سؤال من شخص سنّي حول ضرورة وجود الأئمة عليهم السلام
وصف للمقطع

الرﱢسالةُ الَّتي بينَ يدَي تعليقٌ لأحدِ مُتابعي برامجي من السُنَّةِ وقد نقلَهُ لِي أحدُ الأُخوة، وكانَ راغباً في أن أرُدَّ على هذا التعليق:

يُخاطِبُني: مع كُلِّ ما تمتازُ بهِ حضرَتُكم من مَلَكَةٍ وفِطنةٍ وذَكاء - من عادتي أنَّني لا أقرأُ ما يُكتَبُ لِي في الرَّسائلِ أو في التعليقاتِ مِن مديحٍ، لكنَّ الكلامَ هذا صاحِبُ التعليق يُفرﱢعُ على هذا الكلام، لهذا السَّبب قرأتهُ - كيفَ وصلتَ لقناعةِ أنَّ اللّهَ سُبحَانَهُ وتعالى يُمكنُ أن يُوجِدَ هذهِ البَلْبَلة - هذا التعليق كانَ ردَّاً على حديثي وأنا أتحدَّثُ عن بيعةِ الغديرِ وعن أنَّ الإمامَ هُوَ أصلُ الأصولِ في الدﱢين إلى غيرِ ذلك - وما حاجةُ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلهِ وصَحبِهِ وسَلَّم إلى الموقع الَّذي تضعونَ فيهِ عليَّاً رضي اللَّهُ عنه في حالِ إتمامِ وخِتام الرﱢسالاتِ مِنَ السَّماءِ بالإسلامِ والقُرآنِ كنهجِ حياة وأنماطِ عيش، إنَّكُم في هذا الحال تضعونَ الخالِقَ في حالةٍ مِن البَلْبَلة بِما أنَّ صِفاتهِ الكمالُ المطلَق ولا يُمكنُ أن يَجعلَ الفِكرةَ منقُوصَة.

أنا أتَّفِقُ معَ هذا الأخ الفاضل إذا كانَ الواقعُ كما يقول، إنَّهُ افترضَ واقعاً مُعيَّناً، إذا كان الواقعُ كما يقول فإنَّني أتَّفِقُ معهُ تمامَ الاتفاق..

فالدِّينُ كاملٌ ولا نقصَ فيه، هذا هو الَّذي يُريدُ أن يقولَهُ صاحبُ التعليق فما الحاجةُ إلى إمامٍ معصومٍ؟

فمثلما قُلتُ قبلَ قليل إذا كانَ الواقعُ هو هذا كما يتصوَّرهُ صاحبُ التعليق فإنَّني أتَّفقُ معهُ بدرجةِ مئةٍ بالمئة، لكنَّ الواقعَ ليسَ هكذا.

لن أعُودَ إلى كُتُب التأريخ لأنَّ ما ذَكرَهُ المؤرﱢخُون يُمكنُ أن نُشكـﱢـكَ فيه، ولن أعودَ إلى الأحاديثِ والروايات لا في كُتُبِ السُنَّةِ ولا في كُتُبِ الشيعة، فهُناكَ احتمالُ التضعيفِ واحتمالُ التشكيكِ قائمٌ، لِذا سأعودُ إلى المصحف الشريف وأقولُ لهذا الأخ الفاضل والَّذي كانَ مُنصِفاً في طرحهِ وكلامِهِ أقولُ لَهُ استمرّ على إنصافِك واستَمِع لشيءٍ مِمَّا جاءَ في القُرآن.

القُرآنُ في سورة المائدة، الآيةِ الثالثةِ بعدَ البسملة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾، لن أتحدَّثَ عن ولايةِ عليﱟ ولا عن بيعة الغدير، فهذهِ الآيةُ بحسَبِ ما يقولهُ السُنيـﱢـون تتحدَّثُ عن كمال الدِّين وعن كمال الإسلام، إنَّها الفِكرةُ الكامِلةُ الَّتي يتحدَّثُ عنها صاحبُ التعليق، الدﱢينُ كاملٌ، الإسلامُ مَرضيٌّ، وهكذا تَمَّ هذا الأمر قبلَ أن يرحَلَ رَسُولُ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وآله عن هذهِ الدُّنيا، إذا كانَ الأمرُ هكذا لِماذا أرادَ النَّبيُّ أن يكتُبَ الكِتابَ العاصِم؟ وهذا أمرٌ السُنَّةُ يعرفونهُ والشيعةُ يعرفونَهُ ولا مجالَ لإنكارِه..

السؤالُ؛ هل كَتَبَهُ لهذهِ الأُمَّةِ؟ الجوابُ: كلَّا، لِماذا؟ لأنَّ الصَّحابَة منعوه، وعلى رأسِهِم عُمَر ولذا طردَهُم، "رزيَّةُ الخميس"، النَّبيُّ حينَ أرادَ أن يَكتُبَ الكِتابَ العاصِم هذا يعني أنَّ الدﱢينَ ليسَ كاملاً، أنَّ الإسلامَ ليسَ كاملاً، وإنَّما يكتمِلُ بِما يفعلهُ الرَّسُول، فهذهِ الآيةُ تتحدَّثُ عن اكتمالٍ يتحقَّقُ بما يفعلهُ الرَّسُول، لو كانَ الدﱢينُ كاملاً لِماذا أرادَ النَّبيُّ أن يكتُبَ الكِتابَ العاصِمَ للأُمَّة؟ حينما رُفِضَ الكِتاب فإنَّ أبواب الضلالِ قد فُتِحت، فأين الفِكرة الكاملة؟! لو كانت الفِكرةُ كاملةً لما فُتِحت أبوابُ الضلال، كيفَ تفهمونَ رزيَّة الخَميس في أيّة زاويةٍ تُوضَع؟! كُن مُنصِفاً يا أيُّها السُنّي يا مَن تسمعُ حديثي هذا إنْ كُنتَ سُنـﱢـيـَّا كُن مُنصِفاً فأينَ تضعونَ رَزيَّة الخميس؟! إنَّني أُفَسـﱢـرُ الآياتِ بِحسَبِ تَفسيرِكُم وإلَّا فإنَّ الآيةَ في دِين العترةِ تتحدَّثُ عن بيعة الغدير، وهذهِ الآيةُ في دِين العِترةِ نزلت مُباشرةً بعدَ أن تحقَّقت بيعةُ الغدير وهذا موجودٌ أيضاً في كُتُبِكُم..

إذا كانت الفِكرةُ كاملةً كما يقولُ صاحبُ التعليق إذاً لِماذا الحاجةُ إلى الاجتهاد في الجو السنّي والاجتهادُ في الجوّ السُنّي يدخُلُ فيهِ القياسُ والاستحسان قائمةٌ طويلةٌ من العبث الشخصيّ من قِبلِ الفُقهاء بدينِ اللّه، لِماذا الحاجةُ إلى الاجتهاد؟ الاجتهادُ عِبارةٌ عن مجموعةِ ظُنون والقُرآنُ يرفضُ الاجتهاد، الاجتهادُ عمليَّةٌ ظنيَّةٌ يُصيبُ المجتهدُ فيها ويُخطئ، حتَّى في حال الإصابةِ هُو لا يعلَمُ أنَّهُ أصاب ليس مُتأكـﱢـداً، فهل هذا الدﱢينُ الخاتَمُ ينتهي مآلهُ إلى الظُّنون؟ فلِماذا أنزلَهُ اللّه؟! ولِماذا قالَ هُنا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، هل إكمالُ الدﱢينِ بالظُّنون؟! 

نقرأُ عن الظُّنونِ في كتاب اللّه؛

في الآيةِ السادسةِ والثلاثين بعدَ البسملةِ مِن سورةِ يونس: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً﴾، وأكثرُ المسلمينَ يتَّبعونَ الظُّنون، يتَّبعونَ سقيفةَ بني ساعدة، والشيعةُ بعدَ ذلك تَبِعُوهُم على المذهب الطوسي - إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾، هذهِ الآيةُ تُبِطلُ بابَ الاجتهاد من أوَّلِهِ إلى آخرهِ بِكُلِّ تفاصيلهِ..

في سورة النَّجم، الآيةِ الثالثةِ والعشرين بعدَ البسملة: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَىٰ الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ﴾، ولكنَّهُم ترَكُوه، تركوا منهجَ العترة وذهبوا وَراءَ الاجتهاداتِ والظُّنون، فكيفَ تقولُ يا أيُّها السُنِّيُّ الـمُنصِفُ من أنَّ الفِكرةَ كاملةٌ وليست منقُوصةً، إذاً لِماذا الاجتهاد؟! ولِماذا الظُّنون؟!

وفي سورة النَّجمِ، الآيةِ الثامنةِ والعشرين بعدَ البسملة: ﴿وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقﱢ شَيْئاً﴾، الدِّينُ الَّذي أكمَلهُ اللّه دِينُ العِلْم ما هو بدين الاجتهاد، ولذا فإنَّ اللّه يبعثُ الأنبياء لأنَّ الأنبياء عُلماء ولا يتكلَّمونَ إلَّا عن عِلم، وحينما يُؤسِّسُونَ دِينَهُم يُؤسِّسُونَ دينَهُم على العِلم، فَحينما ينتهي عُمْرُ النَّبيّ لابُدَّ مِن وَصِيﱟ كي تَستمرَّ مَسيرةُ الدِّين العِلْميَّة وإلَّا فإنَّ الأمرَ سيعودُ إلى الصَّحابَةِ البدو كي يعبثوا بالدِّين وقد عبثوا بهِ، إنَّها الظُّنون..

المجتهدونَ إن كانوا من السُنّةِ أم كانوا من الشيعةِ يعبَثونَ بدين اللّه..

في سورةِ هود، في قُصَّةِ النَّبي نُوح فإنَّ الأمرَ الإلهيَّ وردَ إليهِ بحسَبِ الآيةِ الأربعين بعدَ البسملةِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾، القولُ سبقَ بِخُصوصِ زوجةِ نوح لأنَّها كانت خائنةً، خانت نبيّ اللّه، والقُرآنُ حدَّثنا عن هذا، إنَّها جهنميَّةٌ من أهل النَّار - وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ - في سياق الآياتِ نفسِها من سورةِ هود - قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ - والَّذين رُحِموا هُم الَّذينَ صَعَدوا في السَّفينة - وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾.

وبعدَ أن انتهى الطوفان: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾، ما هو وعدُ اللّه؟ ﴿وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾، هذا اجتهادٌ مِن قِبَلِ النَّبيّ نوح؛ أخذَ النص وطبَّقهُ على ابنهِ الَّذي غَرِق، إنَّهُ يطالِبُ اللّه أن يُعيدَ لهُ ابنه لأنَّهُ فَهِمَ النَّصَّ هكذا فما بالُكم بمجتهدي السُنَّةِ والشيعة يُخرجونَ لنا الأحكامَ والفَتاوىٰ مِن دُونِ نُصوص؟! نُوحٌ نبيٌّ مِن أولي العزم وهو شيخُ الـمُرسلَين وعاشَ زماناً طويلاً جدَّاً فعِندَهُ من التجاربِ في معرفة النَّاس عِندَهُ الكثير والكثير ومع ذلكَ أخطأ في اجتهادهِ وهو اجتهادٌ في فَهْم النَّص..

- وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ - لأنَّهُ طَبَّقَ النصَّ على ابنهِ فلابُدَّ أن يكُونَ ناجياً، لكنَّ الواقعَ ماذا يقول؟ إنَّ ابنَهُ كانَ من المغرقين - قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ - اجتهادُكَ باطلٌ - إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم - هذا اجتهادٌ منك هذهِ ظُنون - إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ - أنتَ جاهلٌ إذا بقيت مُستمرَّاً في عمليَّة الاجتهادِ هذه، يستغفرُ النَّبيُّ نوح: قَالَ رَبﱢ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مـﱢـنَ الْخَاسِرِينَ﴾ إنَّهُ يتوبُ من الاجتهاد لأنَّ الاجتهادَ معصيةٌ، الاجتهادُ مَضحكةُ الشَّيطان على عُلماء السُنَّةِ وعُلماء الشيعة..

هذا منطقُ القُرآن والآياتُ الَّتي مرَّت الَّتي رفضت الظنونَ بِكُلﱢ أشكالِها تدفَعُنا إلى العِلْم وهذا العِلْمُ بعدَ رَسُولِ اللّهِ يأتينا من المعصومين، وقد يقولُ قائلٌ في زمان الغَيْبَةِ ماذا نصنع؟ في زمانِ الغَيبَةِ فإنَّ العِلْمَ موجودٌ في قرآنهِم صلواتُ اللّهِ عليهِم المفسَّرِ بتفسيرهم وفي حديثهم المفهَّمِ بقواعدِ تَفهِيمِهم، وهُناكَ الفقهاء المفهَّمون، هُم واعدونا بذلك: (لَا جَرمَ أنَّ من عَلِمَ اللَّهُ مِن قَلْبِهِ مِن هَؤلاءِ العَوام - مِن عَوَام الشيعة - أنَّهُ لا يُريدُ إلَّا صِيانَةِ دِينهِ وتَعْظِيمَ وَلِيـﱢـه لم يتركُهُ في يَدِ هذا الْمُلَبِّس الكَافِر - إنَّهُ المرجعُ الشيعيّ الأعلى إلى المرجع الشيعيّ الأسفل، الروايةُ طويلةٌ روايةُ التقليدِ عن إمامِنا الصَّادقِ صلواتُ اللّهِ عليه - وإنَّمَا يُقَيـﱢـضُ لَهُ مُؤْمِنَاً يَقِفُ بِهِ على الصَّوَاب) هذا هو التفهيم لأنَّ المؤمنَ هذا مُفهَّم وهذا المؤمنُ المفهَّم يُقيَّضُ لهذا المؤمن الـمُخلِص الَّذي لا يُريدُ إلَّا صِيانَة دِينِهِ وَتَعظِيمَ وَلِيـﱢـه، هذا كلامُ العترةِ الطاهرة..

في سورةِ النساء، الآيةِ الثالثةِ والثمانين بعدَ البسملة: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مـﱢـنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ - الآيةُ تتحدَّثُ عن الصَّحابَةِ، وهذا الأمرُ يجري على طُولِ الخط في حياة الأُمَّة إلى زماننا هذا وما بعدَ زماننا هذا - وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَىٰ الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، هُناكَ جهةٌ تستطيعُ أن تستنبطَ الحقائقَ كما هي.

هذهِ الجهةُ هي هي الَّتي ذُكرت في الآيةِ التاسعةِ والخمسين بعدَ البسملة من السورةِ نفسِها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾، لا تضحكوا على أنفُسِكُم كي تُفَسِّروا أولي الأمر بالحُكَّامِ الَّذينَ يحكمونَكم، الآيةُ جعلت أولي الأمر في مستوى الرَّسُولِ وفي مستوى اللّه، الطاعةُ هي هي لا تضحكوا على أنفُسكم..

وإذا أردتُم أن تُنكروا ذلك فماذا تفعلونَ معَ ما جاء في الآيةِ السابعةِ بعدَ البسملةِ من سورةِ آلِ عمران؟ وهذهِ الآيةُ تُسقِطُ ما تحدَّثَ بهِ صاحبُ التعليق عن الفِكرة الكاملة: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّه - الرَّاسِخونَ في العِلم لا يعلمونَ به بحسَب القراءةِ السُنيَّة - وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ - هذهِ الواو استئنافيَّةٌ هذهِ جُملةٌ جديدة - وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مـﱢـنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ آمنَّا بهِ مِن دُونِ عِلْمٍ هذا هو التسليم، بحسَبِ القراءةِ السُنِّيَّة، بحسبِ قراءة العِترةِ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، وقفةٌ ثُمَّ نبدأُ بجملةٍ لها بدايةٌ مُقدَّرة..

دِينٌ ناقصٌ هذا أو لا بِحَسَبِ هذهِ القراءة؟! أينَ تضعونَ هذهِ الحقائق؟!

في سورةِ النَّحل، الآيةِ الرابعةِ والأربعين بعدَ البسملة: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ - يا رَسُولَ اللّه - وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيـﱢـنَ لِلنَّاسِ مَا نُزﱢلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾، إذاً النَّبيُّ يعرِفُ القُرآن، أينَ ذِكرهُ في تِلكَ الآية: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّه - وقفةٌ - وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ﴾، إلى آخرِ ما جاء في الآية، أينَ مُحَمَّدٌ؟ إذا كانَ مُحَمَّدٌ صلَّى اللّهُ عليهِ وآله يعرِفُ القُرآن إذاً أينَ هو في تِلكَ الآية؟! إذا كانَ موجوداً في تِلكَ الآية فهذا يعني أنَّ القراءة السُنيَّةَ خاطئةٌ، لأنَّهُ يعلَمُ القُرآن والَّذينَ معهُ يعلَمُونَ القُرآنَ كَعِلْمِهِ هُوَ، فَمَن هُم هؤلاء؟ الصَّحابَةُ الَّذينَ ما كانوا يعرِفُونَ أحكامَ الصَّلاة من أمثالِ عُمَر؟! هذهِ الحقائقُ موجودةٌ في كُتُبِ السُنَّةِ والشيعة على حدٍّ سواء.

في الآيةِ الرابعة والستين بعدَ البسملةِ من سورة النحل: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيـﱢـنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، في الآيةِ التاسعةِ والثمانين بعدَ البسملة: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلﱢ شَيْءٍ﴾، هل بَيَّنَ لَنا رَسُولُ اللّه كُلَّ شيء؟ في أيِّ مكان؟ القُرآنُ يتحدَّثُ عن نفسهِ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلﱢ شَيْءٍ﴾، إذا كانَ النَّبيُّ قد بَيَّنَ كُلَّ شيء إذاً ما الدَّاعي إلى الاجتهاد؟! وما الدَّاعي إلى القياسِ والاستحسان؟! وما الدَّاعي إلى المصالِح الـمُرسلَة؟! ما الدَّاعي إلى كُلﱢ ذلك؟ - وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾، هل يُعقَلُ أنَّ اللّهَ يقولُ هذا ويأتي النَّبيُّ كي يُجيزَ الاجتهادَ للصَّحابَةِ ويقول بأنَّ المجتهدَ إذا أصابَ وهو لا يدري أصابَ أم أنَّهُ لم يُصِب، إذا أصابَ لَهُ أجران وإذا أخطأ لَهُ أجر، إذاً ماذا نفعلُ بالقُرآن الَّذي فيهِ تِبيانٌ لِكُلِّ شيء؟! ما معنى الاجتهادِ إذاً؟! هل الفِكرةُ كاملةٌ؟ الفِكرةُ منقُوصةٌ لكنَّها في طريق التكامُل، لابُدَّ من وصيﱟ بعدَ مُحَمَّدٍ كي تكتملَ المسيرة..

في الآيةِ الحاديةِ والستين بعدَ البسملةِ من سورةِ آلِ عمران، آيةُ المباهلة: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾، هذا هو الَّذي يأتي مِن بعدهِ كي يُكْمِلَ تِبيانَ القُرآنِ لِكُلﱢ شيء، لأنَّ النَّبيَّ لم يَكُن قد قام بِهذا، لو كانَ النَّبيُّ قد قامَ بهذا لِماذا لم يُبَيـﱢـن لنا رَسُولُ اللّه طريقة الحُكْم ونِظامَ الحُكْم؟! لِماذا تُرِكَ للصَّحابَةِ كي يعبثوا بالأُمَّة؟! النَّبيُّ قطعاً بَيَّنَ ذلكَ في بيعة الغدير، لكنَّني لا أُريدُ أن أحتجَّ بِها، لأنَّني أُريدُ أن أَكُونَ مُنصِفاً معَ هذا الـمُعلِّق السُنِّي أُريدُ أن أتحدَّثَ بمنطقهِ..

أمَّا البَلْبَلَةُ الَّتي تتحدَّثُ عنها من أنَّني أو من أنَّ الشيعةَ أوقعوا اللّه في بَلْبَلَةٍ مُفترَضةٍ كما تقول؛ البَلْبَلَةُ الَّتي قَامَ بِها عُمَرُ بنَ الخطَّاب في رزيَّة الخميس، البَلْبَلَةُ الَّتي قامَ بها أبو بكرٍ وعُمر في سقيفةِ بني ساعدة، البَلْبَلَةُ حينما هجموا على دارِ فَاطِمَة، البَلْبَلَةُ حينما تَركَ أبو بكرٍ الشورى الَّتي يدَّعونَها في سقيفةِ بني ساعدة ونَصَّبَ عُمَرَ بنَ الخطَّاب تنصيباً، هُم لم يقبلوا مِن رَسُولِ اللّهِ أن نَصَّبَ عَلِيَّاً وأعطوا لأبي بكرٍ الحقّ أن يُنصِّبَ عُمَر.

- البَلْبَلَةُ الَّتي قامَ بها عُثمان حِينما سلَّطَ ذَلِكَ النَّجِسَ مروان بنَ الحَكَم لأنَّهُ صِهرهُ سلَّطَهُ على الأُمَّةِ وفَعلَ ما فَعَل..

- البَلْبَلَةُ الَّتي صنعَتْها عائشة حينما خالفت أمرَ اللّه في أن تبقى مُستقرَّةً في دارِها وخالفت أمرَ رَسُول اللّه الَّذي حَذَّرَها تحذيراً شديداً مِن أن تنبحها كلاب الحوأب في طريق البصرة ونبحتهَا كِلابُ الحوأب وذهبت إلى البصرةِ وبسببها قُتِلَ الألاف والألاف والألاف.

- أهانوا رَسُولَ اللّه وَسَبُّوا رَسُولَ اللّه (إنَّ الرَّجُلَ ليَهْجُر)، وطردَهُم رَسُولُ اللّه تِلكَ هي البَلْبَلَة.

إن كُنتَ مُنْصِفاً فأدْرِك نفسَك، البَلْبَلَةُ لَيست في الحقائقِ الَّتي طرحتُها وبَيَّنتُها..



المجموع :2701

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق