وصف للمقطع
الأحداثُ الَّتي تجري في عالَمنا كخشبة المسرحِ وكواليسهِ وكواليس المسرح، هُناكَ مشهدٌ يُعرَضُ على خشبة المسرح يُشاهدهُ جمهور المسرح، لكنَّ الكواليسَ لا يُشاهدُها جمهورُ المسرح، تبقى التفاصيلُ الخفيَّةُ مكنوزةً في كواليس المسرح، المثالُ قد يُقرِّبُ من وجهٍ ويُبَعِّدُ في الوقت نفسهِ من وجوه، لكنَّني مُضطرٌّ أن أستعملَ أمثلةً لتقريبِ الفكرة الَّتي أريدُ أن أضعها بينَ أيديكم.
مرَّ الحديثُ في شبكةِ الحوادثِ المعقَّدةِ الَّتي تجري من حولنا، إذا تتذكرون فإنَّني أوردتُ لكم مثالاً من الأحاديثِ الَّتي تعرفُ بالأحاديثِ القُدسيَّة: (الظَّالِمُ سَيْفِي - سُبحانهُ وتعالى هو الَّذي يقول - الظَّالِمُ سَيْفِي أَنْتَقِمُ بِهِ وَأَنْتَقِمُ مِنه)، ما نُشاهدهُ من ظُلمٍ يصدرُ من ظالمٍ هذهِ صورةٌ نحنُ نتعامَلُ معها على أن نرفضها، وأن نقفَ بوجهها، نحنُ مأمورونَ أن نقفَ بوجه الظُّلم، أو على الأقلِّ أن لا نكونَ عوناً للظَّالِمين في أضعفِ الأحوال، إذا لم نكن قادرينَ أن نقفَ في وجه الظُّلم على الأقلِّ أن لا نكونَ عوناً للظَّالِمينَ في ظُلمهم. وحينما أتحدَّثُ عن الظُّلم إنَّني لا أتحدَّثُ عن ظُلمِ السَّلاطينِ والحُكَّامِ أصحاب العروشِ فقط، هؤلاءِ ظَالِمونَ لا شكَّ في ذلك وقد يكونُ ظُلمهم هوَ الأقسى وهو الأشد، لكنَّ الظُّلمَ لا يقتصرُ على هؤلاء، الظُّلمُ مُنتشرٌ في واقع الحياة:
- الظُّلمُ قد يكونُ من الولدِ لأبيه وقد يكونُ من الأبِ لولدهِ.
- الظُّلمُ قد يكونُ من الزوجِ لزوجتهِ وقد يكونُ من الزوجةِ لزوجها.
- الظُّلم قد يكونُ من مسؤولٍ في شركةٍ أهليَّةٍ أو في دائرةٍ حكوميَّةٍ لِمُوظّفيه وقد يكونُ بالعكس من الموظّفين لمسؤولهم هذا.
القُرآن وصفَ الإنسانَ بالظَّلُومِ الجَهُول، الظَّلُومُ صيغةُ مُبالغةٍ هكذا يُصطلحُ على هذا التعبيرِ عند أهل اللغة عند أهل العربيّة، ظَلُوم صيغةُ مبالغة على وزنِ فَعُول، ظَلُوم يعني ظالِماً وظالِماً وظالِما، فهذا هو وصفُ الإنسان من أنَّهُ ظَلُومٌ جَهُول، الظُّلمُ في كُلِّ مكانٍ فما نراهُ من ظُلمٍ هو هذا المشهدُ على خشبة المسرح في كواليس التقديرِ هناكَ شيءٌ آخر.
فهذا الظلمُ في كواليس التقديرِ:
قد يكونُ عُقوبةً لهذا المظلوم، هو مُستحقٌّ لذلك، نحنُ لا نعرفُ هذهِ الأسرار لكنَّ الكواليس فيها وفيها من عظيم الأسرار وخفايا الحِكَمِ وعجائبِ الغايات وغرائب البدايات، لماذا بدا الأمرُ هكذا؟
وقد يكونُ هذا الظُّلمُ الَّذي يقعُ على هذا المظلومِ قد يكونُ سبباً لصلاحهِ أن يمنعهُ من الوقوعِ في متاهةٍ لها أوَّلٌ وليسَ لها آخر، فجاء بهِ ووضعهُ في زنزانةٍ مُظلمة، تلكَ الزنزانةُ المظلمة كانت سبباً أن حجزته أن منعتهُ من الوقوعِ في متاهةٍ لها أوَّلٌ وليس لها آخر، لكنَّه ظُلمٌ بالنسبة للظَّالم، فالأسبابُ الَّتي دفعت الظَّالم لهذا الفعلِ لا تُعطي للظالمِ حقاً أن يُودِع هذا الإنسان في تلكَ الزنزانةِ المظلمة.
شبكةٌ مُعقَّدةٌ من الأحداثِ هي حياتُنا، حياتُنا بحدودها الخاصَّةِ وحياتُنا بحدودها العامّةِ في علاقاتنا مع الَّذينَ مِن حولنا، على مُختلفِ المستوياتِ والطبقات، هذهِ الشبكةُ يحدثُ فيها تغييرٌ في كُلِّ ليلةِ قدر حيثُ تتنزَّلُ الملائكةُ على إمامنا صلواتُ اللهِ عليه تأخذُ الأوامر في تغييرِ ملامحِ هذهِ الشبكةِ لسنةٍ قادمة، مع أنَّ كواليسَ هذا التقديرِ قد يكونُ خفيَّاً حتَّى على الملائكة، الملائكةُ طبقات، فَكُلُّ طبقةٍ لها عِلمٌ بحدودها، والأحداثُ والحوادثُ لها تقديرٌ مُركَّبٌ وتقديرٌ مُعقَّدٌ، هذا أمرٌ يَصعُبُ الخوضُ فيه لكنَّني سآخذكم في جولةٍ بين الآياتِ والأدعيةِ الشريفة، بين كلمات القُرآنِ وكلماتهم علَّنا نتلمَّسُ شيئاً يكشفُ لنا جانباً من الحقيقة.
حديثٌ آخر مرويٌّ عن رسول الله، مرويٌّ عن أمير المؤمنين، مرويٌّ عن إمامنا الصَّادقِ، مرويٌّ عنهم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، حديثٌ عجيبٌ: ( كُنْ لِمَا لَا تَرْجُو أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُو، فَإنَّ مُوسَى بنَ عِمْرَان خَرَجَ لِيَقْتَبِسَ لِأهْلِهِ نَارَاً فَرَجَعَ نَبِيَّاً مُرْسَلاً، فَرَجَعَ رَسُولاً نَبِيَّاً)، هذهِ الحكايةُ حكايةٌ دقيقةٌ، تصوَّروا المشهد معي؛ في ليلٍ حالكٍ إنَّها ليالي الشتاء الباردة، بردٌ شديد وظلامٌ حالك زوجةُ موسى جاءها الطَّلَق، كانت حاملاً وهو في طريقِ سفرهِ في طريقِ عودتهِ من بلادِ مَدْين عائداً إلى ديارِ أهله، إنَّها تحتاجُ إلى الدِّفء، تلفَّت يميناً شِمالاً وإذا بهِ يرى ناراً من بعيد، فتركَ أهلَهُ في مكانٍ كي ينتظروه وذهبَ باتجاه النَّارِ كي يقتبسَ منها قبساً ليعود بهِ إلى أُسرته، فلمَّا ذهبَ إلى النَّارِ وجدَ ما وجدَ موسى وعادَ موسى كليمَ الله، عادَ إلى أهلهِ رَسولاً نبيَّاً، النَّارُ كانت تبدو ناراً بحسبِ خشبة المسرح ولكن في الكواليسِ كانَ الأمرُ غير ذلك، هذا المضمونُ يأخذُ اتجاهاً آخر، مثلما الظَّالِمُ سَيفي يأخذُ اتجاهاً يختلفُ عن اتجاهِ حديثِ موسى بنِ عمران، لكنَّ الاتجاهاتِ هذهِ تلتقي في شبكةٍ واحدة إنَّها شبكةُ التقدير..
العنوان | الطول | روابط | البرنامج | المجموعة | الوثاق |
---|