ظاهرة الإنكفاء إلى الأجواء الإسلاميّة في الأربعينات و ركوب سيّد قطب لهذه الموجة كعادته
- طول المقطع : 00:18:21
وصف للمقطع
مقطع من برنامج [ السرطان القطبيُّ الخبيث في ساحة الثقافة الشيعيّة الحلقة 14 ]
✤ تمّ الحديث عن هذه المراحل مِن حياة سيّد قُطب: (الطفولة، الشباب "المرحلة الأدبيّة"، "الماسونيّة"..) ووصلنا إلى المرحلة الرابعة وهي: "الإنكفاء إلى الأجواء الإسلاميّة"
فبعد الطفولة كان الحديث في المرحلة الأدبيّة أو في الالتصاق بالعقّاد وما يرتبط بذلك المقطع مِن حياة سيّد قُطب من تفاصيل مرّت الإشارة إليها.. ثُمّ الماسونيّة والتي طال مكوث سيّد قُطب فيها قياساً باتّجاهات أخرى تبنّاها.
● حدث في تلك الفترة في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات استمراراً إلى الخمسينات، حدث نزوعٌ في الأجواء الثقافيّة والأدبيّة عند المِصريين (وحتّى خارج مِصر) .. نزوعٌ نحو الإسلام.. ولا أتحدّث هنا عن التديّن، وإنّما نزوع ثقافي فِكري نحو الإسلام.
على سبيل المِثال (عبّاس محمود العقّاد) أستاذ سيّد قُطب.. أديب معروف، ثقافته شرقيّة غربيّة.. كتاباته الأولى لا علاقة لها بالأجواء الإسلاميّة، ولكن بعد ذلك نحا في الشطر الثاني مِن عمره الثقافي نحا نحو الإسلام، فكتب كتابات وألّف مؤلّفات في الأجواء الإسلاميّة.. ومن تلك الكُتب التي ألّفها مجموعة كُتب عُرفتْ بالعبقريات.
● طه حسين أيضاً.. فقد كان طه حسين بالأساس أزهرياً، ثُمّ بعد ذلك ابتعد عن الأزهر كثيراً، وذهب إلى فرنسا، وتزوّج زوجة فرنسيّة وجاءت معه وعاشتْ في مِصر، وبقيتْ معه إلى أن مات طه حسين، وماتت هي أيضاً في مِصر.
طه حسين أيضاً في بداياته لم يكن يكتب ويُؤلّف في الأجواء الإسلاميّة، ولكن بعد ذلك اتّجه في كتاباته نحو الإسلام، كما في كتابه [الفتنة الكبرى] وكتب أخرى.. ولربّما من أشهر الكُتب التي كُتبتْ في ذلك الوقت وثار حولها جدل في الوسط الشيعي وفي الوسط السُنّي أيضاً: كتاب [محمّد] لِمحمّد حسين هيكل وهو شاعر وأديب وكاتب مِصري تُوفيّ في الخمسينات.
• علماً أنّ الحديث لا يقف عند هذه الأسماء، ولكن هذه الأسماء كانت بارزة جدّاً.. فهم لم يكتبوا كتابة دينية، لم يتوجّهوا توجّهاً دينيّاً.. هذه الرموز مثل (العقّاد، وطه حسين، ومحمّد حسين هيكل) وغيرهم.. هؤلاء لم يتديّنوا في حياتهم، وإنّما كتبوا كتابات تنحى بالاتّجاه الإسلامي.. فيها مزيج من التأريخ الإسلامي، ومزيج من أدب المُسلمين، ومزيج من بعض المعاني والأفكار والمفاهيم القرآنية.. هذه كانت ظاهرة واضحة جدّاً.
● مع هذه الموجة، سيّد قطب كعادته يركب الموجة الموجودة بين يديه، مع أنّه كان يعيشُ عيشاً تامّاً في أجواء الماسونيّة.. فهو ما بين صدمات الحياة التي صدمته مثلما صُدِم بِحبّه لتلك الفتاة التي أراد أن يتزوّج منها، ومثلما صُدِم بخيبة أمل في أن يكون في الصفّ الأوّل في الجوّ الأدبي.. ومثلما ومثلما..
ركب أيضاً موجة الماسون وكتب في مجلّاتهم وقدّسهم إلى أبعد حدود التقديس، وكلماته شاهدة على ذلك.. ركب أيضاً موجة الانكفاء إلى الثقافة الإسلاميّة، وأوّل ما كتب وكان ماسونيّاً آنذاك كتب كتابه [التصوير الفنّي في القرآن] هذا أوّل كتاب نحا فيه باتّجاه الثقافة الإسلامية في عموم الجوّ الإسلامي.. فكتاب [التصوير الفنّي في القرآن] هو كتاب أدبي، لا علاقة له بالتديّن.. لكنّه في جوّ الثقافة الإسلاميّة.
هو يقول في مُقدّمة الكتاب صفحة 9 يقول:
(وخطر لي أن أعرض للناس بعض النماذج ممّا أجده في القرآن مِن صور أي صور أدبيّة ففعلت، ونشرت بحثًا في مجلة المقتطف عام 1939 تحت عنوان: "التصوّر الفنّي في القرآن"..) إلى أن يقول:
(إلى أن شاء الله أن أتوفّر عليه بعد خمسة أعوام كاملة من نشر البحث الأوّل في مجلّة المُقتطف..) وكتب هذا الكتاب.
يعني هذا الكتاب تمّ في سنة 1944 وآنذاك كان سيّد قُطب في أجوائه الماسونيّة.
• بعد هذا الكتاب سنة 1947 ولازال سيّد قُطب في أجوائه الماسونيّة ألّف سيّد قُطب كتابه باتّجاه الثقافة الإسلاميّة "مشاهد القيامة في القرآن".. جاء في مُقدّمة هذا الكتاب:
(هذا هو الكتاب الثاني في مكتبة القرآن الجديدة التي صحّ عزمي على إنشائها بعون الله، كان الكتاب الأوّل "التصوير الفنّي في القرآن" الذي صدر في مثل هذا اليوم مُنذ عامين..) وفي نهاية الكتاب يضعُ تأريخاً : 31 ديسمبر سنة 1947م
• هذا الكتاب أيضاً كتبه سيّد قُطب وهو لا يزال يرفل في آثار الفكر الماسوني.. هذه بدايات كتاباته حين انكفأ نحو الثقافة الإسلاميّة مثلما حدث لغيره من بقيّة الأُدباء والكُتّاب والمُفكّرين والمُثقّفين في مصر وفي باقي البُلدان العربية.