عالَم السِّحر والعلاقة فيما بينَ الإنسِ والجنّ
- طول المقطع : 1:14:13
- مقطع من برنامج : اسئلة وشيء من اجوبة ح22 - سؤال عن السحر الأسود وتلبس الجن - سؤال عن الكلاب في البيوت
وصف للمقطع
الرﱢسالةُ الَّتي بينَ يدي من الأردن من الأُخت الفاضلةِ المحترَمَة فَاطِمَة أم محمّد، سأقرأُ رِسالتَها كما وردتني: هل فيه شي اسمو السـﱢـحرُ الأسود وهل ممكن شخص يعملو لآخر؟ وهل هناك شيء اسمهُ تلبُّس الجن، أي يدخلُ الجن في جسم الإنسان ويتحكَّم بِقُدراته؟ وهل يجوز فكُّ السـﱢـحرِ بالسـﱢـحر، وما معنى كلام الصَّادق صلواتُ اللّهِ عليه: "حِلَّ ولا تَعْقِد"؟ أُريدُ أن أعرِفَ أحادِيثَ أهل البيت بِخُصوصِ هذهِ الظواهر أرجوكم فيدوني أنا في بلدٍ لا تعرفُ أيَّ شيءٍ عن أحاديثِ أهل البيت ولا أهل البيتِ أنفسهِم.
قبلَ أن أُجيبَ على أسئلتكِ هُناكَ ملاحظاتٌ لابُدَّ من ذكرِها:
ما يُقالُ لَهُ السـﱢـحر حقيقةٌ موجودةٌ، والسـﱢـحرُ هُوَ آثارُ ونتائجُ عِلمٍ يُقالُ لَهُ عِلمُ السـﱢـحر..
الملاحظةُ الثانية: كثيرونَ في زماننا وحتَّى في الأزمنةِ الماضية مِمَّن يُقالُ عنهُم من أنَّهُم سَحَرَةٌ ومِن أنَّهُم على عِلمٍ بالسـﱢـحر لا هُم بسَحَرَة ولا يملكونَ عِلمَ السـﱢـحر، وإنَّما يعرفونَ بعضَ المعلوماتِ مِن عِلمِ السـﱢـحر ويُضيفونَ إليها مِنَ الخُرافاتِ ومِمَّا يُنتِجونَهُ مِن عِندِ أنفُسهِم مِن دُونِ أساسٍ لأنَّهم يمتهِنُونَ هذهِ المهنة ويضحكونَ على النَّاسِ وهُم يستمتعونَ جنسيَّاً من خِلال عملهِم مع زبائنهِم وخُصوصاً من النـﱢـساء، ويجمعونَ الأموال، فأكثرُ الَّذينَ يُقالُ لَهُم من أنَّهُم سَحَرَةٌ ليسوا كذلك..
الملاحظةُ الثالثةُ: كثيرٌ من النَّاسِ من الرﱢجالِ ومن النـﱢـساء يقولون من أنَّهُ قد عُمِلَ لَهُم عَمَلٌ سِحريٌّ، أكثرُ هؤلاء لا حقيقةَ لكلامِهِم، أوهامٌ يَتوهَّمُونَها أو أنَّ بعضاً مِن هؤلاء الكذَّابينَ المدّعينَ لعلمِ السـﱢـحر قد قالوا لَهُم وأخبروهُم بذلك، في أكثرِ الحالاتِ هي أمراضٌ نفسيَّةٌ، حالاتٌ نفسيَّةٌ تطرأُ عليهِم، الأمراضُ النَّفسيَّةُ تكونُ مستعصيةً أكثرَ من الأمراضِ الجسديَّةِ المستعصية..
هذهِ الملاحظاتُ مِهمَّةٌ جدَّاً حينما نُريدُ أن نتعاملَ معَ عالَم السـﱢـحرِ هذا الَّذي تدورُ حولَهُ الأسئلة..
أعودُ إلى أسئلةِ الرﱢسالة الَّتي بينَ يدي:
هل فيه شي أسمو السـﱢـحرُ الأسود؟
هؤلاء الَّذينَ يشتغلونَ في مثلِ هذهِ الأجواء يقولون هُناكَ سِحرٌ أسود، هُناكَ سِحرٌ أحمر، هُناكَ سِحرٌ أبيض، لكن في الحقيقةِ السـﱢـحرُ كُلُّهُ أسود، السـﱢـحرُ كُلُّهُ شرٌّ في شرّ، إنَّهُم يُقسـﱢـمونَ السـﱢـحرَ إلى سِحرٍ أسود ويقولون هو السـﱢـحرُ الَّذي يُستعمَلُ في الشرّ، السـﱢـحرُ كُلُّهُ يُستعمَلُ في الشرّ، السـﱢـحرُ الأحمر يقولونَ هو أقلُّ شرَّاً من السـﱢـحرِ الأسود، وأمَّا السـﱢـحرُ الأبيض يقولونَ عنه من أنَّهُ هو الَّذي يُستعمَلُ في الخير، وفي الحقيقةِ في دِين العترةِ الطاهرةِ نحنُ لا نعرفُ سِحراً يُستعمَلُ في الخير، إلَّا إذا توقَّفَ فَكُّ السـﱢـحرِ على العملِ بالسـﱢـحر وهذا يكونُ في الأمورِ الضروريَّةِ جدَّاً، فالسـﱢـحرُ في الحقيقةِ كُلُّهُ أسود..
وهل ممكن شخص يعملو لآخر؟
هذا ممكنٌ، هُناكَ عِلمُ السـﱢـحر وهذا العِلمُ يُعلِّمُ الإنسانَ كيفَ يقومُ بعملٍ سِحريﱟ، وهذهِ الأعمالُ السـﱢـحريَّةُ في كثيرٍ من الأحيان إذا ما سُحِرَ بها النَّاس تُؤدﱢي إلى إيذائِهم، فهذا أمرٌ ممكنٌ وأمرٌ موجودٌ..
في كتاب (الاحتجاج) للطبرسي، طبعةُ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت - لبنان/ الطبعةُ ذاتُ المجلَّدِ الواحدِ الَّذي يشتملُ على الجزأين، الصفحةِ التاسعةِ والثلاثين بعدَ الثلاثمئة، حديثٌ فيما بينَ زنديقٍ وإمامِنا الصَّادقِ صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه، الزنديقُ هو الَّذي يُقالُ لَهُ الـمُلْحِدُ في زماننا، في زمانِ الأئِمَّةِ يُقالُ لَهُم الزنادقة وقد يقالُ لهم الطبيعيّون، فيقولُ هذا القائلُ لإمامِنا الصَّادقِ صلواتُ اللّهِ عليه: فَأَخْبِرنِي عَن السـﱢـحْرِ مَا أصلُهُ وكَيفَ يَقدِرُ السَّاحِرُ عَلَىٰ مَا يُوصَفُ مِن عَجائبِهِ ومَا يَفعَل؟ - السَّاحِرُ الَّذي يمتلِكُ عِلِمَ سِحر يُمكِنُ أن يفعلُ العجائبَ بحسَبِ ما يرى النَّاسُ بأعينهم، الإمامُ يُجِيب: إنَّ السـﱢـحْرَ عَلَىٰ وُجُوهٍ شَتَّى؛ وَجْهٌ مِنْهَا بِمَنْزِلَة الطـﱢـب - ما قالَ الإمامُ مِن أنَّهُ مِنَ الطبّ، لأنَّهُ في الأُمَمِ السَّالفةِ كانوا يتطبَّبُونَ بالسـﱢـحر - كَمَا أَنَّ الأَطِبَّاءَ وَضَعُوا لِكُلﱢ دَاءٍ دَوَاء - كيفَ وضعوا ذلك؟ الطبيبُ سابقاً لابُدَّ أن يكونَ كيمائيَّاً حتَّى يستطيعَ أن يصنعَ الأدوية، ليسَ كزماننا فإنَّ الصيادلَة هُم الَّذينَ يدرسونَ كيمياء الدَّواء، أمَّا الأطباءُ فإنَّهم يدرسُونَ خصائصَ الأدوية لا يعرفونَ تصنيعَها، السَّاحرُ كذلك يحتاجُ إلى الكيمياء الَّتي يستعينُ بها على أعمالهِ ونشاطاتهِ وأمورهِ السـﱢـحريَّة - فَكَذَلِكَ عِلمُ السـﱢـحْر احْتَالُوا لِكُلﱢ صِحَّةٍ آفَة - بالعكس - ولِكُلﱢ عَافِيَةٍ عَاهَة، وَلِكُلﱢ مَعْنىً حِيْلَة - وهذا يأتِي من خِلالِ دراسةِ ما وصلَ إليهِ السَّحَرَةُ الَّذينَ سبقُوهُم ولذا يحتاجُونَ إلى كُتُبِ السَّحَرَةِ السَّابقين، فمثلما الطبيبُ يبحثُ عن علاج العاهات السَّاحرُ يبحثُ عن إيجادِها، هذا وجهٌ من وجوه السـﱢـحر.
يستمرُّ حديثُ إمامِنا الصَّادقِ صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه: ونَوعٌ آخَرُ مِنْه خَطْفَةٌ وسُرْعَةٌ وَمَخَارِيقُ وخِفَّة - وهذهِ هي الشَّعوَذةُ والشَّعبَذَة، بابٌ من أبوابِ السـﱢـحر، البابُ الأوَّل بابٌ بمنزلة الطب دراسةٌ ومُختبرٌ وبحثٌ واكتشافٌ وتحليلٌ، والأمرُ يكونُ في ازديادٍ ولكن في الاتجاهاتِ السيِّئةِ وليست في الاتجاهاتِ الحسنةِ كعلم الطبّ، "المخارِيق"؛ ما هُو خارِقٌ للعادَةِ، وهذهِ تعتمدُ على هندسةٍ مُعيَّنَةٍ، ترتبطُ بالأمور الَّتي يفعلُها السَّاحر إنَّها الشَّعوذَةُ والشَّعبَذَة - وَنَوْعٌ آخَر مَا يَأْخُذُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِين عَنْهُم - هُناكَ عِلمٌ سِحريٌّ يُؤخَذُ عن الشَّياطين، والحديثُ هُنا ما يُؤخَذُ عن شياطين الجنّ، الشَّياطينُ هُناكَ شَياطينُ الإنس وشَياطينُ الجنّ..
وهذا المعنى أشارَ إليهِ القُرآنُ في سورة البقرة، الآيةِ الثانيةِ بعدَ المئةِ بعدَ البسملة: ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلـﱢـمُونَ النَّاسَ السـﱢـحْرَ﴾، إلى آخرِ ما جاء في الآيةِ هُناكَ حديثٌ عن هاروتَ وماروت..
تُلاحظونَ أنَّ القُرآنَ وأحاديثَ العترةِ يجريان في مجرىً واحد تطابُقٌ عجيبٌ في كُلﱢ المفاهيم وفي كُلﱢ المضامين..
-قَالَ: فَمِن أَيْنَ عَلِمَ الشَّيَاطِينُ السـﱢـحْر؟ - الزنديقُ يسألُ الصَّادقَ صلواتُ اللّهِ عليه بعدَ أن بَيَّنَ لَهُ وجوه عِلم السـﱢـحر - قَالَ إمامُنا الصَّادِقُ: مِن حَيْثُ عَرِفَ الأَطِبَّاءُ الطـﱢـب - يعني أنَّ شياطينَ الجنّ يقومونَ ببحثٍ وتجربةٍ وممارسةٍ واكتشافٍ وتحقيقٍ في هذا الموضوع مثلما يفعلُ الأطبَّاءُ من بني الإنس - بَعْضَهُ تَجْرِبَة وَبَعْضَهُ عِلَاج - "بعضَهُ تجربة"؛ إنَّها التجاربُ المختبريَّة والتجاربُ الَّتي تُجرَّبُ على الأشخاص، "أمَّا العِلاجُ"؛ فهُو البحثُ والتحقيق، والعِلاجُ يكونُ قبلَ التجربة، هذا موضوعٌ مُفصَّلٌ ويستمرُّ الإمامُ في حديثهِ عن السـﱢـحر وشؤونه..
هُناكَ التمائمُ والأحرازُ؛
هكذا يُصطلَحُ عليها التمائمُ الَّتي هي جزءٌ من السـﱢـحر، هذهِ التمائمُ محفظةٌ جلديَّةٌ، كيسٌ من الجِلد أو من القُماش، أو رُبَّما حافظةٌ من الخشبِ أو من الصخرِ، ورُبَّما تُصنَعُ من الذهبِ أو الفضّة، ويُوضَعُ فيها شيءٌ مكتوبٌ رُبَّما يُكتَبُ بالدَّمِ مثلاً أو بأيﱢ شيءٍ آخر، أو بالزعفرانِ مثلاً بحسبِ نوع السـﱢـحر وقد يُضافُ إلى المكتوبِ شيءٌ من الخرزِ الَّذي لهُ خُصوصيَّةٌ مُعيَّنة أو شيءٌ من عِظامِ بعض الحيواناتِ أو مِن عِظامِ بعضِ الموتى من البشر، أو هُناكَ شيءٌ من مادَّةٍ نباتيَّةٍ أو مِن نوعِ طحينٍ لخليطٍ من حُبوبٍ أو أيﱢ شيءٍ آخر هُم يستعملونهُ في مثلِ هذهِ الأمور، وتُقرأُ عليها التعاويذُ السـﱢـحريَّةُ الخاصَّةُ بها وتُعلَّقُ على الصدر، تُعلَّقُ في مكانٍ من البيت، تُخاطُ بخيوطٍ جلديَّةٍ، أو بخيوطٍ من نوعٍ آخر، هذا لا يعني أنَّ كُلَّ تميمةٍ هي تميمةٌ سِحريَّة فهُناكَ أحرازٌ وأدعيةٌ وما تُسمَّى "بأدعية الأحجبةِ"، تُحفَظُ في التمائمِ ويحمِلُها النَّاسُ معهُم، أنا أتحدَّثُ هُنا عن التمائمِ السـﱢـحريَّة الَّتي يُنتِجُها ويصنَعُها السَّحَرَة الَّذينَ هُم على عِلمٍ حقيقيﱟ بعلِم السـﱢـحر، فَهُناكَ التمائمُ السـﱢـحريَّة.
وهُناكَ ما يُصنَعُ مِن مجموعةِ أمورٍ كأن يأخذوا شيئاً من شعرِ المسحور، ويُمكن أن يُضيفوا إلى شعر المسحورِ شيئاً من النجاسات ويُلفُّ ذلكَ في قطعة كفنٍ لميـﱢـتٍ مدفونٍ في قبرهِ، وتُشَدُّ بعدَ ذلكَ مثلاً بشعر الماعز، فشعرُ الماعزِ يستعملونَهُ كثيراً في مثلِ هذهِ الأمور..
وتقول أم محمّد في رسالتِها: وهل هُناكَ شيءٌ اسمهُ تلبُّس الجن أي يدخلُ الجنُّ في جسم الإنسان ويتحكَّمُ بِقُدراتهِ؟
لا أريدُ أن أتشعَّبَ في هذا الموضوع لكنَّني سأذكرُ آياتٍ من القُرآن ترتبطُ بهذا الموضوع:
في سورة البقرة، الآيةِ الخامسةِ والسبعين بعدَ المئتين بعدَ البسملة، الآيةُ طويلةٌ في موضوع الرﱢبا: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرﱢبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسﱢ﴾، كيفَ يتخبَّطهُ الشَّيطانُ منَ المسّ؟ المسُّ هي حالةٌ من الاضطراب العقلي، وحالةٌ من الهلوسةِ القويَّةِ جِدَّاً، الاضطرابُ العقليُّ يجعلُ الإنسانَ يُفَكـﱢـرُ بالمقلوب لا يرى الأمورَ كما هي يراها بنحوٍ غريب..
الشَّيطانُ هُنا شيطانُ الجن، إنَّهُ يتخبَّطُ الإنسان، فإمَّا أن يُسبـﱢـبَ لَهُ المسّ أو أنَّ الإنسانَ يكونُ ممسوساً لسببٍ من الأسبابِ لمرضٍ من الأمراضِ العقليَّةِ الروحيَّةِ النَّفسيَّةِ وهُنا يدخلُ الشَّيطانُ على الخط كي يزدادَ الأمرُ سوءاً، فبإمكانِ الشَّيطانِ أن يدخُلَ إلى داخل الإنسان..
في سورة الجنّ، الآيةُ الخامسةُ بعدَ البسملةِ والَّتي بعدَها: ﴿وَأَنَّا – المتكلـﱢـمونَ هُم الجِن في هذهِ الآية - وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ اللَّهِ كَذِباً - هُناكَ نُقطةُ التقاء فإنَّ الإنسَ يكذبون وإنَّ الجنَّ يكذبون - وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنﱢ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً - "زَادُوهُم رَهَقَاً"؛ أتْعَبُوهُم، أَضَلُّوهم، أخَذُوهُم في المتاهات، هُناكَ تواصلٌ في مِساحاتٍ مُعيَّنةٍ بينَ الإنسِ والجن..
في سورة الرَّحمـٰن والسورةُ توجِّهُ الخطابَ للجنﱢ والإنسِ على حدﱟ سواء: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنﱢ وَالْإِنسِ إِنِ ،الآيات: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ﴾، هذهِ الآيةُ بحسَبِ قراءة العترةِ الطاهرة: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ مِنْكُم﴾، الأئِمَّةُ يقولون: (مِنْكُم يَا أَشْيَاعَ عَلِيﱟ)، فشيعةُ عليﱟ من الإنسِ ومن الجان، لكنَّ ابنَ أروى يعني عثمان حذفها، حذفُوها حينما حرَّفوا القُرآنَ، الآيةُ لا معنى لها، عودوا إلى الآيات السابقة: ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدﱢهَانِ - يومُ القيامة هذهِ أشراطُ السَّاعة هذهِ الأحداثُ القريبةُ من يوم القيامة، صارَ لونُها أحمر - فَبِأَيﱢ آلَاء رَبـﱢـكُمَا تُكَذﱢبَانِ - الخِطابُ للجنِّ والإنس - فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ﴾، يومُ القيامةِ للسؤال إذاً متى سنُسأل إذا كُنَّا في يوم القيامةِ لا نُسأل؟! الآيةُ تنفي السؤالَ عن الجميع، لا معنى لها تتناقضُ مع آيات القُرآن الأخرى، لكنَّ قراءة العترةِ انتبهوا إلى دِقَّتها: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ مِنْكُم إِنسٌ وَلَا جَانّ﴾، هُناكَ مجموعةٌ سوفَ تكونُ خارجَ الـمُساءلة، إنَّها شفاعةُ العترة أشياعُ عليﱟ، "حُبُّ عليﱢ بن أبي طالِبٍ عُنوانُ صَحِيفَة الْمُؤْمِن"، هؤلاء الَّذينَ في النَّجف لا يعرفونَ قراءة أهل البيتِ للقُرآن..
إلى أن تقولَ الآيات: حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ - في الجنان - فَبِأَيﱢ آلَاء رَبـﱢـكُمَا تُكَذﱢبَانِ ۞ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ - هذا يعني أنَّ التشابُه إلى حدﱟ كبير بحيث أنَّ التواصُلَ فيما بينَ الحورِ والإنس هو هو التواصلُ فيما بينَ الحورِ والجان..
في سورة الكهف، الآيةِ الخمسين بعدَ البسملة: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنﱢ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبـﱢـهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرﱢيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾، إذاً هُناكَ اتـﱢـصالٌ فيما بينَ ذريَّة إبليس والَّذينَ هُم من الجنّ وفيما بينَ الإنس في مِساحاتٍ مُعيَّنة..
في سورةِ الأعراف، الآيةِ السابعةِ والعشرين بعدَ البسملة: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾، "إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ"؛ قبيلهُ أنصارهُ من ذراريهِ ومن أُمَّتهِ..
إلى آياتٍ كثيرةٍ في هذا المجرى وفي هذا السياق.
يُمكنُ للسائلةِ أن تفهَم من خِلالِ هذهِ الآياتِ والتدبُّرِ فيها ما سألت عنهُ: وهل هُناكَ شيءٌ اسمهُ تلبُّس الجنّ أي يدخلُ الجنُّ في جسم الإنسان ويتحكَّمُ بِقُدراتهِ؟ ما كُلُّ هذهِ الآيات تُشيرُ إلى صورٍ مُتعدﱢدةٍ من العلاقةِ فيما بينَ الإنسِ والجنّ وصورةٌ من هذهِ الصور هي الَّتي يتحدَّثُ عنها السؤال.
ثُمَّ تقولُ الرﱢسالةُ: وهل يجوزُ فكُّ السـﱢـحرِ بالسـﱢـحر؟
إذا كانَ الأمرُ ضروريَّاً ومتوقِّفاً على سِحرٍ لفكﱢ سحرٍ المسحور فهذا أمرٌ جائزٌ بحدودِ الضرورةِ والضرورةِ فقط، هل نرجعُ في ذلك إلى ساحرٍ؟ إذا كانَ الاضطرارُ يرجِعنا إلى ساحرٍ كي نستعينَ به على فَكﱢ السـﱢـحر فهو جائزٌ، وإذا كُنَّا قادرينَ على أن نستعينَ بشخصٍ ليسَ ساحراً لكنَّهُ يعرِفُ فكَّ السـﱢـحر فحينئذٍ نتوجَّهُ إليه..
وما معنى كلام الصَّادقِ صلواتُ اللّهِ عليه: "حِل ولا تعقِد"؟
هذهِ هي توبةُ السَّاحر، إذا تابَ السَّاحرُ فعليهِ أن يُكفَّرَ عن أعمالهِ السحريَّةِ الَّتي أضرَّ النَّاسَ بها، حِلَّ ولا تَعقِد أي لا تعقِد العُقَدَ السـﱢـحريَّة فإنَّ السَّحرَة مِن جُملةِ أساليبهِم هي أساليبُ العُقَد، وفي سورة الفلق الكلامُ واضحٌ بعدَ البسملةِ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبﱢ الْفَلَقِ ۞ مِن شَرﱢ مَا خَلَقَ ۞ وَمِن شَرﱢ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ۞ وَمِن شَرﱢ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ – "الغَاسِقُ"؛ هذا هو شيطانُ اللَّيل، النَّفَّاثاتُ هي وسائلُ النفثِ عِندَ السَّاحرينَ والسَّاحرات عِندَ السَّحَرَةِ جميعاً، العُقَدُ هي مراكزُ تركيزِ العمل السـﱢـحريّ فيما يُنتِجُونَهُ من أعمالِهِم السـﱢـحريَّةِ وحيثُ يقرؤونَ على تِلكَ العُقَدِ التعاويذُ السـﱢـحريَّة وينفُثُونَها نَفْثاً - وَمِن شَرﱢ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
فالإمامُ الصَّادقُ صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه ماذا قالَ لهذا الشيعيّ السَّاحر الَّذي جاءهُ تائباً من عملهِ السـﱢـحريّ؟ في الجزء السادسِ والسبعين مِن (بحارِ الأنوار) للمجلسي، طبعةُ دارِ إحياء التراث العربي/ بيروت - لبنان/ الصفحةِ العاشرةِ بعدَ المئتين، الحديثُ الثالث: بسندهِ - بِسند المجلسي - عَن عِيسَى بنِ سَقْفِي وَكَانَ سَاحِراً يَأتِيهِ النَّاس فَيأخُذُ علىٰ ذَلِكَ الأَجْر، قَالَ - عيسى بنُ سقفي - قَالَ: فَحَجَجْتُ فلقِيتُ أبَا عَبد اللّه الصَّادقَ صَلواتُ اللَّهِ عليه بمِنَى فَقُلتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاك، أَنَا رَجُلٌ كَانَت صِنَاعَتِي السـﱢـحْر وَكُنْتُ آخُذُ عَلَيهِ الأَجْر وكَانَ مَعَاشِي - معاشي من الأموال الَّتي أجتنيها من سِحري - وقَد حَجَجْتُ وقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِلِقَائكِ وَقَد تُبتُ إلى اللّه تَعالَىٰ فَهَل لِي فِي شَيءٍ مِنهُ مَخرَج؟ - ماذا أصنع كي أُكَفـﱢـرَ عن الَّذي مرَّ عَلَيَّ في سالف الأيَّام وقد قُمتُ بهِ؟ - فَقَالَ أبُو عَبْد اللّه - إمامُنا الصَّادقُ - نَعَم، حِلَّ وَلَا تَعْقِد - "حِلَّ ولا تعقِد"؛ أي كَفـﱢـر عمَّا كُنتَ قد عقدتَهُ مِن نَفثِكَ في العُقَد السـﱢـحريَّة أن تقومَ بفكﱢ السـﱢـحرِ عن المسحورين كفَّارةً لِما قد قُمتَ بهِ سابقاً وسبَّبتَ أضراراً للَّذينَ قد سُحِروا، هذهِ هي توبةُ السَّاحرِ في أحاديثِ العترةِ الطاهرة.