حقائقُ المصحف الصحيحة هي عِندَ المعصوم
- طول المقطع : 17:30
- مقطع من برنامج : ما بين واقعين واقع الدنيا وواقع الدين ح24 - المذهب الطوسي ج5
وصف للمقطع
عندَنا مرحلةُ التَّنزيل الَّتي تبدأُ مِن بداية البعثةِ وتنتهي عندَ بيعة الغدير، ثُمَّ تبدأُ مرحلة التَّأويل من يوم الغدير إلى نهايةِ الدُّنيا، تتسامى شيئاً فشيئاً حتَّى تَصِلَ إلى الدولةِ الـمُحَمَّديَّة العظمى في آخرِ عصر الرَّجْعةِ العظيمة، ما بينَ التَّنزيلِ والتَّأويل هُناكَ الأحاديثُ البرزخيَّة الَّتي تأتي مُناسبةً لِمَا كانَ عليهِ المسلمونَ في مرحلة التَّنزيل وما سيكونونَ عليهِ في مرحلة التَّأويل، عمليّةٌ تمهيديَّةٌ للانتقالِ من مرحلة التَّنزيلِ إلى مرحلةِ التَّأويل، التَّنزيلُ قد يُطلَقُ على القُرآن، والتَّأويلُ قد يُطلَقُ على تفسير القُرآن، لكنَّني لا أتحدَّثُ عن هذا.
- أتحدَّثُ عن الدِّين بِكُلِّ تفاصيلهِ قبلَ بيعة الغدير يُصطَلَحُ عليهِ "التَّنزيل".
- والدِّين بِكُلِّ تفاصيلهِ بعدَ بيعة الغدير يُصطَلحُ عليهِ "التَّأويل".
صحيحٌ جاء في الحديثِ مِن أنَّ النَّبيَّ خَلَّفَ فِينا الكِتابَ والعِترة، ومِن أنَّهما لن يفترقا حتَّى يَرِدَا على رسول اللّهِ على الحوض، هذا لا يعني أنَّ الأَئِمَّةَ حينما يَرِدونَ على رسولِ اللّهِ على الحوض يَحمِلونَ المصاحفَ مَعهُم، إذا كانَ عندَنا الإمام نحنُ نستغني عن المصحف، ولكن إذا كانَ عندنا المصحف لا نستطيعُ أن نستغني عن الإمام، إذا تُرِكنا نَحنُ والمصحف فإمَّا أنْ نُغلِقَ المصحف لأنَّنا لا نستطيعُ أن نُفَسِّرهُ بشكلٍ صحيح، وإمَّا أنْ نُفَسِّرهُ بنحوٍ عَبَثيٍّ فنقومَ بتحويلِ كِتاب الهداية الأعظم إلى كتابِ ضلالة كي نُضَلِّل أنفُسَنا ونُضَلِّلَ الآخرين، إذا كانَ المعصومُ موجوداً ونحنُ شَكَكْنا في شيءٍ في المصحف رُبَّما ليسَ صحيحاً الَّذي يُصَحِّحهُ لنا المعصوم، المصحفُ لا يستطيعُ أن يُصَحِّحَ نَفْسهُ، ولا يستطيعُ أن يُصَحِّحُ للمعصوم، المصحفُ لا يستطيعُ أن يُفَسِّرَ نَفسهُ بنفسه، ولا يستطيعُ كذلك أن يُفَسِّرَ حقائق المعصوم، المصحفُ عبارةٌ عن فِهرست لعناوين، هذهِ العناوين يُفَسِّرُها ويشرُحها لنا الإمامُ المعصوم، حقائقُ المصحف الصحيحة هي عِندَ المعصوم، والمصحفُ بِكُلِّ تفاصيلهِ، بِكُلِّ إشاراتهِ ورُموزهِ شأنٌ مِن شُؤونِ المعصوم، فحديثُ الثَّقلينِ في الحقيقةِ إذا أردنا أنْ نُدَقِّقَ فِيه يُوجِّهُنا إلى الإمام المعصومِ فقط، لأنَّنا لَسنا بحاجةٍ للمُصحف إذا كانَ المعصومُ فيما بيننا ونستطيعُ أن نتواصلَ معه.
في زمان الغَيْبةِ نحنُ نحتاجُ المصحف، لماذا؟ كي نَحتجَّ بهِ على الآخرين، وإلَّا فإنَّ حقائقَ المصحفِ موجودةٌ في حديثهم، نحنُ نُوائمُ في ثقافتنا بينَ المصحفِ وحديث العترة، لأنَّنا في زمان الغَيْبَة وحينما يظهرُ إِمامُنا سيأتي بكتابٍ جديد، بكتابٍ يتناسَبُ مع المرحلةِ تِلك، لأنَّ الإمامَ صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه سيضعُ يدَهُ على رؤوس العباد كي يَجمَعَ عُقولَهم وأحلامَهم، فحينما ترتقي العُقول سترتقي اللغةُ والبيان، فحينما ترتقي اللغةُ والبيان فنحنُ بحاجةٍ إلى كتابٍ جديد، لا يعني أنَّ المصحفَ هذا سنستغني عنه وإنَّما سيُظهِرُ لنا إمامُنا الحُجَّةُ المصحفَ الأصل، المصحفَ الَّذي ليسَ فِيهِ من تحريف، وهذا واضحٌ (كَأَنِّي بِأَبْنَاءِ العَجَمِ - أميرُ المؤمنين يقول - ينَصبونَ فَسَاطِيطَهُم عَلَى أَبوابِ مَسْجِدِكُم هَذا - يُشير إلى مسجد الكوفة - يُعَلِّمُونَ أَولَادَكُم القُرآنَ كَمَا نَزَل)، ليسَ كما هُو بَينَكُم.
سأضربُ لَكُم مِثالاً من سورةِ الكهف في قصّة موسى والخضر، لَمَّا شرحَ الخضر لِموسى لماذا خَرقَ الخِضْرُ السفينة، جاء في الآيةِ التاسعةِ والسبعين بعدَ البسملة من سورةِ الكهف: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا - لماذا؟ - وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً﴾، إذا كانَ يأخُذُ كُلّ سَفينةٍ فسيأخُذُ سَفِينَتَهم، بغضّ النَّظر خُرِقت أم لم تُخرَق، ولكنَّ القراءةَ الصحيحةَ عِندَ العترةِ الطاهرة: ﴿وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحةٍ غَصْباً﴾، سيكونُ الكلامُ مُنسجماً مَنطقيَّاً، وإلَّا أنْ يَقولَ الخضرُ لِموسى مِن أنَّني خَرَقتُ السَّفِينة لماذا؟ لأنَّ الـمَلِك الظَّالِم يأخُذُ كُلَّ السُّفُن، سيأخذُ حِينئذٍ السَّفينة الـمَعيبة لأنَّهُ يأخذُ كُلَّ السُّفُن بحسبِ الآيةِ الموجودةِ في المصحف…
في الصفحةِ السادسة مِن مُقدِّمةِ الطوسي الَّتي يَشرحُ فِيها مَنهجيَّتهُ في التفسير: لأنَّ مَن الـمُفسِّرينَ مَن حُمِدَت طَرائِقُه ومُدِحَت مَذَاهِبُه - مَن هُم هؤلاء؟ الَّذينَ سينقلُ عنهُم وسيعتمدُ على أقوالِهم - كَابنِ عبّاس والحسن - إنَّهُ الحسنُ البَصري، ذوله المعمّمين المطايا بالنَّجف خصوصاً الخُطباء من يرجعون لهذا التفسير ويجدون (وقال الحسن) يتصوّرون أنَّ الطوسي ينقلُ عن الإمام الحسن الـمُجتبى، هو ينقلُ عن الحسن البصري - وقَتادة ومُجاهد وغيرهم - هؤلاء الَّذينَ حُمِدت طرائِقُهم ومُدِحَت مَذَاهبهُم، هذا قَتادة روايات صريحة الإمامُ المعصومُ يتحدَّثُ فِيها عن ضلاله، وهؤلاء أعداءُ أهل البيت قَتادة، ومُجاهد، والحسنُ البصري، (فَلْيُشَرِّق الحَسَنُ البَصْريُّ وَلَيُغَرِّب - إمامُنا الباقر يقول - فَإِنَّ العِلْمَ لَا يُؤْتَى إِلَّا مِن هَا هُنَا وَيُشِيرُ إلى صَدرهِ الشَّرِيف بَاقِر العُلوم صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه) - وَمِنهم مَن ذُمَّت مَذَاهبهُ؛ كأبي صالحٍ، والسُدّي، والكَلْبي، وغيرهِم، هذا في الطبقةِ الأولى، وأمَّا المتأخِّرونَ فَكُلُّ واحدٍ منهُم نَصرَ مَذْهَبهُ وتَأوَّلَ على ما يُطابقُ أصله - إلى آخرِ كلامهِ، قَتادةُ هذا هو قَتادةُ ابنُ دعامة السدوسي توفّي سنة (118) للهجرة، وأمَّا مُجاهد فهو مُجاهدُ بنُ جَبر أو ابنُ جُبير توفّي سنة (104) للهجرة، هو يقول إنَّهُم مِن الطبقةِ الأولى مِن الَّذينَ حُمِدت طَرائِقُهم ومُدِحَت مَذاهِبهُم، ألا تُلاحظونَ إلى الآن لم يُشِر إلى أحدِ أصحاب الأَئِمَّة؟ لم يُشر مثلاً إلى تفسيرِ جابرٍ الجُعفي، لم يُشر مثلاً إلى تَفسيرِ القُمّي، وإلى غيرِ هَذين مِن صَحابة الأَئِمَّةِ ومِن رِواةِ حديثهم مِمَّن جَمعوا الحديثَ مِن العترةِ الطاهرة في تفسيرِ القُرآن، ألا تُلاحظونَ أنَّهُ يذهبُ في اتجاهٍ بعيدٍ عن العترة الطاهرة؟
إلى أن يقول: واعْلَموا أنَّ العُرْفَ - في الصفحةِ السَّابعة - وَاعْلَموا أنَّ العُرْفَ مِن مَذْهَبِ أصحابِنا والشَّائِعَ مِن أخبارِهم وَرِواياتِهم أنَّ القُرآنَ نزلَ بحرفٍ واحد - وهذا هو دينُ العترةِ الطَّاهِرة - على نَبَيٍّ واحِد، غيرَ أنَّهُم أجْمَعوا - مَن؟ عُلماء الشيعة - على جواز القراءةِ بما يَتداولهُ القُرَّاء - هذا الإجماعُ لَيسَ مِن العترةِ الطاهرة، هذا إجماعُ الضلال، أئِمَّتُنا وَجَّهونا إلى قراءةِ المصحف، الدليلُ الأحاديثُ التفسيريَّةُ الَّتي هي بالمئات، لم تَتطرَّق إلى قراءةٍ أُخرى هي غيرُ قراءةِ المصحف، وأقربُ القِراءاتِ هي قراءةُ أُبَيّ، وهذهِ القراءةُ ليست موجودةً بيننا، لماذا؟ لأنَّ عُمَر بنَ الخطَّاب حينما جَمعَ المصاحف أَلَحَّ على أُبَيّ أن يأتيهُ بمصحفهِ فأخذَ المصحف وأحرقَهُ، لأنَّ قِراءة أُبَيّ هِي أقربُ القراءاتِ إلى قراءةِ أهلِ البيت وبقيَّة القراءاتِ بَعيدةٌ عَن قِراءاتِهم - وأنَّ الإنسانَ مُخيَّرٌ بأيِّ قراءةٍ شاء قرأ، وكَرِهوا تجويدَ قراءةٍ بِعينها.