٍّ في ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ - خِطابٌ لِمُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله بصفةِ الرسالة - يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّك - في أيِّ شيءٍ؟ في شأنِ عليٍّ، في بيعةِ عليٍّ، في ولايةِ عليٍّ، حيثُ تبدأُ مرحلةُ التأويل الَّتي تنسخُ مرحلة التنزيل، فما بعد الغدير كان ناسخاً لِمَا قبل الغدير، مثلما قال صلَّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين: (مِن أنَّك ستُقاتِلُهم على التأويل مِثلمَا قَاتَلتُهم - أنا مُحَمَّدٌ صلَّى الله عليه وآله - على التَنزيل)، التأويلُ مرحلةٌ جديدةٌ، انتقالةٌ جديدةٌ للدينِ بكُلِّ تفاصيلهِ ابتداءً من العقيدةِ وانتهاءً بكُلِّ تفاصيلِ الأحكامِ والسننِ والطقوس.

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ - لا أعتقدُ أنَّ نصاً أوضحُ من هذا النص في بيانِ أنَّ الإمام المعصوم في كُلِّ زمانٍ هو أصلُ أصول الدين، هو أصلُ الدين - وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ - رسالةُ مُحَمَّدٍ على أيِّ شيءٍ تشتمل؟ تشتملُ على التوحيد، تشتملُ على نُبوَّةِ مُحَمَّدٍ نفسه صلَّى اللهُ عليه وآله، تشتملُ على القُرآنِ بظاهرهِ وباطنهِ، تشتملُ على كُلِّ تفاصيل الأحكامِ والسُننِ والآداب، إنَّها رسالةُ مُحَمَّدٍ بكُلِّها من أولها إلى آخرها هنا في هذهِ الآيةِ تساوي صفراً من دونِ عليٍّ.

الآيةُ واضحةٌ: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ - وإذا ما دقَّقنا النظر فإنَّ الآية تتحدَّثُ عن بيعة الغدير، وبيعةُ الغديرِ شأنٌ من شؤونِ إمامةِ عليٍّ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، والإمامةُ شأنٌ من شؤون عليٍّ.. 

قطعاً مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وآله ليس مُحتاجاً لذاتهِ المقدَّسةِ أن يُخاطب بهذا الخطاب، إلَّا أنَّ القُرآن نزلَ بإيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة، هذا الخطابُ لي ولكم، من أنَّ كُلَّ شيءٍ يرتبطُ بدينكم لا قيمة لهُ من دونِ عليٍّ، هذهِ هي الحقيقةُ الَّتي يريدُ القُرآنُ أن يوصلها إلينا، وإلَّا فَمُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وآله هو الأعرفُ بعليٍّ وفضلِ عليٍّ، ومُحَمَّدٌ هو عليٌّ وعليٌّ هو مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهما وآلهما.

وتستمرُّ الآيةُ السابعةُ والستون بعد البسملةِ من سورةِ المائدة: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ هذا هو أصلُ الأصول الَّذي من دونهِ لا يبقى إيمانٌ ولا دين، وإنَّما سيكونُ الناسُ كُفَّاراً، الآيةُ واضحةٌ صريحةٌ، قارنوْا بين هذا المنطق القُرآني الواضح وبين ما يتحدَّثُ بهِ مراجعُ النَّجف في كُتبهم الفقهيةِ العقائديةِ وفي فتاواهم الغبيةِ السفيهة الَّتي يُصدِرونها بين الفَينةِ والأخرى، قارنوْا بين هذا المنطقِ الواضحِ الصريح الَّذي لا حاجة للجدلِ حولهُ، الآيةُ بَيِّنةٌ واضحةٌ مُحكمة، ونحن مُتَّفقون على أنَّ الآية في بيعةِ الغدير.

فلنذهب إلى الآيةِ الثالثةِ بعد البسملةِ من نفس السورة من سورةِ المائدة:

وهذهِ الآيةُ وهي الآيةُ الثالثةُ بعد البسملة من المائدة نزلت بعد الآيةِ السابعةِ والستين بعد البسملة من سورةِ المائدة، وضعوها في بدايةِ السورة على أيِّ حالٍ، المفترضُ أنَّ الآية تأتي بعد تلكَ الآية، على أيِّ حالٍ نحنُ والمصحفُ الَّذي بين أيدينا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي - هل كانَ الدينُ ناقصاً؟ معقولٌ هذا من أنَّ دين مُحَمَّدٍ كانَ ناقصاً؟! هل كانت النعمة ليست تامَّةً بِمُحَمَّدٍ علينا حينما بُعث معقولٌ هذا الكلام؟! مُحَمَّدٌ هو جوهرُ الكمال، ومُحَمَّدٌ هو جوهرُ التمام، كمالُ الدين بِمُحَمَّد وتمامُ النعمةِ بِمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وآله - الْيَوْمَ - إنَّهُ يومَ الغدير، إنَّهُ يوم البيعةِ معَ مُحَمَّدٍ وعليٍّ صلَّى اللهُ عليهما وآلهما - الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ - فهل كان الدينُ ناقصاً يُعقَلُ هذا بوجودِ مُحَمَّدٍ؟! الدينُ بوجودِ مُحَمَّدٍ كانَ ديناً كاملاً، لكنَّ القضية بالضبط الدينُ في زمانِ موسى عندَ بني إسرائيل كانَ ديناً كاملاً، لكن حينما جاءَ عيسى فنَسَخَ عيسى بدينهِ دين موسى، فدينُ موسى حينما نُسِخ بدين عيسى جاءهُ وصفُ النقص، وصفُ النقص أُخِذتُ فيهِ حيثيةٌ بشروطها، فالدينُ في زمان مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وآله كانَ في مرحلة التنزيل وسأشرحُ لكم هذا حينما يصلُ الحديثُ إلى شؤون النُبوَّةِ والَّتي هي جزءٌ من معرفةِ الإمام..
........

المجموع :2701