كيف كان مهلك قوم صالح؟
  • طول المقطع : 00:17:36
وصف للمقطع

مقطع من برنامج [ قـرآنـهـم ] الحلقة ( 18 )
■ وقفة عند حديث الإمام الباقر في [تفسير البرهان: ج4]
عن أبي حمزة، عن إمامنا الباقر "صلواتُ الله عليه" قال: (إنّ رسول الله "صلّى الله عليه وآله" سأل جبرئيل: كيف كان مهلك قوم صالح؟ فقال: يا مُحمّد، إنّ صالحاً بُعث إلى قومهِ وهو ابنُ ستّ عشرة سنة، فلبثَ فيهم حتّى بلغ عشرين ومئة سنة، لا يجيبونه إلى خير، قال: وكان لهم سبعون صنماً يعبدونها مِن دون الله عزّ ذكره، فلمّا رأى ذلك منهم، قال: يا قوم، بعثتُ إليكم وأنا ابنُ ست عشرة سنة، وقد بلغت عشرين ومئة سنة، وأنا أعرض عليكم أمرين:
إن شئتم فاسألوني حتّى أسأل إلهي فيُجيبكم فيما سألتموني الساعة، وإن شئتم سألتُ آلهتكم، فإنْ أجابتني بالذي سألت خرجتُ عنكم، فقد سئمتكم وسئمتموني.
قالوا: لقد أنصفتَ يا صالح. فاتّعدوا اتفقوا على موعد ليوم يخرجون فيه، قال: فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم إلى أرض مفتوحة ، ثمّ قرّبوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا، فلمّا أن فرغوا دعوه، فقالوا: يا صالح اسأل الأصنام ، فقال لكبيرهم: ما اسم هذا الصنم الكبير ؟ قالوا:
فلان. فقال لهُ صالح: يا فلان، أجب. فلم يُجبه، فقال صالح: ما لهُ لا يُجيب؟ قالوا: ادعُ غَيره. فدعاها كُلّها بأسمائها فلم يُجبه منها شيء، فأقبلوا على أصنامهم، فقالوا لها: ما لكِ لا تُجيبين صالحاً؟ فلم تُجبْ.
فقالوا: تنح عنّا، ودعنا وآلهتنا ساعة. ثُمّ نحّوا بُسُطهم وفُرُشهم، ونحّوا ثيابهم، وتمرّغوا على التُراب، وطرحوا التراب على رؤوسهم، وقالوا لأصنامهم: لئن لم تُجبنَ صالحاً اليوم ليفضحُنا. قال: ثمّ دعوه فقالوا: يا صالح، ادعها. فدعاها فلم تُجبه.
فقال لهم: يا قوم، قد ذهبَ صدْر النهار أي أكثر النهار ولا أرى آلهتكم تُجيبُني، فاسألوني حتّى أدعو إلهي فيُجيبكم الساعة فانتدبَ لهُ منهم سبعون رجلاً من كبرائهم والمنظور إليهم منهم من سادتهم فقالوا: يا صالح، نحنُ نسألك، فإنْ أجابكَ ربّك اتّبعناك وأجبناك، ويبايعك جميعُ أهل قريتنا. فقال لهم صالح: سلوني ما شئتم. فقالوا: تقدّم بنا إلى هذا الجبل، وكان الجبل قريباً منهم، فانطلقَ معهم صالح، فلمّا انتهوا إلى الجبل، قالوا: يا صالح، ادعُ لنا ربّك يُخرج لنا مِن هذا الجبل الساعة ناقةً حمراء شقراء وبْراء عَشرْاء، بين جنبيها ميل، فقال لهم صالح: قد سألتموني شيئاً يعْظمُ عليّ ويهون على ربيّ جلّ وعزّ وتعالى.
قال: فسأل الله تبارك وتعالى صالح ذلك، فانصدعَ الجبل صَدْعاً كادتْ تطير منهُ عقولهم لمّا سمعوا ذلك، ثمّ اضطربَ ذلك الجبل اضطراباً شديداً كالمرأة إذا أخذها المَخاض، ثمّ لم يَفاجأهم إلّا رأسها قد طلع عليهم مِن ذلك الصدع، فما استتمّتْ رقبتها حتّى اجترّت، ثمّ خرجَ سائر جسدها، ثمّ استوتْ قائمةً على الأرض، فلمّا رأوا ذلك، قالوا: يا صالح، ما أسرعَ ما أجابك ربّك! ادعُ لنا ربّك يُخرج لنا فَصيلها، فسأل الله عزّ وجلّ، فرمتْ به، فدَبَّ حولها بدأ يتحرّك فصيلها حولها
فقال لهم: يا قوم، أ بقي شيء قالوا: لا. انطلقْ بنا إلى قَومنا نُخبرهم بما رأينا ويُؤمنون بك. قال: فرجعوا، فلم يبلغ السبعون إليهم حتّى ارتدَّ منهم أربعة وستون رجُلاً، قالوا: سِحْرٌ وكذب! قال: فانتهوا إلى الجميع، فقال الستّة: حقّ، وقال الجميع: كذبٌ وسِحْر، قال: فانصرفوا على ذلك ثمّ ارتاب مِن الستّة واحد، فكان فيمَن عَقَرها..)
● قولهِ (ناقةً حمراء شقراء وبْراء عَشرْاء) الناقةُ الحمراء هي الناقة التي في لونها ميلان إلى الاحمرار، وقولهِ (وبراء) أي كثيرة الوبر، وقوله (عشراء) تكون حاملاً مُقرباً أي في الشهر العاشر.. والناقة العشراء ناقة عزيزة عند أهلها.
وقد طلبوا هذا الطلب لأنّهم يَرون أنّ هذا الطلب أمراً مُستحيلاً. (مواصفات نادرة طلبوها)
● قوله (بين جنبيها ميل) أي أن تكون المسافة بين جنبها بمقدار ميل، يعني أنّ الناقة في حجمها كبيرة جدّاً وليس بعيداً على الله ذلك.. ولكن رُبّما هناك تغير وتصحيف في هذه الجملة.
● قولهِ (فما استتمّتْ رقبتها حتّى اجترّت) أي وكأنّها كانتْ موجودة هناك في داخل الجبل، فالاجترار هو عملية إعادة هضم للطعام.
● قول الرواية (حتّى ارتدَّ منهم أربعة وستون رجُلاً، قالوا: سِحْرٌ وكذب!) هذا الأمر كان يتكرّر على طول الخط مع نبيّنا ومع آل نبيّنا.. من هنا نجد هذا الترابط الوثيق فيما جرى بين أمّة هود وأمّة صالح.
أساساً كُلّ الأنبياء الذين ذُكروا في القرآن كانتْ أُممُهم قد كُلّفت بشكلٍ واضح بالاعتقاد بنبيّنا وآله.. صحيحٌ أن بني إسرائيل لهم الخصوصية الواضحة، ولكن كُلّ الأنبياء الذين ذُكروا في القرآن كانت رسالتهم مُرتبطة بنحوّ مُباشر مع محمّد وآل محمّد، وهكذا سائر الأنبياء. ولذا في رموز القرآن هناك ترابط بين هذه الأسماء وهذه الرموز والدلالات وبين منظومة محمّد وآل محمّد العقائدية الدينية.. وسيأتي بيان ذلك بالنحو الممكن.
● الذين تآمروا على عقر الناقة كان عددهم 9، فكان واحد من هؤلاء التسعة هو واحد من هؤلاء الستّة الذين شهدوا لِصالح وما رأوا من معجزة خروج الناقة من الجبل. (تقلّبات الدنيا، هكذا هم الناس، وهكذا سيرة الشيعة عِبر التأريخ).

المجموع :2701