عِلمُ المستقبليَّات
وصف للمقطع

يُمكنني لأجلِ المنفعةِ والاستفادةِ أن أُضيفَ مثالاً آخر: إنَّهُ عِلمُ المستقبليَّات.

عِلمُ المستقبليَّاتِ ما هو بعلمٍ جديدٍ هذا العلمُ ضاربٌ في القِدَم لكنَّهُ أُهمِلَ، في الحضارات القديمةِ كانوا يهتمّون بمثلِ هذا الأمر وبعدَ ذلكَ انقرضَ هذا العِلمُ، لكنَّهُ عادَ وبثوبٍ جديد وبِقُوَّةٍ عظيمةٍ في عصرنا الحاضر، إنَّها دراساتُ المستقبليَّات، إنَّهُ عِلمُ المستقبل الَّذي يَدرُسُ الوقائعَ المستقبليَّةَ المتوقَّعة وفقاً لنظريَّةِ البدائلِ المستقبليَّة، كُلُّ واقعةٍ هُناكَ معطياتٌ تُشيرُ إلى إمكانِ وقوعها في قادم الأيَّام، فإنَّ عِلمَ المستقبليَّاتِ يتناولُها بالدرس، لابُدَّ أن تكونَ مُعطياتٌ في مستوى العقليَّةِ أو في مستوى العقلانيَّةِ.

قد تتساءلونَ وتقولونَ: هل هناكَ فارقٌ بينَ ما هوَ عقليٌّ وبينَ ما هوَ عقلانيٌّ؟

نعم هناكَ فارقٌ كبير:

الأمرُ العقليُّ: أمرٌ نظريٌّ بحت، أمرٌ يُستنتجُ من بديهيّاتٍ أو مُقدِّماتٍ عقليَّةٍ يحكُمُ العقلُ بصحَّتها، وقد تكونُ تلك البديهيّاتُ وتلكَ الـمُقدِّماتُ النظريَّةُ ليست على مَساسٍ معَ الواقع الـمَادّي على الأرض، لكنَّها ثابتةٌ في الأُفق العقلي، البديهيّاتُ الرياضيَّةُ العميقةُ، البديهيّاتُ الفلسفيَّةُ العميقةُ هذهِ بديهيّاتٌ نظريَّةٌ في الأفق العقلي، ما يُستخرجُ على أساسها من نتائج، من نظريّاتٍ مُركَّبةٍ، من حقائق يقطعُ العقل بصحّتها، هذا هو الأمرُ العقليُّ.

بينما الأمرُ العقلانيُّ: هو نتاجٌ من ممازجةِ ما يحكُم بهِ العقلُ العمليُّ، العقلُ الَّذي يستندُ إلى التجاربِ، معَ مُلاحظةِ الأحكام العقليَّةِ في أصلها، لكنَّ جُنوحَ الإنسانِ يذهبُ باتجاهِ نتائجِ العقلِ العملي الَّذي هو نِتاجٌ للتجاربِ معَ تطبيقهِ على واقع الحياةِ وعلى تفاصيلِ المادَّةِ على الأرض، هذا هوَ الأمرُ العقلانيُّ.

أضربُ لكم مثالاً مِمَّا يُدرَسُ في علم المستقبليَّات:

هُناكَ مُعطياتٌ تُشيرُ إلى أنَّ واقعةً في مُستقبلٍ منظورٍ ستقع، هنا يأتي عِلمُ المستقبليَّات كي يضعَ الاحتمالاتِ للكيفيَّةِ، أو للطريقةِ، أو للهيئةِ، أو للوضعيَّةِ الَّتي ستقعُ من خلالها تلكَ الواقعة، يأخذونَ بنظر الاعتبار الزَّمانَ وخصائصهُ، المكانَ وخصائصهُ، الظروفَ الموضوعيَّةَ الَّتي يُمكنُ أن تكونَ قريبةً من تفاصيلِ هذهِ الواقعة وماذا ينتجُ عنها، كلُّ واقعةٍ لها عددٌ من الاحتمالات، رُبَّما يوجدُ لها احتمالان ورُبَّما يوجدُ لها أكثر.

أضربُ لكم مثالاً: الدَّوَّارَات، الدَّوَّارُ الَّذي تلتقي عندهُ الطرق، النقاطُ الَّتي تفترقُ منها الطرق وتلتقي عندها الطرق، هُناكَ دَوَّارٌ تتفرَّعُ منهُ أربعةُ طُرق، وهُناكَ دَوَّارٌ تتفرَّعُ منهُ ثلاثةُ طُرق، وهُناكَ دَوَّارٌ تتفرَّعُ منهُ ثمانيةُ طُرق، في بعضِ الدول الَّتي سافرتُ إليها شاهدتُ دَوَّاراتٍ تتفرَّعُ منها طرقٌ أكثرَ مِن هذا الَّذي ذكرتهُ. إذا أردنا أن ندرسَ مُستقبلَ حركةِ سيّارةٍ اتَّجهت إلى الدَّوَّار، نحنُ لا ندري إذا ما وصلت إلى الدَّوَّار فهل تعودُ في الطريقِ نفسهِ الَّذي جاءت منهُ أم أنَّها تذهبُ في طريقٍ آخر. إذا كان الدَّوَّارُ تتفرَّع منه أربعةُ طُرق، إذاً هُناكَ احتمالاتٌ أربعة، قد تكونُ بعضُ الاحتمالاتِ ضعيفةً، مثلاً الطريقُ الَّذي جاءت منهُ هُو مُتفرِّعٌ مِن الدَّوَّارِ أيضاً احتمالٌ ضعيفٌ جِدَّاً أن تعودَ السيارةُ في هذا الطريق الَّذي وصلت من خلالهِ إلى الدَّوَّار، هُناكَ طريقٌ مسدود نهايتهُ مسدودة، ملامحُ السيارةِ ملامحُ راكبها ملامحُ سائقها تقولُ إنَّهُ ذاهبٌ إلى العمل، هذا الطريقُ المسدود ليس فيه من دائرةٍ حُكوميَّةٍ، ليسَ فيهِ من سوقٍ، بعيدٌ جِدَّاً أن يذهب في هذا الاتجاه معَ وجود الاحتمال، طريقٌ يذهبُ إلى مناطق سَكَنيَّة، وطريقٌ يذهبُ إلى الأسواقِ والشركاتِ والدوائرِ الحكوميَّة، الاحتمالُ الأكبر أنَّهُ سيذهبُ باتجاهِ الطريقِ الَّذي يشتملُ على الأسواقِ والشركاتِ والمصانعِ ومحالِّ العمل، معَ وجود الاحتمالاتِ في جميع الطرق، الطريقُ الَّذي جاءت منه السيّارةُ يمكن أن تعود فيه يمكن أن يدورَ حول الدَّوَّار ويعود في الطريق نفسهِ، لكنَّ المعطياتِ المتوفِّرة لدينا تقولُ: مِن أنَّ الرجل ذاهبٌ إلى محلِّ عملهِ معَ وجودِ كُلِّ تلك الاحتمالات، فنأخذُ كُلَّ احتمالٍ وندرسهُ على حدى وندرسُ نُقاط القُوَّةِ ونُقاط الضَّعفِ وندرسُ الجوانبَ الإيجابيَّة والجوانبَ السلبيّة في الموضوع ونُعطي أحكاماً ونتائج.

هل بإمكاننا أن نُغيّر في مجرى مستقبلِ حركةِ هذهِ السيارة؟

أقولُ: نعم، ولكن بنسبةٍ، إذا شخَّصنا المسار يُمكننا أن نضعَ بعض العوائق في طريق السيّارةِ، قد نُؤخِّرُ وصولها، وقد يُؤدِّي ذلك إلى حادثٍ يُؤدِّي بتدمير السيارةِ وبقتلِ راكبها، وقد وقد.

- ولكن هُناكَ احتمالٌ مِن أنَّ راكبَ السيّارةِ على درجةٍ من الذكاءِ والخِبرةِ بأمور الحياةِ وبمعرفةِ طريقهِ يستطيعُ أن يتجاوزَ كُلَّ ذلك.

- وهُناكَ احتمالٌ إلى أنَّنا سنكون فاشلين في إعدادِ المقدِّماتِ، ومِن أنَّنا لا نُدرِكُ الوقت فإنَّ سُرعة حركةِ السيارةِ تفوقُ سرعتنا في العمل.

إلى غيرِ ذلك من الأمور، هذا مثالٌ تقريبيٌّ..

حينما نُيمِّمُ أنظارنا إلى حديث العترةِ الطاهرة:

في (غَيْبَة النُّعماني) المتوفّى سنة 360 للهجرة/ طبعةُ أنوار الهدى/ قم المقدَّسة/ الطبعةُ الأولى/ في الصفحةِ الخامسةِ والستين بعد المئة/ لن أقرأ الأحاديثَ بِكُلِّ تفاصيلها، الحديثُ الأوَّل: بِسندهِ، عَن الـمُفضَّلِ بنِ عُمَر، عَن إِمَامِنَا الصَّادِقِ صَلواتُ اللهِ وسَلامهُ عَلَيه يَقُول: (فَعِنْدَهَا تَوَقَّعُوا الفَرَجَ صَبَاحَاً وَمَسَاء)، متى فَعِنْدَهَا؟ عندَ هذهِ الأوضاع، عندَ هذهِ الظروف الَّتي نحنُ نعيشُها الآن، الإمامُ هكذا يقول: أَقْرَبُ مَا يَكُونُ هَذِهِ العِصَابَةُ - العِصابَةُ؛ المجموعةُ من النَّاس المجموعةُ القليلة - أَقْرَبُ مَا يَكُونُ هَذِهِ العِصَابَةُ مِنَ الله وَأَرْضَى مَا يَكُونُ عَنْهُم - متى؟ - إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّة الله - فنحنُ نفتقدهُ - فَحُجِبَ عَنْهُم وَلَم يَظْهَر لَهُم وَلَم يَعْلَمُوا بِمَكَانِهِ - ما هو حالُنا الآن هكذا - وَهُم فِي ذَلِكَ يَعْلَمُونَ وَيُوقِنُونَ أَنَّهُ لَم تَبْطُل حُجَّةُ اللهِ ولا مِيثَاقُه - مِيثاقُ الله بالنسبةِ لمراجعِ حوزة النَّجفِ وكربلاء هُو باطلٌ، لأنَّهم نقضوا بيعة الغدير، الدليلُ كيفَ يُفسِّرون القُرآن، يُفسِّرونَ القُرآنَ ومُنذُ الطوسي وتفاسيرهم موجودةٌ، يُفسِّرونَ القُرآنَ بخلافِ تفسير العترة الطاهرة..!!

المجموع :2684

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق