رسالة المأمون إلى العباسيّين
وصف للمقطع

الجزء التاسع والأربعون مِن (بحار الأنوار) للمجلسي، طبعةُ دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان/ الصفحةِ الثامنةِ بعدَ المئتين، الحديثُ الثالث، وثيقةٌ مُهمَّةٌ جِدَّاً رُبَّما لم تَسمعوا بها ولم تَطَّلِعوا عليها، رِسالةُ المأمونِ إلى العبَّاسيّين، العبَّاسيّونَ ما كانوا يُحبّونَ المأمون كانوا يُريدونَ الأمين، لأنَّ أُمَّ الأمين عبَّاسيَّةٌ زُبيدَةُ العبَّاسيَّة، أمَّا أُمُّ المأمون فكانت جاريةً خُراسانيَّةً فارسيةً مِن جواري مطبخِ القصر العبَّاسي، وللأمرِ حِكايةٌ، المقامُ ليسَ مُنعقداً للحديثِ عن كُلِّ هذهِ التفاصيل، وحينما جَلَبَ المأمون إمامَنا الرِّضا من الحجاز من المدينةِ إلى خراسان وجَعَلَهُ وليَّاً لعهدهِ بالإجبار، العبّاسيّونَ زادَ حِقدُهم على المأمون كيفَ تَجعَلُ أعداءنا يَتحدَّثونَ عن آلِ عليٍّ فَهُم يَعدّونَ آلَ عليٍّ أعداءهُم، يَخافُونَ مِن أنَّ النَّاسَ تَمِيلُ إليهم وهم وصلوا إلى الحُكْمِ بفضلِ ادّعاءِ أنَّهُم شِيعةٌ لهم، حكايتنا واحدة حكايةُ العبّاسيّينَ القُدماء وحكايةُ العبّاسيّينَ الجُدُد لكنَّ المأمونَ كانَ مُحتالاً كانَ أذكى مِنَ العبَّاسيّينَ كُلِّهم كانَ يُخَطِّطُ لشيءٍ بعيدٍ جِدَّاً، لو كانَ الكلامُ عن سياسة المأمونِ لحدَّثتُكم عَن دَهائهِ وخُدَاعِهِ ومَكْره، المأمونُ كَتَبَ رِسالةً إلى العبَّاسيّين، هذهِ الرِّسالةُ موجودةٌ في الجزء التاسعِ والأربعين مِن بحار الأنوار، رِسالةٌ طويلةٌ وهي موجودةٌ في العديدِ مِن المصادر ليست في البحارِ فقط، صاحِبُ البحارِ نقلها عن المصادر الأخرى.

سأقرأ جانباً من رسالةِ المأمونِ وهو يتحدَّثُ معَ العبَّاسيّين فَهُو لا يفتري عليهم، الرِّسالةُ مُوجَّهةٌ إلى أُسرتهِ، إلى عشيرتهِ وهي رِسالةٌ خاصَّةٌ لم تَكُن منشورةً بينَ عامَّة النَّاس، إنَّهُ يُريدُ أن يُرتِّبَ أوضاعَ علاقتهِ معَ العبَّاسيّين، هُم كتبوا لهُ رسالةً وهو أجابَهُم فكتبَ لَهم رسالةً مُفصَّلةً فَمِن جُملة ما قالَ في هذهِ الرِّسالة في الصفحةِ الثالثةِ بعدَ العاشرةِ بعدَ المئتين يقولُ لهم: هِمَّةُ أحدِكُم - أحد العبَّاسيّين - أن يُمسي مَركوباً - ظاهرةُ اللواط كانت مُنتشرةً فيهم - ويُصْبِحَ مَخْموراً، تُبَاهُونَ بالمعاصي وتبتهجونَ بها - فيما بينكم - وَآلِهَتُكم البَرابط - "البرابط"؛ جمعٌ لبُربط، والبُربط هو آلةٌ مُوسيقيَّةٌ كانت معروفةً آنذاك، يُقالَ لهُ الطمبور ويُقالُ لهُ البُربط، وهذهِ الآلةُ موجودةٌ في زماننا - مُخَنَّثُونَ مُؤنَّثون لا يتفَكَّرُ مُتفّكِّرٌ منكم في إصلاحِ معيشةٍ ولا استدامةِ نِعمةٍ ولا اصطناعِ مَكرُمةٍ ولا كسبِ حسنةٍ، يَمدُّ بها عُنقهُ يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنون إلَّا مَن أتى اللّهَ بقلبٍ سليم - لأنَّ المأمونَ كانَ شيطاناً، كانَ لا يُظْهِرُ فسادهُ، وإِلَّا هُو الآخرُ كانَ مأبُوناً لَوَّاطاً، لِماذا قَرَّبَ يحيى بنَ أكثم مِن مجلسهِ وجعلهُ مِن خاصَّتهِ وكانَ يختلي بهِ لِماذا؟ لكنَّهُ كحالِ مُعاوية، كحالِ عبد الملك بن مروان ما كانوا يُظهِرونَ فسادهم.

يقولُ لهم: أضعتُم الصَّلاة واتَّبَعتُم الشَّهوات وأكْبَبْتُم على اللَّذاتِ عَن النَّغِمات - اللَّذات الَّتي تأتي من النَّغمات - فسوفَ تلقونَ غيَّاً، وأيمُ اللّه لَرُبَّما أُفَكِّرُ في أمرِكُم فلا أجدُ أُمَّةً مِن الأَمَمِ استحقّوا العذاب حتَّى نزلَ بهم لِخلَّةٍ من الخِلال - لصفةٍ مِن الصفات – إلَّا أُصيبُ تِلك الخلَّة بعينها فِيكُم مع خِلالٍ كثيرةٍ لم أكُن أظنُّ أنَّ إبليسَ اهتدى إليها ولا أمرَ بالعملِ عليها وقد أخبرَ اللّهُ تعالى في كتابهِ العزيز عن قومِ صالِح إنَّهُ كانَ فِيهم تِسعةُ رهطٍ يُفْسِدونَ في الأرض ولا يُصْلِحون فأيُّكُم لَيسَ مَعهُ تِسعَةٌ وتسعونَ من المفسدينَ في الأرض قد اتَّخذتُموهُم شِعاراً ودِثاراً استخفافاً بالمعاد وقِلَّة يقينٍ بالحساب، وأيُّكُم لهُ رأيٌ يُتَّبع أو رَوْيَّةٌ تَنفع فشاهت الوجوه وعُفِّرت الخُدود.

إلى أن يقولَ لهم في الصفحةِ الرابعةِ بعدَ العاشرةِ بعدَ المئتين: وليسَ مِنكُم إلاَّ لاعِبٌ بنفسهِ مأفونٌ في عقلهِ وتدبيرهِ إمَّا مُغنٍّ أو ضاربُ دَفٍّ أو زامر، واللّهِ لو أنَّ بني أميَّة الَّذينَ قتلتموهُم بالأمس نُشِروا فَقِيلَ لَهُم لا تأنفوا في معائبَ تَنالُونَهم بِها لَمَا زادوا على ما صَيَّرتُموهُ لكُم شِعاراً ودِثاراً وصناعةً وأخلاقاً ليسَ فِيكُم إلَّا من إذا مَسَّهُ الشَرُّ جَزَع وإذا مَسَّهُ الخيرُ مَنَع، ولا تأنَفُونَ ولا تَرجعونَ إلَّا خشيةً - فقط تمتنعونَ عِندَ الخوف - وكيفَ يأْنَفُ مَن يَبِيتُ مَركُوباً - يتحدَّثُ عن كُلِّ العبَّاسيّين - وَيُصْبِحُ بِإثمهِ مُعْجَبَاً - بعد أنْ لاطوا فيهِ في ذلكَ الليل - كأنَّهُ قد اكتسبَ حَمْداً غايتهُ بَطنهُ وفَرْجُه، لا يُبالي أن يَنالَ شَهوَتهُ بقتلِ ألفِ نَبِيٍّ مُرسَل أو مَلَكٍ مُقرَّب، أَحَبُّ النَّاسِ إليهِ مَن زَيَّن لَهُ مَعصيةً أو أعانهُ في فاحشةٍ تُنَظِّفهُ المخمورة - تُنَظِّفهُ المخمورة المجموعةُ المخمورةُ من الصِّبيان ومِنَ الَّذينَ يلوطونَ بِهم - وتُرَبِّدهُ المطمورة - تُرَبِّدهُ تُبقِيهِ في مكانهِ، المطمورةُ الَّذينَ يَستحقّونَ أن يُطْمَرَ ذِكرهم - فَشُتِّتَ الأحوال فإنْ ارتَدَعتُم مِمَّا أنتُم فيهِ مِن السيئاتِ والفضائح وما تَهْذَرونَ بهِ من عذابِ ألسنَتِكُم وإلَّا فَدُونُكم تُعْلَوا بالحديد - أي أنَّني سأُعاقِبكم، استروا أنفُسكم، لأنَّهُ كانَ يُخَطِّط أن يعودَ إلى بغداد بعدَ أن يقتُلَ الإمامَ الرِّضا..

المجموع :2701