دولة سليمان النبي وسيلة إيضاحٍ مُصغّرةٍ لدولة الإمام المهدي عليه السلام
- طول المقطع : 2:22:10
- مقطع من برنامج : الخاتمة_261 - يا امام هل من خبر ج32
وصف للمقطع
دولةُ سُليمان أنموذجٌ واضحٌ للعلاقةِ المتواصلةِ بينَ الجنِّ والإنس.
في سورةِ النمل: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾، الآيةُ السابعةُ بعد العاشرةِ بعدَ البسملة، الحديثُ عن دولةِ سُليمان حديثٌ عن وسيلةِ إيضاحٍ مُصغَّرةٍ ومُصغَّرةٍ جِدَّاً لدولةِ القائمِ المهدي صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، سأمرُّ على بعضِ الآياتِ الَّتي ذكرت لنا لقطاتٍ من شؤونِ وأحوالِ دولةِ سُليمان النَّبي.
في سورةِ النمل، الآيةِ السادسةِ بعد العاشرةِ بعد البسملة: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ - فَداوودُ كانَ مَلِكاً قبل سُليمان، وداوودُ صارَ مَلِكاً بعد طالوت، هذهِ الدولةُ ابتدأت بطالوت، وبعد موتِ طالوت صار الـمُلْكُ لداوود وبعد داوودَ صارَ الـمُلْكُ لِسُليمان - وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر وَأُوتِيْنَا مِن كُلِّ شَيْء إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِيْن - هذهِ لقطةٌ من دولةِ سُليمان، فالطيورُ جُزءٌ من رعيَّتهِ في هذهِ الدولة، وجزءٌ من عسكرهِ، هُناكَ لغةٌ للتفاهُمِ معَ الطيور، والقضيَّةُ لا تقفُ عند منطقِ الطِّير، فالطَّيرُ جُزءٌ من عسكرهِ، وهُناك نِظامٌ شديدٌ في مُحاسبةِ هؤلاء الجنود، الهُدهدُ طيرٌ من هذهِ الطيور الكثيرة، بحسبِ الأحاديثِ الَّتي عندنا عنهُم صلواتُ اللهِ عليهم، وظيفةُ الهُدهد تشخيصُ مواطنِ وجودِ الـماءِ في باطنِ الأرض، الهدهدُ يمتلكُ هذهِ القابليّة، ولكن لابُدَّ من برنامجٍ للتفاهمِ معه، ولذا جاء هذا البرنامجُ: "عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر"، الرواياتُ تقول: من أنَّ سليمانَ ما كان على علمٍ بمواضعِ المياهِ هذه، ولذا كان يستعينُ بالهُدهد، مع عِلمِ سُليمانَ الواسع بحسبِ زمانهِ، فَهُو نبيٌّ من الأنبياء لكنَّهُ لم يَكُن مُرسلاً، ولم يكن من أولي العزم، فلا هو من أولي العزم ولا هو من أصحابِ الرسالات، لم يكن مُرسلاً كانَ نبيَّاً معصوماً، كانَ نبيَّاً حكيماً.
- إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِيْن ۞ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْر﴾، صُورةٌ مَهولةٌ، حُشروا جميعاً، حُشروا حشراً عسكريّاً، ليست الغرابةُ في اجتماع الجنِّ مع الإنسِ مع الطَّير، أمرٌ غريبٌ، لكنَّنا إذا نظرنا إلى دولةِ سُليمان فليست الغرابةُ هنا، اجتماعُ الجنِّ مع الإنسِ مع الطيرِ في صُفوفٍ مُنظَّمةٍ عسكريَّةٍ في قُوَّةٍ هائلةٍ هذا الأمرُ غريبٌ في نفسهِ، لكنَّهُ ليس غريباً بالنسبةِ لدولةِ سُليمان، إنَّها دولةُ الغرائبِ والعجائب، الصورةُ مَهولةٌ، الطيورُ هي الطيورُ بكُلِّ أشكالها وألوانها، والأناسيُّ هُم الأناسيُّ هم أبناءُ آدم، والجنُّ أشكالُهم تختلفُ عن الآدميّين، قد يَظهَرونَ بمظهرٍ مُقارِبٍ للمظهرِ الآدمي، لكن بالجُملةِ فإنَّ أشكالهم تختلفُ عن أشكالِ الآدميّين.
وما الأمرُ بغريبٍ حينما يتمُّ التواصُل مع النملِ: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، فَسَمِع صوتها معَ أنَّهُ لم يَكُن قريباً منها، كانَ على وسيلتهِ النقليّةِ الطائرة الَّتي تُسمَّى في بعضِ الأحاديثِ بالكُرسي، بالكُرسيِّ الطائر، وفي بعض الأحاديثِ تُسمَّى بالبساط، بالبساط الطائر، وهذهِ النَّملةُ رأت أنَّ الكُرسيَّ الطائرَ سيحطُّ على الأرض، ولذا أطلقت نداءها إلى النمل - فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا﴾، لقد سَمِع صوتها وهي في الوادي.
إلى أن تقولَ الآياتُ في سورة النمل وهذهِ هي الآيةُ العشرون بعد البسملة: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ - متى تَفقَّدَ الطَّيرَ؟ أثناءَ الطيران، وحينما دخلَ شُعاعُ الشَّمسِ من المكانِ الفارغِ من صاحبهِ فنظرَ سُليمانُ إلى سقفهِ العجيبِ هذا، فوجدَ مكانَ الهُدهدِ خالياً - فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِيْن - لماذا لا أراهُ؟ هل هو غائِبٌ عن وظيفتهِ؟ هذا عَسْكَرٌ، هذا جُنْدٌ، هُناك نِظام، فأين الهُدهدُ هذا؟ - لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابَاً شَدِيدَاً - نِظامٌ عسكريٌّ، وهذهِ الطيورُ قد أعطت عُهودها بالطاعةِ وانضمّت إلى عَسْكَرِ سُليمان - أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِين ۞ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيْدٍ - ما هي إلَّا مُدَّةٌ يسيرةٌ فجاءَ الهُدهد - فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين﴾. الهُدهدُ عندهُ معلومةٌ سُليمانُ لا يمتلكها، بَيَّنَ الهدهدُ المعلومةَ الَّتي جاء بها: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم﴾، عرشٌ مُميَّزٌ.
تستمرُّ الآياتُ إلى أن تأتينا الآيةُ السابعة والعشرون بعد البسملة وما بعدها: ﴿قَالَ - مَن الَّذي قَالَ؟ سُليمانُ - قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِيْن﴾، سُليمانُ لم يَكُن على علمٍ - اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُون﴾، رَاقِبهُم، هذهِ الطيورُ تفتَّقت كُلُّ وسائلِ قُدرَتِها حينما كانت في جيشِ سُليمان، لم تَكُن بحالتها الاعتياديّةِ الَّتي نراها في يومنا هذا، ليس الطيورُ فقط، كُلُّ الكائناتِ فيها خُزانةٌ في تلك الخُزانةِ قُدراتٌ مُودَعة، هذهِ القدراتُ المودعةُ مخزونةٌ لأيَّامِ الله، سَيُفَجِّرها القائمُ صلواتُ اللهِ وسَلامهُ عليه، مثلما يُفَجِّرُ خزائنَ الأرض، أفليست الأحاديثُ تُخبرنا من أنَّ الأرضَ ستُلقي بأفلاذِ أكبادها؟! هذا النِّفطُ لا قيمةَ لهُ بالقياسِ إلى أفلاذِ أكبادِ الأرض، النِّفطُ يُوجدُ قريباً من السطح، أمَّا أفلاذُ الأكباد فهي في الأعماق.
في سورةِ سبأ، الآيةِ الثانيةِ بعدَ العاشرةِ بعدَ البسملة: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيْحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾، إلى آخرِ ما جاء من تفاصيل أخرى، ما المرادُ من الآيةِ؟
إذا أردنا أن نعودَ إلى اللغةِ فإنَّها مُقفلةٌ، إذا أردنا أن نُطَبِّق ما عندنا من معلوماتٍ لتفكيكِ هذا التركيبُ وهذا التعبير من حيثُ اللغةِ من حيثُ الأدبِ فإنَّنا سنضيع، سنضعُ العديدَ من الاحتمالاتِ وهي احتمالاتٌ ضعيفةٌ، الجُملة مُغلقةٌ.
(تفسيرُ القُمِّي) وهو جامعٌ من جوامعِ أحاديثنا التفسيريّة، ماذا يقولُ إمامنا الصَّادِقُ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه؟ طبعةُ مؤسَّسة الأعلمي، بيروت، لبنان، الروايةُ تبدأ في صفحة (549): بِسَنَدهِ - وهو يروي عن أبيه علي بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيمُ بن هاشم - عَن ابنِ أَبِي عُمَيْر، عَن هِشَام، عَن إِمَامِنَا الصَّادِق صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيه، "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْر" - هكذا أوَّلَها لنا، التَّأويلُ هو عينُ التَّفسير - كَانَت الرِّيْحُ تَحمِلُ كُرسِيَّ سُلَيْمَان - هذا الَّذي ذكرتهُ لَكُم قبل قليل، إنَّها الوسيلةُ النقليّةُ الطائرةُ العجيبة - فَتَسِيْرُ بِهِ فِي الغَدَاةِ مَسِيْرَةَ شَهْر وَبِالْعَشِيِّ مَسِيْرَةَ شَهْر - غريبٌ هذا!
تعالوا نحسبُ هذهِ السرعة وهذهِ المسافات، ولكن قبل أن نحسب هذهِ السرعة وهذهِ المسافات، القُرآنُ أخبرنا عن أنَّ طائرة سُليمان هذهِ تطيرُ تارةً بِسرعةٍ مُعيَّنة، وتارةً أخرى بِسُرعةٍ هائلة القُرآنُ أخبرنا لستُ أنا.
في سورةِ ص، الآيةِ السادسةِ والثلاثين بعد البسملة: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيْحَ - لِسُليمانَ، الحديثُ في قصّةِ سُليمان، دولةُ سُليمان تحدَّث عنها القُرآنُ كثيراً لماذا؟ هل يريدُ القُرآنُ أن يُحدِّثنا حديث المؤرِّخين؟ إنَّهُ يُريدُ أن يقول لنا هذهِ وسيلةُ إيضاح لدولةِ مَهديِّكُم، فاعرفوا عظمةَ دولةِ مَهدِيِّكُم.
في الآيةِ السادسةِ والثلاثين بعدَ البسملةِ من سورةِ ص - فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ - لِسُليمانَ - تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾، الكونترول موجودٌ في البرنامج السُّليماني، ليسَ بالضرورةِ أن تجري بأمرهِ من شخصهِ بشكلٍ مُباشر - رُخَاءً حَيْثُ أَصَاب﴾، حَيثُ أَصَاب إلى الجهةِ الَّتي يريدُ أن يصل إليها، أصابَ صَوَّبَ نَظَرهُ إليها، صَوَّبَ إرادتهُ باتجاهها، ألا يُقالُ من أنَّ السَّهمَ أصابَ الهدف، فقد حَدَّدَ هَدفَهُ.
أمَّا إذا كانَت هناكَ مُهمَّةٌ هُناك أمرٌ بالِغُ الخطورة فإنَّ السرعةَ ستكونُ بنحوٍ آخر، في الآيةِ الحاديةِ والثمانين من سورة الأنبياء: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيْحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا - إنَّهُ يريدُ الرجوع إلى العاصمة، هُناك أمرٌ مهم - وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِيْن﴾، الأرضُ الَّتي باركنا فيها بالنسبةِ لهُ الحديثُ عن عاصمتهِ، لكنَّنا إذا أردنا أن نذهب إلى المعنى الأصل فإنَّ الأرض الَّتي باركنا فيها هي أرضُ النجف وكربلاء هذهِ الأرض.
في (تفسير القُمِّي)، طبعةُ مؤسَّسة الأعلمي، بيروت، لبنان، صفحة (580)، إمامنا الصَّادقُ يقول - جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكَ سُلَيْمَانَ فِي خَاتَمِهِ - هذا هُو الجهازُ الكنترول، يُمكننا أن نتصوَّر الفكرة بمثالٍ يكونُ مُقرِّباً ومُبَعِّدَاً في الوقتِ نفسهِ، إنَّها الحقيبةُ الرئاسيّةُ الَّتي يصطحِبُها الرَّئيسُ الأمريكيُّ معهُ في الظروفِ الحرجة الَّتي تمرُّ فيها البلاد، قُلتُ لكُم مِثالٌ مُقرِّبٌ مِن وجهٍ ومُبَعِّدٌ من وجهٍ آخر.
عندنا في الرواياتِ: أنَّ مواريثَ النُبُوَّةِ ودلائلَ الإمامةِ، وهي شؤونٌ ماديَّةٌ حِسيَّةٌ خارجيَّةٌ الإمامُ لا يحتاجُها لنفسهِ، وإنَّما يحتاجها لشيعتهِ، الإمامُ يحتفظُ بها في خاتمهِ في فص خاتمهِ، نحنُ نتحدَّثُ عن مِقدارٍ كبيرٍ من المواريثِ والدلائل، هذا موضوعٌ فيهِ تفصيلٌ كثير..
-فَكَانَ إِذَا لَبِسَهُ حَضَرَتهُ الجِنُّ وَالإِنْسُ وَالشَّيَاطِيْنُ - الشَّياطينُ صِنفٌ من الجن، لكنَّهم أدهى، لكنَّهم أذكى، يمتلكونَ من القُدراتِ الهائلةِ، هؤلاءِ هُم الجنُّ الطيَّارةُ الَّذينَ يجلسونَ مجالسَ ومقاعدَ للسَّمع يسترقون السَّمعَ عندَ ثُغورِ حُدودِ السَّماء، وكانوا يخترقونَ السَّماواتِ قبلَ مولدِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وآله - وَجَمِيْعُ الطَّيْرِ وَالْوَحْش - الوحشُ أيضاً هُم جُزءٌ من عَسْكَرِ سُليمان، لكنَّ الآياتِ ذكرت الطَّيرَ لخُصوصيّةٍ فيه - وَأَطَاعُوه - هذا هو الكنترول - فَيَقْعُدُ عَلَى كُرْسِيِّهِ - على كُرسيِّهِ الطائر، ليسَ المراد هنا من كُرسيِّهِ الكرسيُّ الَّذي يجلسُ عليهِ في قصرهِ أو في مجلسِ حُكمهِ ومُلْكهِ، الحديثُ هنا عن الكُرسي الطائر الَّذي تارةً يطيرُ بسرعةِ الرُّخَاء، وتارةً يطيرُ بالسرعةِ العاصفة، وقطعاً ما بينَ هذا وهذا هُناك سُرعةٌ وسُرعةٌ وسُرعة - وَبَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رِيَاحَاً تَحْمِلُ الكُرْسِي بِجَمِيْعِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الشَّيَاطِيْن وَالطَّيْرِ وَالإِنْسِ وَالدَّوَابِّ وَالْخَيْل - الدَّوابُّ والخيل إنَّها الوسائلُ العسكريَّةُ لقُوَّاتهِ ولِجُندهِ، كُلُّ هذهِ الأعداد الهائلة تكونُ موجودةً على كُرسيِّهِ الطائر على بِساطهِ الطائر - فَتَمرُّ بِهَا فِي الْهَوَاء - في الهواء في الفضاء، فالعربُ تُسمِّي هذا الفراغ تُسمّيه الهواء، وفي الحقيقةِ ما هو بفراغ هذا مكان، هذا البُعدُ المكانيُّ للأشياء، بل هو البُعدُ الزَّمَكَانيُّ للأشياء كما يُصطلحُ عليهِ في الفيزياء، أو قد يُقالُ لهُ البُعدُ المجرَّدُ في الفيزياء القديمة في الفلسفات القديمة، وقد يُقصَدُ من البُعدِ المجرَّدِ شيءٌ آخر، لا أريدُ أن أخوض في هذهِ التفاصيل.
- إِلَى مَوْضِعٍ يُرِيدُهُ سُلَيْمَان وَكَانَ يُصَلِّي الغَدَاة بِالشَّام - إنَّهُ يُصَلِّي الصُّبح قبل أن يتحرَّكَ بِكُرسيِّهِ الطائر صلاةُ الغَداة هي صلاةُ الفجر، تُسمَّى صلاةُ الصُّبح، تُسمَّى صلاةُ الغَداة - وَيُصَلِّي الظُّهْر بِفَارِس - في بلادِ إيران، الروايةُ طويلةٌ، إنَّما أردتُ أن آخذ هذه اللقطةِ كي تُرابطوا بين ما جاء في الروايةِ وما جاء في الآياتِ وما حسبتهُ لَكُم من سُرعة الرِّيحِ الرُّخَاء والعاصفة.
في (تفسيرِ القُمِّي) عليٍّ بن إبراهيم رضوان الله تعالى عليهِ وعلى أبيه، صفحة (581) هو يقول: وَحَدَّثَنِي أَبِي، عَن أَبِي بَصِيْرٍ، عَن أَبَانٍ، عَن أَبِي حَمْزَةَ - إنَّهُ الثُّمالي رضوانُ اللهِ تعالى عليه - عَن الأَصْبَغِ بنِ نُبَاتَه، عَن أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِين صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُه عَلَيه: خَرَجَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُود مِن بَيْتِ الْمَقْدِس - مِن فلسطين، هذا هو الاسمُ المشهورُ عِندَ النَّاس، وإلَّا في ثقافةِ أهلِ البيت فإنَّ بيت المقدسِ لهُ دِلالةٌ أخرى - وَمَعَهُ - على كُرسيِّهِ الطائر - وَمَعَهُ ثَلاثُ مِئَةِ أَلْف كُرْسيٍّ عَن يَمِينهِ عَلَيْهَا الإِنْس - الآدميُّون قُوَّاتهُ الآدميّة، ثلاثُ مِئةِ ألف (300000) كُلُّهم يجلسونَ على كراسي، أيَّةُ وسيلةٍ نقليَّةٍ هذهِ؟! هل هذا عجيبٌ؟! سفينةُ نُوح جَمَعَ فيها كُلَّ الحيوانات، هذهِ هي عجائِبُ الأنبياء، هذهِ عجائبُ الأنبياءِ من شيعةِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين - وَثَلاثُ مِئَةِ أَلْف كُرْسِيٍّ عَنْ يَسَارِهِ عَلَيْهَا الجِن، وَأَمَرَ الطَّيْرَ فَأَظَلَّتْهُم - الخُيُولُ، الدَّوابُّ، الطعامُ، الأسلحةُ، الوسائلُ، ما يُقالُ لهُ اللوجستيك - وَأَمَرَ الرِّيح فَحَمِلَتهُم - أَمَرَ الرِّيح لا أن يقول للرِّيحِ طيري بنا، إنَّها الوسائلُ والأسباب - حَتَّى وَرَدَ إِيْوَانَ كِسْرَى فِي الْمَدَائِن - في العراق عند بغداد - ثُمَّ رَجَعَ فَبَاتَ فَاضْطَجَع - رجعَ من ذلك المكان، رَجعَ مَساءً - ثُمَّ غَدَا - عِنْدَ الصَّبَاح - فَانْتَهَى إِلَى مَدينَةِ تَرْكَاوَان - هذهِ المدينةُ بهذا الاسمِ لا وُجودَ لها في زماننا، وإنَّما هناك مدينةٌ ذُكِرت في التاريخِ قريبةً من مدينةِ مرو يُقالُ لها تُركان، قد تكونُ هي هذهِ، قد تكونُ مدينةً أخرى لا أدري، لكن لا يوجدُ في زماننا مدينةٌ ولا توجدُ آثارُ مدينةٍ بهذا الاسم، إمَّا أنَّ تصحيفاً حَدَثَ في هذا الاسم، وإمَّا المراد منها مدينةُ تُركان الَّتي هي في خراسان قديماً كانت، وإمَّا أنَّها كانت وزالت مثلما زالتُ الكثيرُ من الـمُدنِ والبلاد - ثُمَّ أَمَرَ الرِّيحَ فَحَمَلَتهُم حَتَّى كَادَت أَقْدَامُهُم - أقدامُ الَّذين كانوا على البساط الطائر - يُصِيبُهَا الْمَاء - لأنَّها حينما نزلت نزلت بمستوى ماءِ البحر، مُرادي لَمَّا نزلت لَمَّا نزلت في حركتها ما بَينَ نُزولها وصُعودها - وَسُلَيْمَانُ عَلَى عَمودٍ مِنْهَا - كانَ في مكانٍ مُرتفع - فَقَالَ بَعْضُهُم لِبَعض: هَلْ رَأيتُم مُلْكَاً قَط أَعْظَمَ مِن هَذا وَسَمِعتُم بِه، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا وَلَا سَمِعنَا بِمِثْلِهِ، فَنَادَى مَلَكٌ مِنَ السَّمَاء: ثَوابُ تَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ فِي اللهِ أَعْظَم مِمَّا رَأيْتُم - هذا هو التَّعظيم عند مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد.
تَدبَّروا في عَظمةِ مُلْكِ سُليمان، ومُلكُ سُليمان لا قيمة لهُ في مُلكِ القائمِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، ثوابُ تسبيحةٍ في ظِلِّ وَلايةِ قائمِ آلِ مُحَمَّد هي أعظمُ من مُلْكِ سُليمان.
في سورة النمل، إلى لقطةٍ هي الأعظمُ بينَ اللقطات الَّتي ذُكرت في شؤونِ دولةِ سليمان: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِيْن - بعرشِ بلقيس - ۞ قَالَ عِفْريْتٌ مِّنَ الْجِنِّ - هذهِ غُرفةُ العمليّات، مَقرُّ القيادةِ، هذا اجتماعٌ سِريٌّ، الحُضَّارُ هم خاصَّةُ الجنِّ والإنس - أَنَا آتِيْكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ - قبلَ انتهاءِ الاجتماع - وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِيْن - قد يكونُ مُنَفِّذاً للمأموريّةِ لوحدهِ، أو رُبَّما معَ أعوانهِ مِن الجن - قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ - آصف بن برقيا - أَنَا آتِيْكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ - إنَّها سُرعةٌ فائقةٌ أسرعُ من الضوء، هذا الأمرُ الأعظمُ الَّذي جرى في دولة سُليمان - فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ۞ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُون ۞ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوْ - إلى آخرِ تفاصيلِ ما جاء في سورةِ النمل، فأنا لستُ بصددِ الخوضِ في كُلِّ التفاصيل، إنَّما هي لقطاتٌ.
لاحظوا عظمة الدولةِ السُّليمانيَّة لكنَّنا إذا أردنا أن ننظرَ إلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ لا قيمة للدولةِ السُّليمانيةِ من أوَّلِها إلى آخرها، سُليمانُ لم يَكُن مُحيطاً بالمعلومات الَّتي جاء بها الهُدهد، سُليمانُ كانَ مُحتاجاً لِعلمِ الهُدهدِ بمواضعِ الماءِ في باطنِ الأرض، سُليمانُ كان مُحتاجاً لمعرفةِ صِدقِ الهُدهدِ مِن كَذِبهِ، مرَّت علينا الآيات.
لكنَّنا نقرأ في سورةِ يس في الآيةِ الثانيةِ بعدَ العاشرةِ بعدَ البسملة: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِيْن﴾، سليمانُ وآصفهُ ودولتهُ ومُلْكُهُ وخَاتَمهُ كنترولهُ سيكونُ شيئاً يسيراً في دائرةِ الإحصاءِ هذهِ، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِيْن﴾ أميرُ المؤمنين هو الَّذي يقول: (أَنَا ذَلِكَ الإِمَامُ الْمُبِيْن)، ومَن يكونُ غيرُك يا أمير فأنتَ واللهِ الإمامُ المبين.