حركةِ التقدير المهدويّ, الاتجاهُ العام الخاص
وصف للمقطع

لابُدَّ أن نفقه ولابُدَّ أن نعلمَ من أنَّ التقديرَ المهدويَّ الَّذي يرتبطُ بنا ونرتبطُ بهِ، وهكذا سائرُ الأُمم، لكنَّني أتحدَّثُ عن واقعنا الشيعي، التقديرُ المهدويُّ يتحرَّكُ في عِدَّةِ اتجاهات:

الاتجاهُ الأوَّل: الاتجاهُ العام، اتجاهٌ عامٌّ في حركةِ التقدير المهدويّ.

ما جاء في توقيعِ إسحاق بنِ يعقوب والَّذي وردَ إلى النائب الثاني بخطّ إمامِ زماننا الحُجَّةِ بن الحسن صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، من الجزء الثالثِ والخمسين من بحار الأنوار للمجلسي، طبعةُ دارِ إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، صفحة (181)، الإمامُ هكذا يقول: وَأَمَّا وَجْهُ الاِنْتِفَاعِ بِي فِي غَيْبَتِي - الحديثُ هُنا عن تقديرٍ مُطلق عن تقديرٍ عام - فَكَالاِنْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ إِذَا غَيَّبَهَا عَن الأَبْصَار السَّحَاب - تعبيرٌ دقيقٌ واضحٌ عن التقدير المهدويّ العام - وَإِنِّي لَأَمَانٌ لِأَهْلِ الأَرْض كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاء.

"وَإِنِّي لَأَمَانٌ لِأَهْلِ الأَرْض"؛ ما يقدَّرُ لأهل الأرضِ، وأهلُ الأرضِ عنوانٌ لأنَّ الأرضَ عاصمةُ المشروع المهدويّ، عاصمةُ الكون، هذا القانونُ العام، في ضوءِ هذا القانون العام يجري التقديرُ لأهل الأرضِ عموماً فيما يظهرُ على خشبةِ مسرح التقدير، وفيما يكونُ في كواليسِ مسرح التقدير.

هناك التقديرُ الخاص؛ وهو لعامَّةِ شيعتهِ.

هذا يظهرُ واضحاً في الرسالة الأولى الَّتي وصلت إلى الشيخ المفيد، حينما يقولُ إمامُ زماننا صلواتُ اللهِ عليه: إِنَّا غَيرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُم - حتَّى مع نقضكم لبيعة الغدير، لكنَّ العُقوبة الَّتي ترتّبت على نقض الشيعةِ لبيعة الغدير أن أوكلهم إلى أنفُسهم، ولذا عبثَ فيهم هؤلاء المراجعُ ما عبثوا فيهم، وسيستمرُّ هذا العبثُ إلى النهايةِ السوداء الَّتي سيكونون عليها في مُواجهةِ إمامِ زماننا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه.

لكن إذا وقع الشيعةُ في الحد الَّذي يُقضى عليهم تماماً فإنَّ الإمام يتدخَّل؛ "إِنَّا غَيرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُم وَلَا نَاسِينَ لِذكْرِكُم - هذهِ العبارةُ فيها إيحاءٌ واضح، صحيحٌ أنَّنا أوكلناكُم إلى أنفُسِكم لكنَّنا لسنا ناسينَ لذكركُم - وَلَوْلَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُم اللَّأْوَاء وَاصْطَلَمَكُم الأَعْدَاء - الاصطلامُ؛ القضاءُ عليكم من الجذور، صحيحٌ أنتُم غدرتُم بي ونقضتُم بيعتي لأنَّكم اتَّبعتُم هؤلاء المراجع.

الإمامُ هكذا يقول: وَمَعرِفَتُنا بِالزَّلَلِ الَّذِي أَصَابَكُم - أصابَ الشيعة - مُذْ جَنَحَ كَثِيرٌ مِنْكُم - هذا الجُنوح ما هو جنوح البقَّالين، ولا هو بجنوحِ الأطبّاء والمهندسين، هذا جُنوحُ المراجع - إِلَى مَا كَانَ السَّلَف الصَّالِحُ عَنْهُ شَاسِعَاً - فلا يُقالُ للأطبّاءِ والمهندسين إذا ما جنحوا من أنَّهم جنحوا بعيداً عن السَّلفِ الصَّالح وعن مسارهِ، إنَّما يُقالُ هذا الكلامُ للمراجعِ والفقهاء - وَنَبَذوا العَهْدَ الْمَأخُوذَ مِنْهُم وَرَاءَ ظُهُورِهِم كَأنَّهُم لَا يَعْلَمُون - الشيعةُ تَبِعوا هؤلاء، مراجعُ النَّجفِ وكربلاء من أوَّلهم إلى آخرهم على هذا المنهج.

ومع ذلك فإنَّ الإمام يقول: إِنَّا غَيرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُم - وإنْ كُنتم تستحقون الإهمال، الإمامُ يقول: إِنَّا غَيرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُم وَلَا نَاسِينَ لِذكْرِكُم وَلَوْلَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُم اللَّأْوَاء وَاصْطَلَمَكُم الأَعْدَاء فَاتَّقُوا الله جَلَّ جَلَالُهُ وَظَاهِرُونَا - ظَاهِرُونا أعينوا أنفُسَكم كي أُعِينَكُم - وَظَاهِرُونَا عَلَى اِنْتِيَاشِكُم مِنْ فِتْنَةٍ قَد أَنَافَت عَلَيكُم - هذا الخطابُ يُوجَّهُ للشيعةِ في سنة 410 للهجرة، أمَّا حالُنا الآن ونحنُ في سنة 1443 وعلينا مرجعٌ كالسيستاني في قِمَّة المنهجِ المرجئي والبَتْري والتقصيري فما هو حالُ الشيعة؟!

وهناك التقديرُ الأخص.

التقديرُ الأخص هذا لخاصَّةِ أوليائهِ، إنَّهُ للزهرائيِّين الحقيقيِّين ليست لي ولكم، الَّذينَ لا أعتقدُ وجودهم، بالنسبةِ لي لا أعتقدُ وجودهم من خلالِ ما عندي من المعطيات، لكنَّني لا أنفي وجودهم، لا أعتقدُ وجودهم من خلالِ الشيعة الَّذينَ أعرفهم، لكنَّ هذا لا يعني أنَّهم ليسوا موجودين، أنا لم أُوفَّق كي أجدهم، فعدمُ وجداني لهم لا يدلُّ على عدمِ وجودهم.

هُناكَ التقديرُ الأخص وهذا:

- قد يكونُ خفيَّاً.

- وقد يكونُ جليَّاً.

قد يكونُ خفيَّاً: مثلما حدَّثنا أميرُ المؤمنين عن أحوالِ أولياء الإمامِ الحُجَّةِ زمانَ الغَيْبَة الكُبرى.

نهج البلاغة/ طبعةُ دار التعارف/ بيروت/ لبنان/ صفحة 148/ الخطبة الَّتي رقمها خمسون ومئة، أميرُ المؤمنين يُحدِّثُنا عن صاحب الأمرِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه من أنَّهُ في سترةٍ عن النَّاس في غيبتهِ الكُبرى: فِي سُتْرَةٍ عَن النَّاسِ لَا يُبْصِرُ القَائِفُ أَثَرَه وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَه، ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيْهَا قَوْمٌ شَحْذَ القَيْنِ النَّصْل - القَينُ هو الحدَّاد، الإمامُ يَشحذُ قوماً من شيعتهِ إنَّهُم خواصُّ أوليائهِ، لكنَّ هذا الشَّحذ سيأتي بِلُطفٍ خفيّ، ليسَ بنحوٍ مُباشرٍ محسوسٍ بحسِّ حاسَّة البصرِ والسمع.

- تُجْلَى بِالتَّنْزيلِ أَبْصَارُهُم وَيُرْمَى بِالتَّفْسيرِ فِي مَسَامِعِهِم وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوح - تصلهم حكمةُ إمامهم صباحاً ومساء، "تَوقَّعُوا الفَرَج صَبَاحَاً وَمَسَاء".

هذا تقديرٌ مهدويٌّ من الصنف الخفي، لُطفٌ خفي.

أمَّا اللطفُ الجلي:

الجزءُ الأوَّل من الكافي الشريف/ طبعةُ دارِ الأسوة/ طهران/ إيران/ صفحة 382/ بابٌ في الغَيْبَة/ الحديثُ التاسعَ عشر: بِسَندهِ، عَن إِسْحَاقَ بنِ عَمَّار، عَن إِمَامِنَا الصَّادِقِ صَلواتُ اللهِ وسَلامهُ عَلَيه: لِلقَائِمِ غَيْبَتَان، إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ وَالأُخْرَى طَويلَةٌ - هذهِ التسميةُ "الغَيبَةُ الصُغرى والغَيْبَةُ الكُبرى" هذهِ من الشيعةِ، وإلَّا فإنَّ الأَئِمَّة يُطلقونَ مُصطلحَ "الغَيْبَةِ الأولى والغَيبَةِ الثانية"، أو أنَّهم يقولون: "الغَيْبَةُ القصيرة، والغَيبَةُ الطويلة".

- غَيْبَةٌ تامَّةٌ الحديثُ عن الغَيْبَةِ الثانية عن الغَيْبَة الكُبرى، قطعاً ستكونُ التسميةُ للغَيْبَةِ القصيرة من أنَّها غَيْبَةٌ ناقصة، لم يَرِد هذا الوصف للغَيْبَةِ الصُّغرى من أنَّها غَيْبَةٌ ناقصة، ولكن وَرَدَ الوصفُ للغَيْبَةِ الكُبرى مِن أنَّها غَيْبَةٌ تامَّة، هذا يعني أنَّ الغَيْبَة الصُّغرى كانت غيبةً ناقصة لأنَّها لم تَكُن غَيْبَةً تامَّة، الإمامُ كانَ يتواصلُ مع الشيعة ومع سُفرائهِ.

- الغَيْبَةُ الأُوْلَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ إِلَّا خَاصَّةُ شِيْعَتِهِ - هذا التقديرُ الأخص، فالتقديرُ الخاصّ لشيعتهِ، التقديرُ الأخص لخاصَّةِ شيعتهِ - وَالأُخْرَى - الَّتي هي طويلةٌ - لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيه - هذا اللُّطفُ الجلي، تواصلٌ جليٌّ مع الإمامِ الحُجَّةِ مِن قِبَلِ خواصِّ أوليائهِ.

المجموع :2701

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق