رواية لأَميرِ الْمُؤْمِنِين عليه السلام عَن ذِي القَرْنِين
- طول المقطع : 1:03:41
- مقطع من برنامج : الخاتمة_262 - يا امام هل من خبر ج33
وصف للمقطع
في الجزء الثاني من (تفسير العيَّاشي)، وهو جامعٌ من جوامعِ أحاديثنا التفسيريّة، طبعةُ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت/ لبنان/ صفحة 367 من الجزء الثاني/ رقم الحديث 79: عَن الأَصْبَغِ بنِ نُبَاته، عَن أَميرِ الْمُؤْمِنِين صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيه؛ سُئِلَ عَن ذِي القَرْنِين - سائلٌ سأل الأمير عن ذي القرنين، إجاباتُ الأميرِ مُفصَّلةٌ إذا أردت أن أقرأ كُلَّ ما وَرَدَ في هذهِ الرواية الطويلةِ، لكنَّني سآخذ منها لقطاتٍ، الروايةُ تبدأ من صفحة (367) إنَّها تستمرُ إلى صفحة (375)، لا أستطيعُ أن أقرأها بكاملها ولا أجدُ وقتاً لشرحها، سآخذُ منها لقطاتٍ تُوضِّحُ لكم المطالِبَ المهمَّة، فيما يرتبطُ بردمِ ذِي القرنين بِسَدِّ ذِي القرنين، سُؤالٌ وُجِّهُ إلى أميرِ المؤمنين، أميرُ المؤمنين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه بدأ يُحدِّثُ السائل عن ذي القرنين ومن أنَّهُ كانَ عَبْدَاً صالِحاً إلى التفاصيل الَّتي ذكرها سَيِّدُ الأوصياء.
إلى أن قال أميرُ المؤمنين: ثُمَّ رَفَعَهُ الله إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيا - هذهِ هي الأسبابُ الَّتي ترتبطُ بالسَّماء، حديثنا عن السَّماءِ الدنيا، السَّماءُ الدنيا زينتها هذهِ الأجرامُ السَّماويةُ الهائلة - فَكَشَطَ لَهُ عَنِ الأَرْضِ كُلِّهَا جِبَالِهَا وَسُهُولِهَا وَفِجَاجِهَا حَتَّى أَبْصَرَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب - ما بينَ المشرقِ والمغرب في الأرضِ وفي غيرِ الأرض، الفِجَاجُ؛ ما بَينَ الجِبال، السُّهولُ؛ الأراضي السهلةُ البعيدةُ عن الجبال، كالصحاري الواسعةِ الممتدّة مثلاً.
كَشَطَ؛ أزالَ الحواجبَ، أزالَ الغوامضَ، كَشَفَ لَهُ تفاصيلها - حَتَّى أَبْصَرَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب - الحديثُ هنا ليس عن مشرقِ الأرضِ ومغربها فقط، وإِنَّما عن المشرقِ والمغربِ الَّذي مرَّ الحديثُ عنه في آياتِ سُورةِ الكهف - وَآتَاهُ اللهُ مِن كُلِّ شَيءٍ عِلْمَاً يَعرِفُ بِهِ الحَقَّ وَالبَاطِل، وَأَيَّدهُ فِي قَرْنَيه بِكَشْفٍ مِنَ السَّمَاء - ذُو القرنين سُمِّي بذي القرنين لأنَّهُ ضُرِبَ على قرنيه على قرنهِ الأيمن وعلى قرنهِ الأيسر وهذا مُبيَّنٌ في الروايات، لكنَّ الرواية هنا تتحدَّثُ عن معنىً آخر، هناك جهازٌ خاصٌّ عند ذي القرنين الإمام يُحدِّثنا عنه - فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرق - هذا جهازٌ قد يلبسهُ على رأسهِ، أو قد يكونُ في منظومةٍ مِنَ المنظومات الَّتي كانت في مملكتهِ.
- ثُمَّ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْض - كان في دورةٍ علميَّةٍ وتدريبيّةٍ، كي يرى ماذا يجري في السَّماءِ الدنيا لأنَّهُ سَيُعطى من الأسبابِ الَّتي سيستعمِلُها كي تمتدَّ مملكتهُ من الأرضِ إلى السَّماء، كانَ في كورس سماواتي - وَأَوْحَى اللهُ إِلَيْه أَنْ سِرْ فِي نَاحِيَةِ غَرْبِ الأَرْضِ وَشَرْقِهَا فَقَد طُوِيَت لَكَ البِلَاد وَذُلِّلَت لَكَ العِبَاد - أو - فَقَد طَوَيْتُ لَكَ البِلَاد وَذَلَّلْتُ لَكَ العِبَاد - طَوَيتُ لَكَ البِلاد؛ إنَّهُ يمتلكُ من الوسائلِ الَّتي يتحرَّكُ من خلالها وبواسطتها حركةً سريعةً - فَأَرْهَبْتُهُم مِنْك، فَسَارَ ذُو القَرْنَيْن إِلَى نَاحِيَةِ الْمَغْرِب - إلى مغربِ الأرض - فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِقَريَةٍ زَأَرَ فِيْهَا كَمَا يَزْأَرُ الأَسَدُ الْمُغْضِب، فَيَنْبَعِثُ مِن قَرْنَيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرقٌ وَصَوَاعِق - هذا لا يتناسبُ معَ أساليب الأنبياءِ والأوصياءِ والأولياء في نَشرِ الهُدى على أرضنا هذهِ، هذا يتناسبُ مع مخلوقاتٍ أخرى، والزئيرُ هُنا ليس بالضرورةِ أن يكون زئيراً كهذا الَّذي نفهمهُ بِلُغةِ العُرف، وإنَّما هو شيءٌ تقريبيٌّ يتناسبُ معَ تِلكَ البِقاعِ السَّماواتيةِ الَّتي ذَهبَ إليها.
- وَيُهْلِكُ مَن نَاوَاهُ وَخَالَفَه - بهذهِ الأجهزة بهذا الجهاز - فَلَم يَبْلُغ مَغْرِبَ الشَّمس حَتَّى دَانَ لَهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب، قَالَ - أميرُ المؤمنين يقول - وَذَلِكَ قَوْلُ الله: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ - هذا التَّمكينُ في الأرض - وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً" - إنَّها أسبابُ السَّماوات.
يستمرُّ الأميرُ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه في حديثهِ عن التَّمكينِ الأرضي وعن التَّمكينِ السَّمائي لذي القرنين في مُملكتهِ الأرضيّةِ السَّماواتيّة، حِينَ أقول السَّماواتيّة أعني في زينةِ سماءِ الدُّنيا في المجرَّات والأجرامِ السَّماويّة خارج الأرض، الرواية طويلةٌ.
صفحة (369): وَزَادَ جَبْرَائِيلُ ابْنُ أَحمَد فِي حَدِيثهِ بِأَسَانِيدَ عَن الأَصْبَغِ بنِ نُبَاتَه، عَن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُه عَلَيه - هذهِ تفاصيلُ في الروايةِ نفسها بأسانيدَ أُخرى، الإمامُ يُحدِّثنا عن ذي القرنين وعن صلاحهِ وعن قُربهِ مِنَ الله ويقول: وَكَانَ لَهُ خَلِيْلاً مِنَ الْمَلَائِكَة - كانَ مُصادِقاً للملائكة، فَهُو مِن أهلِ السَّماء ومِن أهلِ الأرض، حينما كان في السَّماءِ كانَ على صلةٍ بالملائكةِ وغيرِ الملائكةِ أيضاً من دَوابِّ السَّماء، حيثُ جاءَ بأجهزةِ الكشفِ معهُ مِنَ السَّماء - يُقَالُ لَهُ رُوفَائِيل يَنْزِلُ إِلَيهِ فَيُحَدِّثهُ وَيُنَاجِيه - رُوفائيل صديقٌ من الملائكةِ لذي القرنين، إلى أن حَدَّثَ رُوفائيل في يومٍ من الأيَّام ذا القرنين، حَدَّثهُ عن عينِ الحياة ليست في الأرض، إنَّها في السَّماء، في مكانٍ في هذهِ المجرَّاتِ العظيمة، رُوفائيل يُحدِّثُ ذا القرنينِ عن عينِ الحياة، فَهُنا سألَ ذو القرنين روفائيل: قَالَ وَأَيْنَ تِلْكَ العَيْن وَهَلْ تَعرِفُها؟ - لماذا سأل عنها؟ لأنَّ روفائيل أخبرَ ذا القرنين: (مِن أنَّ الَّذي يَشرَبُ مِنْهَا لَم يَمُت حتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ اللهَ الْمَوت، فَإِنْ ظَفَرتَ بِهَا - ظَفَرتَ بالعين - تَعِش مَا شِئت)، هذهِ هي عينُ الحياة، فروفائيل يُحدِّث ذا القرنين عن هذهِ العين ليست في الأرض.
قَالَ: وَأَيْنَ تِلْكَ العَيْن وَهَلْ تَعرِفُها؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنَّا نَتَحَدَّثُ فِي السَّمَاء أَنَّ لِلَّهِ فِي الأَرْض ظُلْمَةً لَم يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جَان - في الأرضِ يعني فيما هوَ الأسفلُ من السَّماء، ليسَ الحديثُ عن كُرتنا الأرضيّة - فَقَالَ ذُو القَرنين: وَأَيْنَ تِلكَ الظُّلْمَة؟ فَقَالَ رُوفَائِيل: مَا أَدْرِي ثُمَّ صَعَدَ رُوفَائِيل - قطعاً بدأ ذو القرنين يبحثُ عن هذهِ الظلمة.
الروايةُ فيها تفصيلٌ من أنَّ ذا القرنين دَخَلَهُ حُزنٌ شديد، حُزنٌ طويل كما تَصِفُ الروايةُ ذلك، لأنَّهُ لم يَستَطِع أن يعرِفَ أين تلكَ العين، وسعى في الأسبابِ إلى أن عَرِفَ موضعها، في السَّماء وليسَ في الأرض، وهذا هوَ السَّببُ المهمُّ الَّذي لأجلهِ تحرَّك ذو القرنين، في سفرتهِ الفضائيَّةِ العظيمة.
صفحة (371) في جانبٍ من جوانبِ الروايةِ الطويلةِ عن أميرِ المؤمنين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، بعد أن استطاع أن يُحَصِّل على معلوماتٍ مُهمَّةٍ عن موضعِ تلكَ العين، الأميرُ يقول: فَفَرِحَ ذُو القَرْنَيْن وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، فَجَمَعَ أَشْرَافَهُم وَفُقَهَاءَهُم وَعُلَمَاءَهُم وَأَهْلَ الحِكَمِ مِنْهُم - يعني الحكماء، ورُبَّما في الأصلِ (وَأَهْلَ الحِكْمَةِ مِنْهُم) - وَأَهْلَ الحِكَمِ مِنْهُم فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَلْفُ حَكِيْمٍ وَعَالِـمٍ وَفَقِيه، فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا إِلَيْه تَهَيَّأَ لِلْمَسِير، وَتَأَهَّبَ لَهُ بِأَعَدِّ العُدَّة وَأَقْوَى القُوَّة فَسَارَ بِهِم يُرِيدُ مَطْلِعَ الشَّمْس، يَخُوضُ البِحَار وَيَقْطَعُ الجِبَال وَالفَيَافِي وَالأَرَضِيْنَ وَالْمَفَاوِز فَسَارَ اِثْنَتَي عَشَرَة سَنَة - هذهِ السُّنون مِن سِنِّي الأرض؟! مِن سِنِّي السَّماء؟! بالنتيجةِ الأرقامُ في مثلِ هذهِ الأحوال وفي مثلِ هذهِ الروايات تأتي بلسانِ التَّقريب - حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى طَرْف الظُّلْمَة فَإِذَا هِيَ لَيْسَت بِظُلْمَةِ لَيْلَ وَلَا دُخَان وَلَكِنَّهَا هَوَاء - فضاء - وَلَكِنَّهَا هَوَاءٌ يَفُور، فَسَدَّ مَا بَيْنَ الأُفُقَين فَنَزَلَ بِطَرْفِهَا وَعَسْكَرَ عَلَيْهَا وَجَمَعَ عُلَمَاءَ أَهْلِ عَسْكَرِهِ وَفُقَهَاءَهُم وَأَهْلَ الفَضْلِ مِنْهُم، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الفُقَهَاءِ وَالعُلَمَاء إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْلُك هَذِهِ الظُّلُمة فَخَرُّوا لَهُ سُجَّدَاً فَقَالُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّكَ لَتَطْلُبَ أَمْرَاً مَا طَلَبَهُ وَلَا سَلَكَهُ أَحَدٌ مِمَّن كَانَ قَبْلَكَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِيْن وَلَا مِنَ الْمُلُوك، قَالَ: إِنَّهُ لابُدَّ لِي مِن طَلَبِهَا - ويستمرُّ الكلام، هذهِ المطالبُ الَّتي ذُكرت في هذا المقطعِ من الروايةِ العَلَويَّة، قطعاً هي بلسانِ التقريبِ تُناسِبُ الـمُتلقّي في زمانِ حديثها في زمانِ قولها حينما تكلَّمَ بها أميرُ المؤمنين، ومع ذلك فإنَّها تشتملُ على الكثيرِ من المطالبِ الَّتي لا وجودَ لها على أرضنا هذهِ الَّتي نعيشُ عليها، وتستمرُّ الروايةُ في التفصيلِ إلى أن تقول: وَأَمَرَهُم - ذُو القرنين، أمر الَّذين ذهبوا معه، فَهُو اختار بعضاً مِمَّن رافقهُ في سَفَرهِ إلى الجهةِ الَّتي عَسْكَرَ عندها عند طرفِ الظُّلمة، نحنُ لا ندري أين هي في مجرَّتنا أو في المجرَّات الأخرى - وَأَمَرَهُم أَنْ يَدْخُلُوا الظُّلْمَة وَسَارَ ذُو القَرْنَيْن فِي أَرْبَعَةِ آلاف، وَأَمَرَ أَهْلَ عَسْكَرِهِ أَنْ يَلْزَمُوا مُعَسْكَرَهُ اِثْنَتِي عَشَرَةَ سَنَة - أَمَرَ أَهْلَ عَسْكَرهِ؛ الَّذين تركهم عند بدايةِ الظُّلمة، في أيِّ مكانٍ من السَّماءِ نحنُ لا ندري، هل هي مِن سِنِّي الأرض؟ من سِنِّي السَّماء؟ مِن سِنِّي المكانِ الَّذي كانوا فيه؟ فسنواتُ المشتري غيرُ سنواتِ الأرض، وسنواتُ المريخِ كذلك هي غيرُ سنواتِ المشتري وغيرُ سنواتِ الأرض وهكذا في كُلِّ جُرمٍ سماوي - فَإِنْ رَجَعَ هُوَ إِلَيْهِم إِلَى ذَلِكَ الوَقْت فَهَذَا أَمْرٌ حَسَن وَإِلَّا تَفَرَّقُوا فِي البِلَاد وَلَحِقُوا بِبِلَادِهِم أَوْ حَيْثُ شَاءوا، فَقَالَ الخِضْر - الخِضرُ في هذهِ السَّفَرةِ هُوَ الَّذي عَثَرَ على عينِ الحياة وشرب منها، ذو القرنين لم يعثر على عين الحياة، الخِضرُ كانَ وزيراً لذِي القرنين، والخضرُ أيضاً سيكونُ من وزراءِ الدولةِ القائميَّةِ المهدويَّة، تُلاحظونَ الترابُط والرمزيّة، لم يَكُن اختياري لهذهِ الآياتِ ولهذهِ التفاصيل اعتباطيَّاً، نحنُ نتحدَّثُ في الأجواءِ المهدويَّةِ هنا ونحنُ نتحدَّثُ عن ذي القرنين، فذو القرنين هُوَ الآخرُ مِنَ الرَّاجِعين، والخِضرُ خادمٌ في زمانِ الغَيْبَةِ لإمامِ زماننا ووزيرٌ مِن وُزراءِ الدولةِ المهدويَّةِ العُظمى عند الظهور الشريف.
- فَقَالَ الخِضرُ: أَيُّهَا الَمَلِكُ إِنَّا نَسْلُكُ فِيْ الظُّلْمَةِ لَا يَرَى بَعْضُنَا بَعْضَاً كَيْفَ نَصْنَعُ بِالضَّلَالِ إِذَا أَصَابَنَا؟ - بِالضَّلالِ إذا ما تاهَ أحدٌ مِنَّا - فَأَعْطَاهُ ذُو القَرْنَين خِرْزَةً حَمْرَاء - ذو القرنين عندهُ أجهزة، هذهِ الأجهزةُ جاء بها من السَّماء حينما كان في تلك الدورةِ التدريبيّة، ألم يَكُن عندهُ جهازُ كشفٍ لهُ قرنان فِيه ظُلُماتٌ وَرَعدٌ وَبَرق وَصَوَاعِق؟ ولكن ماذا يقول أمير المؤمنين كيفَ يُقَرِّب الفكرة للمُتلقّين في زمانهِ؟ - فَأَعْطَاهُ ذُو القَرْنَين خِرْزَةً حَمْرَاء كَأَنَّها مِشْعَلَة - كَأنَّها وسيلةٌ لإيقادِ النَّار، الـمِشعَلَةُ هي هذهِ، فالـمِشعلُ والمشعلةُ إمَّا هي القادحةُ، أو الـمِشعلُ الَّذي يُستعملُ للإضاءة القَبَس النَّاري، الكلامُ تقريبيٌّ - لَهَا ضَوء، فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الخِرْزَة - هل نحنُ في فيلمٍ من أفلامِ هوليود، من أفلامِ الخيال العلمي؟ - فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الخِرْزَة فَإِذَا أَصَابَكُم الضَّلَال - أنْ تاهَ أَحَدُكُم - فَإِذَا أَصَابَكُم الضَّلَال فَارْمِي بِهَا إِلى الأَرْض فَإِنَّها تَصِيح - هذهِ أجهزة، هذهِ أجهزة إرسال واستلام، إنَّها أجهزةُ استرشاد، رادار يتناسب مع تلك العوالم - فَإِذَا صَاحَت رَجَعَ أَهْلُ الضَّلَالِ إِلَى صَوْتِهَا - قطعاً سيكونونَ مُجهّزين بأجهزة، الإمامُ كيفَ يصفُ هذهِ المضامين؟ إنَّهُ يَصِفُها باللِّسانِ الَّذي يُناسِبُ المتلقّين في ذلكَ الوقت وفيها إشاراتٌ تُناسِبُ زماننا - فَأَخَذَهَا الخِضْرُ - أخذَ هذا الجهاز، أخذ هذهِ الخِرزة - وَمَضَى فِي الظُّلْمَة - الخرزةُ ليست بالضرورةِ أن تكون صغيرةً في لغة العرب، الخِرزةُ قد تكونُ كبيرةً وكبيرةً جِدَّاً، فلا ينسبقُ إلى أذهانِكم من أنَّ الخِرزة كخرزةِ المسبحةِ مثلاً، أو كخرزةِ القلادةِ الَّتي تلبَسُها المرأة، الخِرزةُ قد تكونُ كبيرةً وكبيرةً جِدَّاً، لكنَّها قد صُنِعت من نفسِ المادَّةِ الَّتي تُصنَعُ مِنها الخِرزةُ الصغيرة - وَكَانَ الخِضْرُ يَرْتَحِلُ وَيَنْزِلُ ذُو القَرْنَيْن - فَهُما لا يسيرانِ معاً، لأجل أن يصلوا إلى غايتهم، الخِضرُ هُو الوزير، وذُو القرنين هو الـمَلِك، قطعاً الأجهزةُ المهمَّةُ ستكونُ عندَ الْمَلِك، ولذا فإنَّهُ أعطى جهازاً من أجهزتهِ إلى الخِضر إلى الوزير، فالخِضرُ ذهبَ يبحثُ في اتجاه وذُو القرنين ذهبَ يبحثُ في اتجاهٍ آخر، ولذا الأميرُ يقول: وَكَانَ الخِضْرُ يَرْتَحِلُ - يتحرَّك - وَيَنْزِلُ ذُو القَرْنَين - ينزلُ للاستراحة - فَبَيْنَا الخِضْرُ يَسِيرُ ذَاتَ يَوْم إِذْ عَرَضَ لَهُ وَادٍ فِي الظُّلْمَة - رأى منطقةً مُميَّزة - فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: قِفوا فِي هَذَا الْمَوضِع لَا يَتَحَرَكَنَّ أَحَدٌ مِنْكُم عَنْ مَوْضِعِهِ، وَنَزَلَ عَن فَرَسِهِ فَتَنَاوَلَ الخِرْزَة فَرَمَى بِهَا فِي الوَادِي فَأَبْطَأَت عَنهُ بِالإِجَابَة حَتَّى سَاءَ ظَنُّهُ وَخَافَ أَنْ لَا تُجْيبَهُ، ثُمَّ أَجَابَتْهُ، فَخَرَجَ إِلَى صَوْتِهَا - هذا يعني أنَّ الجهازَ هذا ليسَ فقط لإرجاعِ الَّذين ضلّوا طريقهم، وإنَّما يستكشفونَ مِن خلالهِ الأماكن المجهولةَ الَّتي لا يعرفونَ حقيقتَها - فَإِذَا هِيَ عَلَى جَانِبِ العَيْن - على جانبِ عَينِ الحياة - وَإِذَا مَاؤُهَا أَشَدُّ بَيَاضَاً مِنَ اللَّبَن وَأَصْفَى مِنَ اليَاقُوت - أصفى من الياقوت أصفى في لونهِ فكأنَّهُ بلونِ الأبيض الياقوتي - وَأَحْلَى مِنَ العَسَل، فَشَرِبَ مِنهُ ثُمَّ خَلَعَ ثِيَابَهُ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ رَمَى بِالْخِرْزَةِ نَحْوَ أَصْحَابِه - أَرجعها إلى المكانِ العالي حيثُ يقفُ أصحابُه - فَأَجَابَتْهُ فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَرَكِبَ وَأَمَرَهُم بِالْمَسِيرِ فَسَارُوا، وَمَرَّ ذُو القَرْنَيْنِ بَعْدَهُ فَأَخْطَأوا الوَادِي فَسَلَكُوا تِلْكَ الظُّلْمَةَ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً وَأَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ خَرَجُوا بِضُوءٍ لَيْسَ بِضَوءِ نَهَار وَلَا شَمْس وَلَا قَمَر - إنَّهم في مكانٍ بعيدٍ عن مجموعتنا الشَّمسيَّة، هل تُريدون تعابير أوضحَ من هذهِ التعابير ونحنُ نتحدَّثُ عن زمانِ أمير المؤمنين قبل أكثر من 1400 سنة، كيف يتكلَّمُ أميرُ المؤمنين في ذلك الزَّمان عن مِثلِ هذهِ الحقائق؟ - وَلَكِنَّهُ نُوْر - طاقةٌ ضوئيّة - فَخَرَجُوا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاء، وَرَمْلَةٍ خَشْخَاشَةٍ فَرِكَة كَأَنَّ حَصَاهَا اللُّؤْلُؤ - "فَخَرَجُوا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاء"؛ تُرابُها أحمر، ورملتُها خَشْخَاشَةٌ فَرِكَة، الفَرِكَة اللينة، والخَشْخَاشَة الَّتي يصدرُ منها صوتٌ حينما يمشي الإنسانُ عليها، فلرُبَّما لِكَثرةِ نُعومِتها، فكثرةُ النُّعومَةِ في الرِّمَالِ في بعض الأحيان إذا ما سارَ الإنسانُ عليها تكونُ سبباً لصدورِ صَوتٍ ما.
أرضٌ حمراء والحصى كأنَّهُ اللؤلؤ بلونِ اللؤلؤ، إنَّهُ اللونُ الَّذي يختلطُ فيهِ البياضُ بالصُّفرةِ الفاتحة، هذا هو لونُ اللُّؤْلُؤ، فهذهِ أرضٌ عجيبةٌ، أرضٌ غيرُ أرضنا، وضوءٌ غيرُ ضوئنا، إنَّهم في مكانٍ بعيدٍ ما وراء الظُّلمة، فقد تجاوزوا الظُّلَمة ودخلوا في مكانٍ فيه نُور، سَفْرَةٌ فضائيَّةٌ عجيبةٌ يُحدِّثنا عنها سَيِّدُ الأوصياء.
يُحدِّثنا أميرُ المؤمنين بالكثير من التفاصيل، إلى أنْ يقول سَيِّدُ الأوصياء: ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَاجِعَاً - ذُو القرنين وصلَ إلى ذلكَ المكان الَّذي كان مضيئاً لا بضوءِ نهار ولا بضوءِ شمسٍ ولا قمر - فِي الظُّلْمَةِ - رجعَ في نفسِ الطريق فإنَّهُ قد تجاوز الظُّلمة إلى ذلك المكان - فَبَيْنَا هُم يَسِيرُون إِذْ سَمِعُوا خَشْخَشَةً تَحْتَ سَنَابِكِ خَيْلِهِم.