أمثلة لأدعية شريفة عن صور من خشبة المسرح وكواليسه، ما بين ظاهر وباطن
- طول المقطع : 0:34:35
- مقطع من برنامج : الخاتمة_295 - يا امام هل من خبر ج66
وصف للمقطع
في (مفاتيح الجنان)، الكتابُ الَّذي في بُيُوتِكُم، في دُعاءِ كُميل، إنَّهُ كُميلٌ بن زياد رضوان الله تعالى عليه من أصحابِ سَيِّد الأوصياء، هذا الدُّعاءُ عَلَّمهُ أمير المؤمنين لِكُميلٍ هذا، ماذا نقرأُ في دُعاءِ كُميل؟
اللَّهُمَّ عَظُمَ سُلْطَانُك وَعَلَا مَكَانُك وَخَفِيَ مَكْرُك وَظَهَرَ أَمْرُك وَغَلَبَ قَهْرُك وَجَرَت قُدْرَتُك وَلَا يُمْكِنُ الفِرَارُ مِن حُكُومَتِك - ما يظهرُ على خشبة المسرحِ من فرار الإنسانِ من الله، يُحاولُ الإنسان في الدُّنيا الفِرار من الله، هذا على خشبةِ المسرح فقط، في الكواليسِ لن يستطيع الإنسانُ الفِرارَ من الله، إلى أين يُعطي وجههُ ونهايةُ أمرهِ الموت؟!
خَفِي مَكرُكَ في كواليسِ مسرح التقدير - وَظَهَرَ أَمْرُك - فَأمُركَ هُو الغالِب، وأمرُكَ هو الظاهر، وما يجري في الكواليسِ هوَ الَّذي يكون.
نحنُ إذا أردنا الفِرار فإنَّنا نَفِرُّ مِنكَ إليك، إلى أين يكونُ فِرارُنا؟
ماذا نقرأ أيضاً في دعاءِ كميل؟: إِلَهِي وَمَوْلَاي أَجْرَيتَ عَلَيَّ حُكْمَاً - أنت الَّذي أجريتهُ عَلَيَّ، كيف تَصوَّرَ هذا على خشبةِ مسرحِ التقدير؟ - اِتَّبَعتُ فِيهِ هَوَى نَفْسِي وَلَم أَحْتَرِس فِيهِ مِن تَزْيين عَدُوّي - عَدوّي هو الشَّيطانُ، شيطانُ الإنسانِ، شيطانُ الجنِّ، الشَّيطانُ بِكُلِّ أشكالهِ - فَغَرَّنِي بِمَا أَهْوَى وَأَسْعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ القَضَاء - أَسْعَدَهُ؛ أعانهُ، القضاءُ أعانَهُ على هذا، هكذا تُقدَّرُ الأمور - فَتَجَاوَزتُ بِمَا جَرَى عَلَيَّ مِن ذَلِك بَعضَ حُدُودِك وَخَالَفتُ بَعضَ أَوَامِرك فَلَكَ الحَمْدُ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذَلِك وَلَا حُجَّةَ لِي فِيمَا جَرَى عَلَيَّ فِيهِ قَضَاؤك وَأَلْزَمَنِي حُكْمُكَ وَبَلَاؤك - أنا الَّذي فعلتُ ما فعلت بنفسي لأنَّني لم أُدرك ماذا يجري في الكواليس، لو كُنت مُسلِّماً لإمامي، لو كُنت على عقيدةٍ سليمةٍ، لو كانت ثقافتي ثقافةَ العترة الطاهرة، لو كانت عقيدتي أخذتُها من هذهِ الأدعيةِ والزيارات كما يقولُ أمير المؤمنين: (أَلَا لَا خَيرَ فِي عِلمٍ لَيسَ فِيهِ تَفَهُّم، أَلَا لَا خَيرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيسَ فِيهَا تَدبُّر).
ويستمرُّ دُعاءُ كُميلٍ بنفسِ هذهِ الوتيرة إلى أن يقولَ في جهةٍ أخرى من جهاته: إِلَهِي وَسَيِّدِي فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي قَدَّرتَها وَبِالقَضيَّة الَّتي حَتَمْتَهَا وَحَكمتَهَا وَغَلَبْتَ مَن عَلَيهِ أَجْرَيْتَهَا - هذا في كواليسِ مسرح التقدير - أَنْ تَهَبَ لِي فِي هَذِهِ الَّليْلَةِ وَفِي هَذِهِ السَّاعَةِ كُلَّ جُرْمٍ أَجْرَمْتُه وَكُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُه وَكُلَّ قَبِيحٍ أَسْرَرْتُه وَكُلَّ جَهْلٍ عَمِلْتُه كَتَمْتُهُ أَو أَعْلَنْتُه أَخْفَيتُهُ أو أَظْهَرتُه وَكُلّ سَيِّئَةٍ أَمَرْتَ بِإِثْبَاتِهَا الكِرَامَ الكَاتِبِين الَّذِين وَكَّلتَهُم بِحفظِ مَا يَكُونَ مِنِّي وَجَعَلتَهُم شُهُودَاً عَلَيَّ مَعَ جَوَارِحِي وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرَائِهِم وَالشَّاهِدَ لِمَا خَفِيَ عَنْهُم - هو أخفاهُ عنهم، هو أمرهم بِمُراقبتي ولكنَّهُ خوفاً عَلَيَّ مِن عظائمِ سيّئاتي الَّتي سيكتبها الملائكةُ وبعد ذلك تُطبَّقُ القوانينُ عَلَيَّ مِن قِبَل الملائكة المسؤولين عن ذلك هُو، أيَّةُ رحمةٍ هذهِ؟! - وَبِرَحْمَتِكَ أَخْفَيتَه وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَه.
دُعاءُ الافتتاح مرويٌّ عن النَّاحيةِ المقدَّسة من أدعيةِ إمامِ زماننا الَّتي وردت إلينا والَّذي يُقرأ في ليالي شهرِ رمضان: فَصِرتُ أَدْعُوكَ آمِنَاً وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِسَاً لَا خَائِفَاً وَلَا وَجِلَاً مُدِلَّاً عَلَيْك - إنَّني أتدلَّلُ عليك، حينما أراكَ تفعلُ بي هكذا فلماذا لا أتدلَّلُ عليك؛ "وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرَائِهِم وَالشَّاهِدَ لِمَا خَفِيَ عَنْهُم"، حتَّى الملائكةُ الموكَّلونَ بنا لهم خشبةُ مسرحٍ وهناكَ كواليس، هناك كواليس نحنُ نفعلُ فيها الأعاجيب يسترها هو سُبحانه وتعالى، قطعاً هذا السترُ يتفعَّلُ عِبرَ السَّببِ المتَّصلِ بينَ الأرض والسَّماء؛ إنَّهُ إمامُ زماننا هذا هو الساترُ الحقيقيُّ المباشرُ لهذا، هُو الَّذي يُخفي ما يُخفي عن هؤلاء الملائكة، يُعطِّلُ قُدراتهم الكاشفة، فلماذا لا أتدلَّلُ عليك وأنا أراكَ هكذا تفعلُ بي.
- مُدِلَّاً عَلَيْكَ فِيمَا قَصَدتُ فِيهِ إِلَيك فَإِنْ أَبْطَأَ عَنِّي عَتَبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْك - وما قتلني إلَّا جهلي، ما قتلني إلَّا جهلي يا بقيَّة الله - وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعلْمِكَ بِعَاقَبِةِ الأُمُور، فَلَمْ أَرَى مَوْلَاً كَرِيمَاً أَصْبَرَ عَلَى عَبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يَا رَبّ، إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْك وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْك وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلَا أَقْبَلُ مِنْك - هذا هو الدَّلالُ بعينهِ، أنا أتدلَّلُ وأتعزَّزُ عليه - كَأَنَّ لِي التَطَوُّلَ عَلَيْك - التَطوّل التفضُّل، كأنَّني أنا المتفضِّلُ عليك - فَلَم يَمْنَعْكَ ذَلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالإِحْسَانِ إِلَيَّ وَالتَفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِك، فَارْحَم عَبْدَكَ الجَاهِل - ما قتلني إلَّا جهلي - فَارْحَم عَبْدَكَ الجَاهِل وَجُد عَلَيهِ بِفَضْلِ إِحْسَانِك إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيم - هذهِ الكلماتُ تختصرُ حقيقة العبادةِ وتُوجزُ حقيقة الإنسانِ وترسمُ لنا لوحةً جميلةً لأخلاق الله تعالى معنا، تلكَ الأخلاقُ الَّتي تتجلَّى في مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين.
في دُعاءِ أبي حمزة الثُّمالي الَّذي رواهُ عن إمامنا زين العباد صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه في أوَّل الدُّعاء الشريف: إِلَهِي لَا تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِك - إنَّها العقوبةُ الظاهرة على خشبةِ مسرح التقدير - وَلَا تَمْكُر بِي فِي حِيْلَتِك - إنَّها كواليسُ مسرح التقدير، المكرُ يكونُ في الخفاء - مِن أَيْنَ لِي الخَيْرُ يَا رَبِّ وَلَا يُوجَدُ إِلَّا مِن عِنْدِك، وَمِن أَيْنَ لِيَ النَّجَاةُ وَلَا تُسْتَطَاعُ إِلَّا بِكَ، لَا الَّذي أَحْسَنَ اسْتغنَى عَن عَونِكَ وَرَحْمَتِك، ولا الَّذي أَسَاءَ وَاجْتَرَأ عَلَيك وَلَم يُرْضِكَ خَرَج عَن قُدْرَتِك.
كُلُّ الأدعيةِ تلاحظونَ أنَّ خُيوطها نُسجت وفقاً لحقيقةِ ارتباطِ التشريعِ بالتكوين، إنَّهُ ارتباطٌ مِفصليٌّ لا نستطيعُ أن نُفَكِّك بينهما بين التشريعِ والتكوين، كُلُّ الأدعيةِ نُسجت خُيوطها وفقاً لهذا النظام، وحينما يأتي الحديثُ عن التقدير فَكُلُّ الأدعيةِ تتحدَّثُ عن تقديرٍ ظاهرٍ على خشبةِ مسرحِ التقدير وعن حقيقةٍ خفيَّةٍ في كواليسِ مسرح التقدير والعاقبة هناك، ولذا فإنَّ الأدعية تحاولُ أن تجعل الإنسانَ قادراً على تجاوزِ ما يظهرُ على خشبةِ مسرح التقدير كي يُحصِّلَ المعونةَ، كي يُحصِّلَ اللُّطفَ لدفعِ ما يجري في الكواليس، من هُنا كان قانون الدُّعاء هكذا يقول: (مِن أنَّ الدُّعاء - قطعاً بحقائقهِ - يردُّ القضاءَ ولو أُبرِم إبراماً)، كُلُّ الأدعيةِ مدارها هذا المدار، لن تجدوا دُعاءً في منظومةِ أدعيةِ العترةِ الطاهرة ليسَ مُهندساً ومُنظَّماً وفقاً لهذهِ الحقائق الَّتي أشرتُ إليها ولو بنحوٍ إجمالي.
ويستمرُّ الدُّعاءُ بنفسِ هذهِ القواعدِ والقوانين وفي ضوءِ هذا الذَّوقِ والطعمِ الوجداني الَّذي يجمعُ بينَ اللذَّةِ والألم، يجمعُ بين الحلاوةِ والمرارةِ بطريقةٍ سحريَّةٍ لا يُماثلها تعبيرٌ أدبيٌّ لا في لُغةِ الضادِ ولا في أيِّ لُغةٍ أخرى، إنَّها هندسةُ أدعيةِ العترة الطاهرة الَّتي صَدقَ من قالَ عنها: إنَّها قُرآنٌ صاعدٌ.
- هُناكَ قُرآنٌ نازلٌ؛ هو في المصحف.
- وهُناك قرآنٌ صاعدٌ؛ إنَّها الأدعيةُ الَّتي علَّمنا إيَّاها مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين.
في دُعاءٍ مرويٍّ عن سَيِّد الشُّهداء من أدعيةِ يومِ عرفة، دُعاءُ سَيِّد الشُّهداءِ في يوم عرفة الدُّعاءُ المرويُّ عنه - هُناكَ نصٌّ مُضافٌ إلى هذا الدُّعاء، من (مفاتيح الجنان)، ماذا جاء في هذا الدُّعاءِ المشحونِ بالإشاراتِ والتلويحاتِ والتلميحاتِ في أعمقِ معانيها؟ هكذا نقرأ في هذا الدُّعاء: إِلَهِي إِلَهِي أَنَا الفَقِيرُ فِي غِنَاي - هذهِ صورةٌ على خشبة المسرح - فَكَيْفَ لَا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْري - هذهِ حقيقتي في الكواليس - إِلَهِي أَنَا الجَاهِلُ فِي عِلْمِي - وأنا على خشبةِ المسرح أتباهى بعلمي - فَكَيْفَ لَا أَكُونُ جَهُولَاً فِي جَهْلِي، إِلَهِي إِنَّ اخْتِلَافَ تَدْبِيرك وَسُرْعَة طَوَاءِ مَقَادِيرِك مَنَعَا عِبَادَكَ العَارِفِينَ بِك عَن السُّكُونِ إِلَى عَطَاء، وَاليَأسِ مِنْكَ فِي بَلَاء - ماذا أقولُ عن هذهِ الكلمات؟ هذهِ الكلماتُ بحرٌ مُتلاطمُ الأمواج في معانيها ودقيقِ أسرارها.
إلى أن يقول الدعاء: هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْك، وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِمَا هُو مَحَالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْك (بِمَا هُو مَحَالٌ) (بِمَا هُو مُحَالٌ) أَنْ يَصِلَ إِلَيْك، أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حَالِي وَهُو لَا يَخْفَى عَلَيْك - هذهِ العبارةُ عجيبةٌ: أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقَالِي وَهُو مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْك، أَمْ كَيْفَ لَا تُحْسِنُ أَحْوَالِي وَبِكَ قَامَت.
- "أَمْ كَيْفَ لَا تُحْسِنُ أَحْوَالي"؛ على خشبة المسرح.
- "وَبِكَ قَامَت"؛ في الكواليس.
- "أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقَالِي"؛ على خشبة المسرح.
- "وَهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْكَ"؛ في الكواليس.
أنا لستُ مُرتاحاً لاستعمالِ هذهِ التعابير؛ أن أستعمل خشبة المسرح وأن استعمل الكواليس وأنا أتحدَّثُ عن هذهِ الأدعيةِ العظيمة، لكنَّني ماذا أفعلُ كي أُقرِّب لكم الفكرة والصورة؟!!