﴿لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا﴾
وصف للمقطع

هناكَ حقيقةٌ تحدَّثت عنها سورة ق، في الآيةِ الثالثةِ والعشرين بعد البسملة: ﴿لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا﴾، نحنُ في غفلةٍ، هذهِ الغفلةُ فيها جانبٌ إيجابيٌّ وفيها جانبٌ سلبيٌّ؛

الجانبُ الإيجابيُّ؛ هذهِ الغفلةُ تُعيننا على أن نستمرَّ في حياتنا لأنَّنا إذا كُنَّا مُلتفتينَ ومُنتبهينَ إلى كُلِّ صغيرةٍ ودقيقةٍ من أمورنا لن نستطيعَ أن نستمرَّ في حياتنا الدنيويّة سنُعرِضُ عنها لأنَّنا سنلامسُ حقيقتها من أنَّها منتهيةٌ فلماذا كُلُّ الاهتمام هذا بها، هذهِ الغفلةُ تُعيننا أن نستمرَّ في حياتنا.

في كلماتِ أمير المؤمنين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه: "مِن أَنَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى جَعَلَ الحَمَاقَةَ جُزءَاً مِنْ تَكويِن الإِنْسَان وَلولا ذَلكَ لَمَا اسْتَطَاعَ الإِنْسَانُ أَن يَعِيْشَ فِي هَذِهِ الدُنْيَا"، لأنَّ الإنسانَ إذا كانَ عقلاً كاملاً حينئذٍ سَيُفكِّرُ في عواقبِ الأمور، والعقلُ الكاملُ، أتحدَّثُ عن عقلٍ كاملٍ بنحوٍ نسبيٍّ، نقولُ عنه عقلٌ كاملٌ بنحو المسامحةِ، بنحو التساهلِ في التعبير، بالقياسِ إلى ما هوَ دونهُ، فإذا كُنَّا على عقلٍ كاملٍ فإنَّنا سننظرُ في كُلِّ أمرٍ بحسبِ عاقبتهِ، وحينما لا نجدُ عاقبةً حقيقيَّةً لأيِّ أمرٍ فإنَّنا سَنُعرضُ عنه سنقومُ بإهمالهِ، فإذا ما نظرنا إلى شؤون الدنيا فإنَّنا لا نجدُ شأناً في الدنيا يستحقُّ الاهتمام، لكنَّ الحماقةَ الَّتي هي جزءٌ من تكويننا والغفلةَ الَّتي هي جزءٌ من إدراكنا تجعلنا ننظرُ إلى أمورٍ لا عاقبة لها من أنَّها مستديمةٌ.

الجانبُ السلبيُّ: أن نُغرِقَ معَ الغفلةِ أن نذهبَ بعيداً معها، إذا ذهبنا بعيداً معها الويلُ لنا، هذهِ الغفلةُ ستقودنا بعيداً عن إمامِ زماننا مثلما فعلت بمراجعِ النَّجفِ وكربلاء، لقد أخذتهم بعيداً عن إمامِ زماننا وغطسوا في ضلالهم حتَّى بعد أن عرفوا لا يريدون الخروج من ضلالهم تعلُّقاً بالمناصبِ والأموالِ وبما عندهم من الدنيا، هذهِ حقيقةٌ أتباعهم لا يعرفونها.

أعودُ إلى الآية: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، ما كنت تراهُ كان على خشبة المسرح، كانَ عليكَ أن تعرف من أنَّ الكواليس فيها ما فيها وليس هُناك من حلٍّ لنا إلَّا التَّسليم، ما هو الإسلامُ تعريفهُ في ثقافةِ العترةِ الطاهرة الإسلامُ هو التَّسليم، التَّسليمُ لِمَن؟ التَّسليمُ لإمامِ زماننا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، مَن أرادَ منكم أن يستكملَ الإيمانَ كُلَّ الإيمان هذهِ كلماتُ أئِمَّتنا؛ (مَن أَرَادَ مِنكُم أن يَستَكْمِلَ الإِيمَانَ كُلَّ الإِيمَان - فماذا يفعل؟ - فَلْيَقُل القَولُ مِنِّي مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد مَا بَلَغَني عَنْهُم وَمَا لَم يَبْلُغنِي - ما كان موجوداً على خشبةِ المسرح وما كانَ في الكواليس - مَا أَسَرُّوا وَمَا أَعْلَنُوا)، هكذا نُخاطبهم في زياراتهم: (إِنِّي مُؤْمِنٌ بِظَاهِرِكُم وَبَاطِنِكُم بِسرِّكُم وَعَلَانِيَتِكُم بِأَوَّلِكُم وَآخِرِكُم).

﴿لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا﴾، هذا الخطابُ يُوجَّهُ للإنسانِ متى؟ الآياتُ السابقةُ ترسِمُ لنا المشهد، الآيةُ التاسعةُ بعد العاشرةِ بعدَ البسملة من سورةِ ق وما بعدها: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ۞ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ۞ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيد ۞ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، ما كُنت تراهُ كان على خشبة المسرح، الحقيقةُ في الكواليس، والعلاجُ هو التَّسليمُ لإمامِ زماننا، التَّسليمُ التَّسليمُ التَّسليم.

المجموع :2701