لقطات من ظلم وفساد العباسيين
وصف للمقطع

"الظُلمُ والفَسادُ بِكُلِّ أنواعهما".

إذا أردتُ أن أتحدَّثَ عن العبَّاسيينَ القُدماء فليسَ هُناكَ مِن حديثٍ عنهُم إلَّا أن يكونَ عن الظُلمِ والفسادِ بكُلِّ أنواعِهما، والحالُ هُوَ هُوَ في العبَّاسيّينَ الجُدُد في النَّجفِ وفي بغداد، القذارةُ هي القذارة، والحقارةُ هي الحقارة بعينها تماماً.

سأأخذُ لَكُم لقطاتٍ مِن مَجموعةٍ مِن أُمَّهاتِ كُتُب التأريخ:

في (تأريخ الطبري)، لمحمّد بن جرير الطبري كتابٌ معروفٌ جِدَّاً، الجزءُ الرابع مِن طبعةِ دارِ صادر/ بيروت - لبنان/ بِمقدِّمة نوّاف الجراح/ صفحة (1503)، تسلسُل الصفحاتِ في هذهِ الطبعةِ متواصلٌ من بدايةِ الجُزء الأوَّلِ إلى نهايةِ الجُزء الأخير، أنا لا أريدُ أن أدخُلَ في التفاصيلِ الطويلة العريضة، إنَّما هي لقطاتٌ: "إبراهيمُ الإمام"، إبراهيمُ الإمام هذا هو إمامُ العبَّاسيّين، إنَّهُ إبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ بن عليٍّ بن عبد اللّه بن العبّاس، وهوَ أخٌ لأبي العبَّاس السَّفَّاح، وأخٌ للمنصور، أبو العبَّاس السَّفَّاح اسمهُ عبد اللّه، وأخوهُ المنصور اسمهُ عبدُ اللّه أيضاً، لكنَّ السَّفَّاحَ كانَ معروفاً بأبي العبَّاس بِكُنيتهِ، مِن أُمَّينِ مُختلفتين، أُمُّ السَّفَّاح هي غَيرُ أُمِّ المنصور، أمُّ المنصور معروفةُ هوايا حبّابة، كُلّش حبّابة أُمّهُ سَلّامة، ولِذا كانَ إمامُنا الصَّادِقُ يُكَنِّي المنصور في مجالسهِ الخاصَّة يُكَنِّيه؛ "بأبي سلّامة"، لأن هوايا حبّابة، ومرتبة ومُؤدّبة جِدَّاً، شِدَّةُ المنصورِ على العبَّاسيّينَ كانت لأنَّهُ كانَ يخافُ مِنهُم أنْ يُنْكِروا انتسابَهُ للعبَّاسيّين، أبو سلّامة إنَّهُ المنصورُ الدوانيقي لعنةُ اللّهِ عليه.

إبراهيم الإمام قُتل قبل أن تتأسَّسَ الدولةُ العبَّاسيَّة قَتَلَهُ مروانُ الحمار، كتابٌ بَعثَ بهِ إبراهيمُ الإمام إلى أبي مُسلم الخراساني في خراسان، ماذا جاء في مضمونِ هذا الكتاب؟ إبراهيمُ الإمام يطلبُ مِن أبي مُسلم الخُراساني إذا ما شَهَرَ السلاح واستطاعَ أن يقتُل، فماذا يفعل؟ أن يقتُلَ كُلَّ عربيٍّ في خُراسان، السَّببُ؛ "أنَّهُ عربيٌّ"، باعتبارِ أنَّ العربَ يُناصِرونَ الأمويّين، الدولةُ الأُمويَّةُ كانت دولةً قَوميَّةً تُنَاصِرُ القَوميَّة العربيّةَ، وترفعُ مِن العربِ على سائر الشعوبِ والقوميّات الأُخرى، (وأَمَرَهُ أنْ لا يَدَعَ بِخُراسانَ عربيَّاً إلَّا قَتَلَهُ)، أمرَ أبا مُسلم الخُراساني هذا إبراهيمُ الإمام. هذا وأبو مسلم لم يَبدأ لِحَدِّ الآن!! هذهِ مُخطَّطاتُهم، ألا لعنةُ اللّهِ عليهم، قُتِل إبراهيمُ الإمام قَتَلَهُ مروانُ الحمار فذهبَ إلى الجحيم.

لقطةٌ أخرى صفحة (1552)، من الجزء الرابع من تأريخ الطبري، إنَّهُ تأريخُ الأُمَمِ والملوك: وكانَ أبو مسلم قد قَتلَ في دَولتهِ وحُروبهِ ستَّ مئة ألف صبراً - إعدام، القتلُ صبراً ليسَ في المعارك وإنَّما يقومُ بإعدامهم لمجرَّدِ أن يَشُكَّ في أحد، لِمُجرَّدِ أن يكونَ عربيَّاً، لأيَّةِ تُهمةٍ، لَمَّا أرادَ المنصور أن يَقتُلهُ بعدَ أن غَدَرَ بأبي مسلم الخراساني، العبَّاسيّونَ غَدَرَةٌ فَجَرَةٌ لُعَنَاءُ فَسَقَةٌ أَنْجَاسٌ أَرْجاسٌ بتمامِ معاني هذهِ الكلمات، فَلَمَّا قالَ لَهُ: قتلتَ هذا العدد ستَّ مئة ألف صبراً لم يُنْكِر أبو مسلم الخراساني وإنَّما هكذا قالَ للمنصور: (ليسَ يُقَالُ هذا لي بعدَ بلائي وما كانَ مِنِّي)، لم يُنْكِر، هكذا أُسِّست دولتهم، وبعدَ ذلكَ فَتَكوا بالعَلَويّين فَتْكاً ذريعاً، المنصورُ تفنَّن بِطُرق التعذيب.

قرأتُ عليكم في الحلقةِ الماضية فيما يرتبطُ بالمجموعةِ الرّاونديّة الَّتي أَلَّهت المنصورَ الدوانيقي لعنةُ اللّهِ عليه، ومِن أنَّهُ كانَ يقولُ بشأنِ علاقتهِ الحَسنةِ مَعَهُم: (لأنْ يَكُونوا في معصيةِ اللّهِ وطاعتنا أَحبُّ إليَّ مِن أن يكونوا في طاعةِ اللّهِ ومعصيتنا)، قرأتُ هذا مِن (الحياةُ السياسيّةُ للإمام الرِّضا - دراسةٌ وتحليل)، للسيّد جعفر مرتضى العاملي، طبعةُ دار الأضواء / بيروت - لبنان/ الصفحةِ الثالثةِ بعدَ العاشرةِ بعدَ المئة، نقلها عن نُسخةٍ عِندهُ مِن تأريخ الطبري، النُسخةُ الَّتي عندي هكذا وَرَدَ فيها صفحة (1558)، مِن الجُزء الرابع مِن تأريخ الطبري من طبعةِ دار صادر/ بيروت - لبنان/ أبو بكر الهُذَلِي يقول: إِنِّي لواقفٌ ببابِ أمير المؤمنين - ببابِ المنصور - إذْ طَلعَ - طلعَ المنصور- فقالَ رجلٌ إلى جانبي: هذا رَبُّ العِزَّة - من المجموعة الرّاونديّة - هَذا هوَ الَّذي يُطْعِمُنا ويَسْقِينا، فَلمَّا رَجعَ أميرُ المؤمنين - رجعَ إلى قَصرهِ - ودخلَ عليهِ النَّاس دَخلتُ وخلا وجههُ - بإمكاني أن أتحدَّثَ معه - فَقُلتُ له: سمعتُ اليومَ عجباً وحَدَّثتهُ - بكلامِ هذا الرّاوندي - فَنَكَتَ فِي الأرض - "نَكَتَ في الأرض"؛ يعني أطرقَ ويبدو أنَّهُ كانَ بِيدهِ شيء خُيزرانة مثلاً أو أيُّ شَيءٍ آخر، ورُبَّما نَكَتَ بإصبعهِ إذا كانَ جالساً على الأرض لكنَّهُ في قَصرهِ، فهو جالسٌ على عرشهِ - وَقَالَ: يَا هُذَلي يُدْخِلُهم اللّه النَّارَ في طاعتنا - وهُناك كلمةٌ ليست واضحةً - أَحبُّ إِليّ مِن أنْ يُدخِلَهم الجنَّة بمعصيتِنا - هُناكَ فارقٌ في الألفاظِ وهذا راجعٌ إلى التحريفِ في الكُتُب، وإلى تَعدُّدِ النُسَخ، لأنَّ نُسَخ تأريخ الطبري نُقِلت عن تلامذتهِ ولم تُنْقَل عنهُ بشكلٍ مُباشر، وإنَّما النُسَخُ الَّتي بينَ أيدينا في المكتباتِ الآن نُسَخٌ في أصلها نُقِلت عن تلامذتهِ، فَهُوَ كانَ يقرأُ عليهِم وهم يكتبون، فيقعُ الاختلافُ في التعابير مِن نُسخةٍ إلى أخرى، هذهِ لقطاتٌ واضحةٌ تُحدِّثنا عن ظُلْمِهم وفَسادهم وجرائِمهم.

في كتاب (الكامل في التأريخ)، لابن الأثير المتوفّى سنة (630)، الجُزء الخامس، طبعةُ دار الكتب العلميّة، صفحة (410)، الحديثُ عن الأمين، عن الخليفة العبَّاسيّ الَّذي صارَ أميراً للمؤمنين بعدَ موتِ هارون وبحسبِ تخطيطِ هارون، أوَّلُ خليفةٍ للعبَّاسيّين أبو العبَّاس السَّفَّاح، جاء بعدهُ المنصور، بعدَ المنصور جاء المهديّ وهو ابنُ المنصور، ثُمَّ جاء الهادي، وبعدَ الهادي هارون، وبعدَ هارون جاءَ الأمين، هذا هو أميرُ المؤمنين، ماذا يقول ابنُ الأثير؟: لَمَّا مَلَكَ الأمين وكَاتَبَهُ المأمون - المأمون كانَ في خُراسان، الأمينُ في بغداد، وبحسبِ عهد الرشيد فإنَّ الخِلافة تكونُ للأمينِ وبعدَ ذلكَ تنتقلُ إلى المأمون إذا ما ماتَ الأمين - وأعطاهُ بيعتهُ - المأمون بايع الأمين، فماذا فعلَ الأمين في بغداد؟ - طلبَ الخصيان - طردَ النساء، القصرُ الَّذي كانَ خاصَّاً بالأمين طرد مِنهُ جميعَ النساء وجاء بالخصيان وبالصِّبيان، كانَ مَأبُوناً، وكانَ لَوَّاطاً يُلاطُ فِيهِ، ويلوطُ في صِبيانه - وأتباعَهم وغالى فيهم فَصيَّرهُم لخلوتهِ لَيلَهُ ونهاره وقُوَّامَ طعامهِ وشرابهِ وأَمرِهِ ونَهيهِ - جعلَ الأمرَ والنهيَ بِيَدِ هؤلاء - وفرضَ لَهُم فرضاً سَمَّاهم "الجراديا"، وفرضاً مِنَ الحِبشان سَمّاهم "الغرابيا"، ورفض النساء الحرائرَ والإماء حتَّى رَمى بِهنَّ - رمى بهنَّ بعيداً مِن قصره - وقِيلَ في الأشعار، فَمِمَّا قِيلَ فيه - مِن الأشعار الَّتي قِيلت في الأمينِ في ذلكَ الوقت:

أَلا يا أيُّها الْمَثوَى بطوسِ؛ الشاعِر يُخاطِب هارون باعتبار أنَّ هارون هو الَّذي نَصَّبَهُ خليفةً مِن بعدهِ، وهارون ماتَ في طوس دُفِنَ في طوس فهذا يُخاطِبُ قبرَ هارون. |  |
ألَا يا أيُّها الْمَثْوَى بِطُوسِ |  | عَزِيباً مَا تَفَادى بالنُّفُوسِ
العَزِيبُ: هو هذا الأمينُ الَّذي لا يُريدُ النساء ولا يُريدُ إلَّا اللواط، يَلُوطونَ بهِ ويَلُوطُ بِهم. |  |
لَقد أَبقَيتَ للخصيانِ هِقْلاً..الهِقْلُ: هُوَ ذَكَرُ النَّعَام.وفي تأريخِ الطبري جاء: لَقَد أَبْقيتَ للخصيانِ بَعْلاً.. |  |
لَقد أَبقَيتَ للخصيانِ هِقْلاً |  | يُحَمِّلُ مِنهُمُ شُؤمَ البَسُوسِ
فَأَمَّا نَوْفَلُ - هؤلاء هُم الخصيان - فالشأنُ فيه..وفي بدرٍ - وهذا غُلامٌ آخر - فَيا لَكَ مِن جَليسِ..وما لِلْمِعْصَمِيّ شَيءٌ؛ هذهِ أسماؤهم وأنْسَابُهم وألقابُهم. |  |
وما لِلْمِعْصَمِيّ شَيءٌ لَديهِ |  | إذا ذُكِروا بذي سهمٍ خَسيسِ
وما حَسَنُ الصغيرُ أخسُّ حالاً |  | لديهِ عِندَ مُخترَق الكُؤوسِ
لَهُم مِن عُمرهِ شطرٌ وشطرٌ؛ مِن عُمر الخليفةِ كُلُّ الوقتِ لَهُم. |  |
لَهُم مِن عُمرهِ شطرٌ وشطرٌ |  | يُعاقِرُ فيهِ شُرْبَ الخندريسِ
الخندريسُ؛ هي الخمرُ المعتَّقة، الخمرُ القديمة. |  |
وما للغانياتِ؛ الغانياتُ النساءُ الجميلات. |  |
وما للغانياتِ لَديه حَظٌّ سِوى |  | سوى التَّقطيب والوجه العَبُوسِ
إذا كانَ الرئيس؛ الخليفةُ. |  |
إذا كانَ الرئيسُ كذا سَقِيماً |  | فكيفَ صلاحُنا بعدَ الرئيسِ
فلو عَلِمَ الـمُقِيمُ بدارِ طُوسٍ |  | لعزَّ على الْمُقيمِ بدارِ طُوسِ
رُبَّما يُخاطِب هارون ورُبَّما يُخاطِبُ المأمون.

الأمينُ هكذا يتحدَّثُ التأريخُ عنه: ثُمَّ وَجَّه إلى جميع البُلدان في طلبِ الْمُلهِين - الَّذين يلهونهُ بأغانيهم وفي بعض الأحيان بِنُكتهم وطرائفِ كلامِهم، وفي أحيانٍ أخرى بِضُراطهم ففي حاشية الخُلفاءِ كانَ المضرِّطونَ لهم منزلة، هؤلاء يُضرِّطونَ في مجالس الخُلفاء لأجلِ أن يضحكَ أميرُ المؤمنين - وَضَمَّهُم إليه وأجرى عليهم الأرزاق واحتجبَ عن أخوَيه وأهلِ بَيتهِ واستخفَّ بِهِم وبِقُوَّادِهِ وقَسَّمَ ما في بُيوت الأموال وما بحضرتهِ مِنَ الجواهر في خصيانهِ وجُلسائهِ ومُحدِّثيه، وأمرَ ببناءِ مجالس لِمُتنزهاتهِ وموضعِ خَلواتهِ ولهوهِ ولَعِبه - هذا هو أمير المؤمنين.

في كتاب (الأغاني)، لأبي الفرج الأصفهاني، المتوفّى سنة (356) للهجرة، إسحاق الموصلي يتحدَّث عن أيَّام الخليفة الهادي يقول، إسحاق الموصلي مُغنّي معروف، يقول: لو عاشَ لنا الهادي لَبنينا حيطانَ دُورِنا - يتحدَّث عن المغنينَ والراقصينَ والْمُلهِين والسَّاخِرينَ والمضرِّطينَ - بالذهبِ والفِضّة - هكذا كانت تجري الأمور.

المجموع :2701

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق