قصَّة الإمام الصَّادق عليه السلام مع الشيخ الكبير الذي أراد معرفته
وصف للمقطع

أنقلُ لكم روايةً قد تقبلونها، قد ترفضونها، هذا أمرٌ راجعٌ إليكم، لكنَّ هذهِ الرواية تُخبِرنا بوجهٍ من الوجوهِ عن هذا المقام، بل تُخبرنا عن المقامينِ في الوقتِ نفسهِ، ينقلها أحمد المستنبط السيّد أحمد المستنبط في كتابهِ (القطرة من بحار مناقب النَّبي والعترة)، ينقلُ الحادثة عن جعفر الشُشتري، كانَ من مراجع الشيعةِ في عصرهِ وكان يرتقي المنبر الحُسيني، معروفٌ في الأجواءِ الحُسينيَّة، ينقلُ هذهِ الرواية عنه، ذكرها في كتابهِ القطرة من بحارِ مناقب النَّبي والعترة؛ في الوقت الَّذي كانَ فيهِ إمامنا الصَّادِقُ في مدينةِ بغداد حينما استجلبهُ الدوانيقي، المنصور العبَّاسي الدوانيقي، في يومٍ من الأيَّام كانَ ماشياً مع بعضِ أصحابهِ على شاطئ دجلة، ودِجلةُ نهرٌ عريضٌ في بغداد، وإنْ شَحَّ عليهِ الزَّمانُ في أيَّامنا هذهِ، ولكنَّهُ كانَ نهراً عريضاً مَوَّاجاً، تَسيرُ فيهِ السَّفَائنُ والزوارقُ في ذلكَ الزَّمان، وكانَ مَواجَّاً بمائهِ، فكان الإمامُ الصَّادِقُ يسيرُ مع بعضِ أصحابهِ على شاطئ دجلة، وإذا بشيخٍ كبيرٍ، برجلٍ كبيرٍ من شيعةِ الإمام الصَّادقِ يتوجَّهُ إلى الإمامِ طالباً منهُ: أن عَرِّفْنِي نَفْسَكَ يَا ابْنَ رَسُولَ الله، فهذا الشيعيُّ هذا الرجلُ الشيخُ الهَرِمُ الكبيرُ جاءَ يطلبُ مِن إمامهِ الصَّادقِ أن يُعرِّفَهُ نفسه، قال الصَّادِقُ لهُ: تُريدُ أن تَعرِفَني؟ قَالَ: نَعَم، الإمامُ التفتَ إلى أصحابهِ قَالَ: خُذُوا الرَّجُل والقوا بهِ في وسطِ النَّهر، شيءٌ غريبٌ، الرَّجُل استغربَ ذلك! يَا ابْنَ رَسُولِ الله أُريدُ أن أَعْرِفكَ وَأنْتَ تُلقي بيِ في النَّهر؟ أصحابُ الإمام حملوا الرَّجُل ورموا بهِ في النَّهر، ورموا بهِ بعيداً، فَلمَّا أن خرجَ الرَّجُل مُتعباً بعد تلك السباحةِ حتَّى وصل إلى الشاطئ، الإمامُ التفتَ إلى أصحابهِ وقالَ لهم: ارموهُ ثانيةً، أصحابُ الإمام حملوا هذا الشيخ الكبير الَّذي كان مُتعباً وقد احتدم بهِ الغيظ، لماذا يفعلُ بي الإمامُ هكذا؟ ما الَّذي فعلتهُ؟ أنا قلتُ لهُ عَرِّفني نَفسَك، يا أيُّها الرَّجُل الإمامُ سألك فقالَ لك: هل تُريد أن تَعْرِفَني؟ فَقُلتَ: نعم، الأصحابُ حملوا الرَّجُلَ الكبير ورموا بهِ في النَّهر مرَّةً ثانية، كادَ أن يَهْلَك الرَّجُل، لكنَّهُ استطاعَ أن يخرُج من النهرِ بعد عناءٍ شديد، لَمَّا خرجَ إلى الشاطئ الإمامُ أمرَ أصحابهُ مرَّةً ثالثةً أن ارموا بهِ في النَّهر، أصحابُ الإمام حملوا هذا الرَّجُلَ الـمُنهك الَّذي عانى ما عانى من المرَّةِ الأولى والمرَّةِ الثانية حينما أُلْقِي بهِ في النَّهر، بحسبِ أمرِ الإمام أصحابُ الإمام تسليماً لأمرهِ أخذوا هذا الرَّجُل الكبير في السن وألقوا به ثالثةً في النَّهر، هذهِ المرَّة لم يستطع الرجلُ أن يعود إلى الشاطئ أخذتهُ أمواجُ النَّهرِ، أخذهُ الماء في جريانهِ إلى وسطِ دِجلة، كادَ أن يغرق، الإمامُ الصَّادِقُ كان واقفاً على شاطئ النَّهر لَمَّا رأى أنَّ الرجل كاد أن يغرق لم يستطع أن ينجو بنفسهِ مثلما فعل في المرَّة الأولى والثانية، مدَّ الإمامُ يدهُ وأخرجهُ من وسطِ دجلة، الإمامُ على الشاطئ، سيسخرُ البعضُ من هذا الكلام، سيستغربُ البعض، لكنَّ آصفاً كانَ في فلسطين فمدَّ يدهُ بِسُرعةٍ هي أسرعُ من سُرعةِ الضوء وجاء بعرش بلقيس من اليمن، تقبلونَ هذا، آصف لا تُشْكِلون عليه أن مدَّ يدهُ من فلسطين إلى اليمن، تُشْكِلُونَ على الصَّادقِ جعفر، وما آصفٌ إلَّا فردٌ من أفرادِ شيعتهِ، على أيِّ حالٍ، أنا لا أريدُ أن أُقارِنَ بين إمامنا الصَّادق وبين آصفٍ ولكنَّ هذا الكلامَ اضطرُّ إليهِ لأنَّني أُخَاطِب أُناساً يحتاجون لمثلِ هذا الخطاب.

الإمام الصَّادِقُ أخرج الرَّجُل، وإذا بالرَّجُلِ يقعُ على الإمام عَرَفْتُكَ عَرَفْتُكَ يَا ابْنَ رَسُول الله عَرَفْتُك، هو الَّذي أراد أن يعرف إمامهُ، لَمَّا سألوا الرَّجل: ما الَّذي عرفتهُ يا رجل بعد أن كُنتَ غَاضِباً مُحتدماً تُتَمتمُ تُدَمْدِمُ غضباً حنقاً بسببِ إلقائكَ لأكثرِ مِن مرَّة في نهرِ دجلة، قالَ: في المرَّةِ الثالثة حينما جَرَفني الماءُ إلى وسطِ النَّهر وما كُنتُ قادراً على السباحةِ وأيقنتُ بِالْهَلاك، فَلَقد خَرَجَت مِن كُلِّ رُوحي مِن كُلِّ قَلْبِي هذهِ الكَلِمة أَن اِسْتَغَثتُ يَا الله يَا الله، فما الَّذي رآه الرَّجل؟ يَقُول: فَرأيتُ جَعفرَ بنَ مُحَمَّد قَد مَلأَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِب، ما رأيتُ غيرهُ وأنقذني هكذا نُخاطِبُ صاحبَ الأمر: (أَيْنَ وَجْهُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ الأَوْلِيَاء)، هُم وجهُ الله بين أظهُرنا..

المجموع :2701