ردٌّ على الهراء الذي جاء في كتب المخالفين "لو أنَّ فَاطمَةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ سرقت"
وصف للمقطع

أم جعفر من النَّجف وكما جاء في الرﱢسالةِ إنَّها أُستاذةٌ في الحوزة، أذهبُ إلى مورد السؤال:

ما نُسِبَ إلى رَسُول اللّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله: "وأيمُ اللّه لو أنَّ فَاطمَةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ سرقت لقطعَ مُحَمَّدٌ يدَهَا"، كيفَ نفهَمُ ذلِك؟

أوَّلاً: لابُدَّ أن نعرِفَ مِن أنَّ هذا الحديث لا وجودَ لهُ في كُتُبِنا الشيعيَّة، مُرادي لا وجودَ لَهُ في كُتُبِنا الشيعيَّة لَم يأتِ منقُولاً عن العترة الطاهرة، هُناكَ كُتُبٌ شيعيَّةٌ ذكرَت هذا الحديث لكنَّها نقلَت الحديثَ عن الكُتُب السُنيَّة، فهذهِ النقطةُ لابُدَّ أن تُعرَفَ من البداية..

هذا الحديثُ جاء في (صحيح البخاري)، طبعةُ دارِ صادر/ بيروت - لبنان/ الطبعةُ الأولى/ 2004 ميلادي/ البخاري توفّي سنة (256) للهجرة، البابُ الثالثَ عشر: "بابُ كراهيّة الشَّفاعةِ في الحدﱢ إذا رُفِعَ إلى السلطان"، رقم الحديث (6788): بسندهِ - بسند البخاري - عن عائشة رضي اللَّهُ عنها - فهذا حَدِيثٌ مِن أحادِيث عائشة - :أنَّ قُريْشَاً أهمَّتهُم المرأةُ المخزوميَّة الَّتي سرقَت فقالُوا: مَن يُكَلـﱢـمُ رَسُولَ اللّه؟ - أهمَّتهُم؛ أي اهتمّوا لأمرِها، لا يُريدونَ أن يُقامَ عليها الحدّ - مَن يُكَلـﱢـمُ رَسُولَ اللّه صلَّىٰ اللَّهُ عليهِ وسلَّم - صلاةٌ بتراء تعني دِيناً أبتَر - ومَن يجترئُ عَليه إلَّا أُسامَة - إنَّهُ أُسامةُ بنُ زيد، كانَ النَّبيُّ يهتمُّ لأمرهِ فزيدٌ كانَ يُحِبُّهُ رَسُولُ اللّه ولأجلِ زيدٍ كانَ يَهتمُّ بأمرِ أُسامَة وإن كانَ أُسامةُ هذا قد خانَ رَسُولَ اللّه حينَ خانَ أميرَ المؤمنين صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه..

-حِبُّ رَسُول اللّه - هكذا كانوا يُسمّونَهُ يُسمّونَ أُسامَة بِحُبﱢ رَسُول اللّه، أي أنَّهُ حُبُّهُ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم - صلاةٌ بتراء تعني دِيناً أبتَر - فَكلَّمَ رَسُول اللّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم - صلاةٌ بتراء تعني دِيناً أبتَر - فَقالَ النَّبيُّ لأُسامة: أتشفَعُ في حَدٍّ مِن حُدودِ اللّه؟! ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ وقال: يا أيُّها النَّاس إنَّما ضلَّ مَن قبلَكم أنَّهُم كانوا إذا سَرَق الشريفُ تركوه وإذا سَرَقَ الضعيفُ فيهم أقامُوا عليهِ الحدّ - بالضبط مثلما يجري الآنَ في العِراق، الشريفُ ليسَ شريفاً، وإنَّما في نظر النَّاس، وهؤلاء الَّذينَ يكونونَ شُرفاءَ في نظر النَّاس هؤلاءِ حُقراء أنجاس في حقيقتِهِم - وأيْمُ اللّهِ لو أنَّ فَاطِمَة بِنتَ مُحَمَّدٍ سرقَت لقطعَ مُحَمَّدٌ يدَها - انتهى الحديث، هذا في صحيح البخاري.

أمَّا (صحيحُ مُسلِم)، فقد روى الحديثَ أيضاً، طبعةُ دارِ صادر/ بيروت - لبنان/ صاحِب الصحيح مُسلِم توفّي سنة (261) للهجرة، كانَ مُعاصراً للبُخاري، كتابُ الحدود، وهو الكتابُ التاسعُ والعشرون من كُتُبِ صحيحِ مُسلِم، البابُ الثاني: "بابُ قطع السَّارق الشريف وغَيرهِ والنَّهي عن الشَّفاعةِ في الحدود"، رقم الحديث (4426)، الصفحة (674): بسندهِ عن عائشة - ونقلَ الحديثَ نفسَهُ إنَّما جاء في آخرهِ: "وأيمُ اللّهِ لو أنَّ فَاطِمَة بِنتَ مُحَمَّدٍ سرقت لقطعتُ يدَها"، وانتهى الحديث، إذاً الحديثُ مرويٌّ في الصحيحين؛ "في صحيح البخاري، وفي صحيحِ مُسلِم".

ورواهُ أيضاً ابنُ أبي شيبة العبسي في كِتابهِ (المصنَّف)، وهذا أقدَمُ من الصحيحين، ابنُ أبي شيبة توفّي سنة (235) للهجرة، المجلَّدُ الثامِن من طبعةِ دار الحديث/ القاهرة - مِصر/ صفحة (398)، رقم الحديث (28663): بسندهِ، عن محمَّد بن طلحةَ ابن رُكانة عن أُمِّه عائشة بِنتِ مسعود ابن الأسود - هذهِ ما هي بعائشةَ زوجة النَّبي، هذهِ عائشةٌ أُخرى - عن أبيهَا مسعود قالَ: لَمَّا سرَقت المرأةُ تِلك القَطيفَة مِن بَيتِ رَسُول اللّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم - صلاةٌ بتراء تعني دِيناً أبتر - أعظَمْنا ذلِك وكانت المرأةُ مِن قُريش فجِئنا إلى النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم - صلاةٌ بتراء تعني دِيناً أبتَر - نُكَلِّمهُ وقُلنا نحنُ نفديها بأربعينَ أوقيَّة - بأربعينَ أوقيَّة من المال من الذهبِ من الفضّةِ - قالَ رَسُولُ اللّه: تَطهَّرُ خيرٌ لَها - تطهَّرُ يعني أن يُقامَ عليها الحدّ لأنَّ إقامَة الحدِّ تطهيرٌ للَّذي يجبُ أن يُقامَ عليهِ الحدّ - فلمَّا سَمِعنا لِينَ قَولِ رَسُول اللّه - لأنَّهُ قالَ خيرٌ لَها ما قالَ يجبُ أن يُقامَ عليها - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم - صلاةٌ بتراء تعني ديناً أبتر - أتينا أُسامَة فقلُنا كلـﱢـم رَسُولَ اللّه، فلمَّا رَأى رَسُولُ اللّهِ ذلِك قامَ خطيباً فقالَ: ما إكْثاركُم عَلَيَّ في حدﱟ مِن حُدودِ اللّه - أنتُم جِئتُم وكلَّمتموني وجاءني أُسامةُ - وقَعَ على أمَةٍ مِن إماء اللّه، والَّذي نفسي بيدِهِ لو كَانت فَاطِمَةُ بِنتُ رَسُول اللّه نزلَت بالَّذي نزلَت بهِ هذهِ المرأة لقَطَع مُحَمَّدٌ يدَها - أي لو سرَقَت.

وهذا الحديثُ يتردَّدُ في كُتُبِ المكتبةِ السنيَّةِ بنحوٍ واضح، وبهذا النَّص وينتهي عِندَ هذهِ الجُملة: "من أنَّ فَاطِمَة لو سرَقت فإنَّ مُحَمَّداً سيقطعُ يدَها"..

إذا أخذنا الجُملةَ الَّتي تتحدَّثُ عن الصدِّيقةِ الكُبرى فَاطِمَة وحاولنا فهمها وِفقاً للظهُور العرفي فإنَّ الكلامَ واضحٌ؛ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله يضعُ فَاطِمَة في مكان الاتِّهام، هو لا يتَّهِمُها بالسرقةِ وإنَّما يتّهِمُها بأنَّها يُمكِنُ أن تفعلَ هذا..

إذا كانَ النَّبيُّ قد قالَ هذا الكلامَ فعلاً قطعاً لا يقصدُ هذا المعنى السيئ، إنَّهُ يقصدُ معنىً آخر، أو أنَّ الَّذينَ نقلوا الحديثَ عن النَّبي حَرَّفوا الكلام، أو أنَّ الكلامَ مَكذُوبٌ على رَسُول اللّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله.

في كتاب (الاحتجاج) للطبرسي، طبعةُ مؤسِّسة الأعلمي/ بيروت - لبنان/ الطبعةُ ذاتُ المجلَّد الكبير الَّذي يشتملُ على الجزأين، الصفحة الثانيةِ والتسعين من احتجاجِ أمير المؤمنينَ على أبي بكر بِخُصوصِ غَصْبهِ لِفَدَك الَّتي هي نِحلَةُ رَسُول اللّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وآله لفَاطِمَة وبأمرٍ من اللّه: فَقالَ أَمِيْرُ الْمُؤْمِنين: يَا أبَا بَكْر تَقْرَأُ كِتَابَ اللّه؟ - هذا بعدَ أن جاءت فَاطِمَةُ بأدلَّتها وجاءت بالشهودِ ورَفضَ أبو بكرٍ الشهود، ومَن هُم الشُهود؟ عليُّ بنُ أبي طالب، الحَسَنُ، الحُسينُ، هؤلاءِ هُم شهودُ فَاطِمَة إنَّهُم العِترةُ الطاهرة، وهل فَاطِمَةُ تحتاجُ إلى شُهُود؟! - قَالَ: نَعَم، قالَ: أَخْبِرْنِي عَن قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرﱢجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهـﱢـرَكُمْ تَطْهِيراً"، فِيمَن نَزَلَت فِيْنَا أَمْ فِي غَيْرِنَا؟ قَالَ: بَل فِيْكُم، قَالَ: فلَوْ أَنَّ شُهُودَاً شَهِدُوا عَلَىٰ فَاطِمَة بِنتِ رَسُول اللّه بِفَاحِشَةٍ مَا كُنْتَ صَانِعَاً بِهَا؟ قالَ: كُنتُ أُقِيمُ عَلَيْهَا الحَدّ كَما أُقِيْمُهُ عَلَىٰ نِسَاء الْمُسْلِمِين، قالَ: إذاً كُنْتَ عِنْدَ اللّهِ مِن الكَافِرِين، قَالَ: ولِمَ؟ قالَ: لأنَّكَ رَدَدْتَ شَهَادَة اللّهِ لهَا بالطَّهَارَة وقَبِلْتَ شَهَادَةَ النَّاسِ عَلَيْهَا، كَمَا رَدَدْتَ حُكْمَ اللَّهِ وَحُكْمَ رَسُولِه أنْ جَعَلَ لَهَا فَدَكَاً قَد قَبَضتُهُ في حَيَاتِه - قَبَضت هذا الـمِلْك في حياة النَّبيّ - ثُمَّ قَبِلْتَ شَهَادَة إِعْرَابيٍّ بَائِلٍ عَلَىٰ عَقِبَيهِ عَلَيْهَا - ذلكَ الأعرابيُّ الَّذي هُم اتَّفقوا معهُ وشَهِدَ على أنَّهُ سَمِعَ مِن رَسُول اللّه أنَّهُ قال؛ "نحنُ معاشرُ الأنبياء لا نُورَث"، أعرابيٌّ بوَّالٌ على عقبيه لا يعرفُ شيئاً من الحديث، كذَّابُونَ هؤلاء خلفاء المسلمين - وأَخَذْتَ مِنْهَا فَدَكَاً وَزَعَمْتَ أنَّهُ فَيْءٌ للْمُسْلِمين، وقَد قَالَ رَسُولُ اللّه: البَيـﱢـنَةُ عَلَىٰ الـمُدَّعِي واليَمِينُ علىٰ الـمُدَّعَى عَلَيه - فهذا الأعرابيُّ حتَّى إذا أردنا أن نقبلَ دعواه عليهِ أن يُقيمَ البَيـﱢـنَة، وفَاطِمَةُ مُدَّعىً عليها، الـمُدَّعى عليه ليسَ عليهِ أن يُقيمَ البَيـﱢـنَة وإنَّما عليهِ اليَمِينُ فقط، ومعَ ذلِكَ فَاطِمَة جاءت بَبَيـﱢـنَتِها جاءت بِعَلِيﱟ وبالحَسَنِ والحُسين وردَّها أبو بكر، أيُّ ضلالٍ هذا؟! 

- فَرَدَدْتَ قَوْلَ رَسُولِ اللّه البَيـﱢـنَةُ عَلَىٰ مَن ادَّعَى واليَمِينُ علىٰ مَن ادُّعِيَ عَلَيه، فَدَمْدَمَ النَّاسُ - الَّذينَ كانوا جُلُوساً في المسجد - وأَنْكَرَوا ونَظَرَ بَعْضُهُم إلَىٰ بَعْض وقَالُوا: صَدَقَ واللّهِ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِب - ورَجعَ الإمامُ إلى مَنزلِهِ، فهؤلاءِ سَفَلَةٌ أيضاً لِماذا لم يتكلَّموا؟! لِماذا لم يَعترِضوا؟! هكذا جرت الأمور..

وِفقاً لهذا المنطق لا يُمكِنُ أنَّ رَسُول اللّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله يضعُ فَاطِمَةَ في موضع الاتـﱢـهام ومُرادي من موضع الاتـﱢـهام أنَّها يُمكِنُ أن تسرِق لا يعني أنَّها سرقت من أنَّهُ اتَّهمَها بشيءٍ سرقتهُ، ولكن حينما يتكلَّمُ بهذا الكلام بحسَب الظهور العرفي فإنَّ فَاطِمَة قد وُضِعت في موضع الاتـﱢـهام، لكنَّ الحقيقةَ أنَّ الأمرَ ليسَ هكذا.

هذا الكلامُ قِيلَ لغايةٍ، وهذهِ الغايةُ تنشَطِرُ إلى شطرين:

الشطرُ الأوَّل: فإنَّ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ ضحّوا ويُضحّونَ بِكُلِّ شيءٍ لتطبيقِ برنامج اللّه لِهداية النَّاس، هل هُناكَ تضحيةٌ كالَّذي فعلَهُ الحُسَين؟ القربانُ الأوَّلُ رَسُولُ اللّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله يقول:  (مَا أُوْذِي نَبِيٌّ مِثلَما أُوْذِيت)، وقُتِلَ مَسمُوماً، بعد أن أهانُوه في واقعةِ رزيَّة الخميس وعانَدوه ورفضوا أمرَه، فَاطِمَة قتلُوها وقتلُوا جنينَها، مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّدٍ قدَّموا القرابينَ تِلو القرابين وقدَّموا الأضاحي مِن عِندِ أنفُسهِم تِلو الأضاحي، في هذا المسارِ فإنَّهُم أيضاً ينسبونَ النَّقصَ إليهِم لأجلِ إقامَة الحقّ، كي يكونوا أُسوةً، المقامُ ما هُو بمقامِ اتـﱢـهامٍ لفَاطِمَة صلواتُ اللّهِ عليها، لابُدَّ أن نفهَم الكلامَ وفقاً لمعاريض القول، وما المرادُ من معاريض القول؟ أن نفهمَ الكلامَ وفقاً لأُصول العقيدةِ ولأصول المعرفةِ في دِين العترةِ الطاهرة، إنَّني أقولُ كُلَّ هذا الكلامِ بإمكاني أن أُنْكِرَ الحديث فهُو حديثٌ لم يَرِد عن العترةِ الطاهرة، وهذا الحديثُ موجودٌ في كُتُبِ أعداء العترة الطاهرة، وبحسَب الظهور العرفي يضعُ الصدِّيقة الطاهرة في موضع الاتـﱢـهام فلِماذا أُطيلُ في التفصيل؟ لأنَّني أُريدُ أن أصلَ بِكُم إلى هذهِ النقطة، إلى أيَّةِ نُقطة؟ من أنَّ الحديثَ مُحرَّفٌ هذا الحديثُ لَهُ تَتِمَّةٌ، وتَتِمَّةُ الحديثِ هذهِ كانت موجودةً في كُتُبِهِم لكنَّهُم حرَّفُوها مثلما حَرَّفوا كُلَّ شيء.

(مناقبُ آلِ أبي طالب)، لابنِ شهر آشوب المازندراني، المتوفّىٰ سنة (588) للهجرة، هذا الكِتابُ يتألَّف من أربعةِ أجزاء بغضَّ النظرِ عن جزء الفهارس، طبعةُ دار الأضواء/ بيروت - لبنان/ الجزء الثالث، صفحة (372)، الكِتابُ تعرَّضَ للتحريف، ينقُلُ عن صحيح الدارقطني، الدارقطني عالِمٌ مُحدِّثٌ سُنـﱢـيٌّ معروف مِن كبارِ علماء السُنَّة متوفّىٰ سنة (385) للهجرة، صحيح الدارقطني لا يُوجدُ كِتابٌ بهذا الاسم في زماننا، رُبَّما كانَ موجوداً ونَقَلَ عنهُ ابنُ شهر آشوب المازندراني، ورُبَّما هُوَ هُوَ كِتابهُ السُنن، سُنَنُ الدارقطني، أمّا صحيحُ الدارقطني هُناكَ من عوامﱢ السُنَّةِ مَن يُطلِقُ على سُننِ الدارقطني صحيحَ الدارقطني، لكنَّني لا أعتقدُ أنَّ ابنَ شهر آشوب لا يعرِفُ هذا، على أيﱢ حالٍ، نقلَ روايةٍ عن صحيح الدارقطني فلنُقل من أنَّ الدارقطني ليسَ عندَهُ كِتابٌ بهذا العنوان إنَّها سُنَنُ الدارقطني، إذا ما رجعنا إلى سُنَنِ الدارقطني فلا توجَدُ هذهِ الرواية، هذا الحديثُ إتمامٌ لذلكَ الحديث، سأقرؤهُ عليكُم:

أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلَّم أَمَرَ بِقَطْع لُص - بِقَطع يَدِهِ لأنَّه كانَ سَارِقاً - فَقَالَ اللُّصُّ: يَا رَسُولَ اللّه قَدَّمْتَهُ فِي الإِسْلَام - يعني أنَّكَ شَرَّفتني بالإسلام أو رُبَّما يقول قدَّمتُهُ أنا في الإسلام، جاهدتُ بينَ يديك - وتأْمُرَهُ بالقَطْع - والآن تُريدُ أن تقطعَ يَدِي - فَقَالَ النَّبيُّ: لَوْ كَانَت ابْنَتِي فَاطِمَة لَفَعَلتُ هَذا مَعَهَا - لو كَانَت ابْنَتِي فَاطِمَة - فَسَمِعَت فَاطِمَةُ فَحَزُنَت، فَنَزلَ جِبْرِيلُ عَليهِ السَّلام بِقَولِهِ - يُخَاطِبُ النَّبيّ - "لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ" - النَّبيُّ لا يُمكِن أن يُشرِك ولكن مُجاراةً للكلامِ نفسهِ - فَحَزُنَ رَسُولُ اللّه فَنَزل - نَزلَ القُرآن - "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" - اللّهُ نسبَ هذا الكلامَ إلى نَفسهِ أيضاً، فكأنَّهُ أخذَ يتحدَّثُ عن شريكٍ وعن فسادٍ في هذا الوجود - فَتَعَجَّبَ النَّبيُّ مِن ذَلِك، فَنَزَلَ جَبرَائِيل وَقَال: كَانَت فَاطِمَة حَزُنَت مِن قَوْلِك فَهَذِهِ الآيَاتُ لِمُوافَقَتِهَا لِتَرْضَىٰ - سياقُ الحديثِ ضعيفٌ وضعيفٌ جدَّاً ففَاطِمَةُ لَن تَحزَن إلَّا إذا كانَ هذا الحُزن إظهاراً فقط كي يَستشعرهُ النَّاس لِتَتَبيَّن مَنزلَةُ فَاطِمَة، مِن أنَّ النَّبيَّ حِينما قالَ عنها ما قال نزَلَت الآياتُ فقالت عن النَّبيّ ما قالت وقالَ اللَّهُ عن نفسهِ ما قال، تركيبُ الحديثِ ليسَ مُناسباً لشأنِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، نُقِلَ بالمضمون لكنَّ الغاية واضحةٌ من الآيات، فالروايةُ هذهِ تُشيرُ إلى أنَّ أُسلوباً في القُرآنِ واضحٌ لا يُمكنُ أن نفهَم مِن دُونهِ الآيات، لأنَّنا إذا فَهِمنا الآياتِ بحسَب الظهور العرفي سيكونُ المعنى مُختلَّاً، إذاً لابُدَّ من فهمهِ وفقاً للكِنايةِ العالية..

في سورةِ الزُّمر، الآيةِ الخامسةِ والستين بعدَ البسملة: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَىٰ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ - هذا أُسلوبٌ عِندَ اللّه، في الدِّياناتِ السابقةِ كانَ موجوداً - لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فهل النَّبيُّ كذلك؟! وماذا بعد؟

في سورة الأنبياء، الآيةِ الثانيةِ والعشرين بعدَ البسملة: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبﱢ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.

في سورة الإسراء، الآيةِ الثالثةِ والسبعين بعدَ البسملةِ وما بعدَها: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ۞ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ۞ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ - لأذقناكَ الآلامَ الشديدة في الحياةِ وفي الموت - ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾، بحسَب الظاهر العُرفي هذا انتقاصٌ كبيرٌ من رَسُول اللّه.

بغضﱢ النَّظرِ عن حديثِ أنَّ فَاطِمَة لو سرقت هل هو حديثٌ صحيح أم لم يَكُن صحيحاً، إنَّما أردتُ أن أُخبرَ عن أُسلوبٍ موجودٍ في القُرآنِ وفي الرواياتِ والأحاديث، فهُناكَ كلامٌ إذا فُهِمَ بِحدُود الألفاظِ يكونُ فهماً خاطئاً، ومن هُنا فإنَّ القُرآنَ تحدَّثَ عن نفسهِ، هُناكَ ما هو مُتشابهٌ وهُناكَ ما هُو مُحْكَمٌ، وغايةُ الأمر أنَّ حقيقة التَّأويلِ لا يعلمُ بِها إلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ في العِلْم مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد.

الحِكمةُ من هذهِ الأسالِيب هي هذهِ النتيجة؛ "أن نَعودَ إلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد"، وإلَّا فإنَّ التعبيرَ بهذهِ الأسالِيب الَّذي يؤدِّي إلى تضييعِ الحقائقِ إذا اعتمدنا على أنفُسِنا قد يُسبِّبُ مُشكلةً لنا، لكنَّ القُرآنَ يتحدَّثُ بطريقةٍ يُريدُ أن يُوصِلنا إلى هذهِ النتيجة؛ مِن أنَّنا لن نُدرِكَ الحقيقةَ الكاملةَ إلَّا بالرُّجوعِ إليهِم صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليهِم أجمعين.

في سورة الحاقة، الآيةِ الأربعين بعدَ البسملةِ وما بعدها: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ۞ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ ۞ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ۞ تَنزِيلٌ مِّن رَّبﱢ الْعَالَمِينَ ۞ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ۞ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ - مِن مُحَمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ۞ فَمَا مِنكُم مـﱢـنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾، هل هذا يقولهُ اللَّهُ لِحَبِيبهِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله بحدودِ حاقﱢ الألفاظ؟! هل هذا الكلامُ يناسِبُ اللّه؟! هل هذا الكلامُ يُناسِبُ مُحَمَّداً صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله؟! مُحَمَّدٌ يتقوَّلُ على اللّهِ بعضَ الأقاويل؟! هذا أُسلوبُ الكِنايات العالية، إذا أردنا أن نفهَم الآياتِ بِحدود حاقِّ الألفاظ فإنَّ الفهمَ سيكونُ مُختلَّاً ومِثلُ هذا كثيرٌ في القُرآن، ومِثلُ هذا كثيرٌ في أحاديثهِم، ولِذا قالوا لَنا؛ "من أنَّ الكلمةَ مِنَّا تنصَرِفُ إلى سبعينَ وجه ولَنا من جميعهَا المخرَج"، كيفَ يكونُ هذا المخرَج؟ مِن خِلالِ المعاريض، وهذهِ المعاريضُ لن يستطيعَ الإنسانُ أن يتعاملَ معها ما لَم تَكُن عِندَهُ أُصُول العقيدةِ واضحة..

المجموع :2701