مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد أصلُ الطَّهارةِ
وصف للمقطع

الأمرُ الثاني: المعصومُ أتحدَّثُ عن مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ صلواتُ اللّهِ عليهم، المعصومُ لا ينفعلُ بالنَّجاسة، لا تؤثـﱢـرُ النَّجاسةُ فيه، تستغربونَ من ذلك!! الماءُ الكثيرُ لا ينفعلُ بالنَّجاسة، وماذا يُقالُ لَهُ في الاصطلاحاتِ الدﱢينيَّة؟ يُقالُ لهُ من أنَّهُ ماءٌ مُعتَصِمٌ، ما هو الماءُ الـمُعتَصِم؟ هو الماءُ الكثيرُ الَّذي لا ينفعِلُ بالنَّجاسة كماء النَّهرِ مثلاً، كماء المطر الغزير، الماءُ الكثير، تُصدﱢقونَ هذا وتقبلونَهُ، ولا تقبلونَ هذا للإمام المعصومِ الَّذي هُو أصلُ الطهارةِ في الوجود؟!

في سورةِ الفرقان، الآيةِ الثامنةِ والأربعين بعدَ البسملة: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرﱢيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً - لِماذا أنزلناهُ؟ - لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً﴾، الأنَاسِيُّ هُم النَّاس، إذاً هذا الماء الطهورُ لحاجةِ هؤلاء، لِماذا قِيلَ لَهُ بأنَّهُ طهورٌ؟ ماءُ المطرِ وُصِفَ بهذا الوصف لِماذا هو طهورٌ لِماذا هذا الماء جاء وصفهُ بالطَّهوريَّة؟ طهور فعُول، وفعول صيغةُ مُبالغة، الماءُ حينما يكونُ طاهراً فهُو طاهر، هو طاهرٌ إذا لم يكن طاهراً فإنَّهُ نجس ولا توجدُ مراتبُ في الطهارةِ الماديَّة، المراتبُ موجودةٌ في الطهارةِ المعنويَّة، في طهارة الأرواح، في طهارة القُلُوب، في طهارة النُّفُوس هُناكَ المراتبُ الكثيرةُ الَّتي لها أوَّلُ وليسَ لها آخر، الطهارةُ الماديَّةُ هي مرتبةٌ واحدة؛ الماء إمَّا أن يكونَ طاهراً وإمَّا أن يكونَ نجساً وانتهينا، فلِماذا جاء وصفهُ بأنَّهُ طَهُورٌ؟ طَهُورٌ يعني طاهراً وطاهراً وطاهراً هذا هو المراد من الطهور هُناكَ مُضاعفةٌ في الطهارة..

المراتبُ في الطهارةِ المعنويَّة فما معنى الطهوريَّةِ هُنا؟

النَّظرُ إلى هاتين الحيثيّتين؛

- إلى الحيثيَّةِ الأولى: مِن أنَّ الماء يُطهِّرُ غَيرَهُ ويُطهِّرُ نَفسَهُ.

- والحيثيَّةُ الثانية: مِن أنَّ الماء الكثيرَ لا ينفعِلُ بالنَّجاسة لا تؤثـﱢـرُ النَّجاسةُ عليه.

من هُنا جاءت طهوريَّةُ الماء وكُلُّ هذا لأجلِ هذهِ الغايات: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً﴾، هذا الكلامُ تقبلونهُ في أنَّ الماء لا ينفعِلُ بالنَّجاسةِ، وما قيمةُ الماءِ إذا أردنا أن نُقايسهُ بالمعصومِ صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه؟! نحنُ نُخاطِبهُم في الزﱢيارةِ الجامعةِ الكبيرة: (وَذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لَكُم)، فكيفَ ينفعِلُ المعصومُ حينئذٍ بالنَّجاسة وقد ذلَّت النَّجاسةُ لهُ؟! 

آيةُ التطهيرِ واضحةٌ في هذا المعنى، الآيةُ الثالثةُ والثلاثون بعدَ البسملةِ من سورة الأحزاب: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرﱢجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهـﱢـرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، دَقـﱢـقوا النَّظرَ في أنَّ الماء وُصِفَ بأنَّهُ طهورٌ يعني أنَّهُ طاهرٌ وطاهر، الطاهرُ الأولى معروفةٌ، الطاهرُ الثانية أشرتُ إليها من أنَّ الماء يُطهـﱢـرُ غيرَهُ ويُطهـﱢـرُ نفسَهُ ومن أنَّهُ في حالةِ كثرتهِ لا ينفعِلُ بالنَّجاسة حينما تُلاقيه النَّجاسة، الآيةُ هُنا تقول: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرﱢجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، هذا الرﱢجسُ كيفَ نعرفهُ؟

في سورةِ التوبة، الآيةِ الخامسةِ والعشرين بعدَ المئة: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾، هذا الرﱢجسُ المعنوي، الآيةُ واضحةٌ في هذا، أمراضُ القُلُوبِ معنويَّةٌ وليست ماديَّةً، نحنُ لا نتحدَّثُ عن القلبِ الَّذي هو عضلةٌ في الصدر، نحنُ نتحدَّثُ عن القلب الَّذي هو مركزُ الإدراك ومركزُ العواطفِ ومركزُ الوجدان، الآيةُ تتحدَّثُ عن الرﱢجسِ بِكُلﱢ معانيه، هذا نوعٌ من أنواع الرﱢجس، وماذا بعد؟

في سورةِ المائدة، الآيةِ التسعين بعدَ البسملةِ والَّتي بعدَها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مـﱢـنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۞إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾، الآيةُ هُنا تتحدَّثُ عن رجسٍ مُشتركٍ ما بينَ الرﱢجس المادّي والرﱢجس المعنوي:

الخمرُ جهةٌ فيهِ رجسٌ ماديٌّ مادَّةٌ نجسة، وجهةٌ فيهِ رجسٌ معنويٌّ، والميسرُ كذلكَ رِجسٌ ماديٌّ ومعنويٌّ، والأنصابُ كذلك ما يُذبَحُ على الأنصابِ لغيرِ اللّه، والأزلامُ كذلك نوعٌ من أنواع المقامرةِ في العصر الجاهلي بخصوص الذبائح، فهذهِ العناوين فيها جنبةٌ رجسيَّةٌ ماديَّةٌ، وفيها جنبةٌ رجسيَّةٌ معنويَّةٌ، هذا صِنفٌ آخر من أصناف الرﱢجس..

في سورة الأنعام، الآيةَ الخامسةَ والأربعين بعدَ المئةِ بعدَ البسملةِ تُحدﱢثُنا عن رِجسٍ مادّيﱟ: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾، نجاساتٌ ماديَّةٌ ومن هُنا فإنَّ الآية صريحةٌ في طهارةِ دمِ المعصوم، لأنَّ المعصومَ مُنزَّهٌ من قِبلِ اللّهِ سُبحانَهُ وتعالى عن كُلِّ رِجسٍ بحسبِ آية التطهير - أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ﴾، هذا فِسقٌ مادّيٌّ، وفيهِ جِهةٌ معنويَّةٌ بلحاظِ إذا ما قدَّموا الذبائحَ لغيرِ اللّه، لكنَّ الآية تتحدَّثُ بشكلٍ خاص عن طعامٍ يُستطعَم، "أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ"؛ هذهِ جنبةٌ معنويَّةٌ تُمازجُ الجنبة الماديَّة..

ماذا تقولُ آيةُ التطهير؟ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرﱢجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، إنَّهُ يُذْهِبُ عنهُم وأذهَبَ عنهُم كُلَّ أنواع الرﱢجس، ما كانَ معنويَّاً صِرفاً، ما كانَ ماديَّاً صِرفاً، وما كانَ مُختلطاً في جهاتهِ وآثارهِ وانفعالاتهِ وفاعليَّتهِ في جنبةِ الرﱢجس المادّيّ وفي جنبةِ الرﱢجس المعنوي، ذواتٌ مُنزَّهةٌ عن كُلﱢ ذلك، هذهِ الألف واللام في الرﱢجس لاستيعابِ كُلﱢ أنواع الرﱢجس، وكُلُّ أنواع الرﱢجس تحدَّثَ عنها القُرآن، وماذا بعد؟ - وَيُطَهـﱢـرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، الفعلُ هُنا مُشدَّدٌ ما قالت الآيةُ ويُطْهِرَكُم! هذا مفعولٌ مطلق من نفسِ لفظ الفِعل يعني أنَّ الفِعلَ قد تكرَّرَ ثلاثَ مرَّات، جاءَ الفِعلُ مُشدَّداً عمليَّةُ تطهيرٍ أولى، وعمليَّةُ تطهيرٍ ثانية، وجاء المفعولُ المطلق لتوكيدِ مضمون الفِعل هذهِ عمليَّةُ تطهيرٍ ثالثة..

جزءٌ من مضمونها أنَّهُ لا ينفعِلُ بالنَّجاسات، النَّجاساتُ إذا ما اصطدمت بهِ ستكتسبُ الطهارةَ، طهارةٌ أولى لذواتهم، وطهارةٌ ثانيةٌ لصفاتِهِم، وطهارةٌ ثالثةٌ لأفعالِهم، وهذهِ الطهاراتُ هي فوقَ الطهارة الَّتي تحدَّثت الآيةُ في أوَّلِها عنها، إذهابٌ للرﱢجسِ عن ذواتهِم وعن صفاتِهم وعن أفعالهِم وآثارِهم وهُنا اكتملت طهارتُهُم.

أمَّا معاني الطهارةِ في قول الآيةِ: ﴿وَيُطَهـﱢـرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، تسامٍ في درجات الطهارةِ لا نستطيعُ أن نتصوَّرَهُ، بعبارةٍ أخرى طهارتهم هي طهارةُ اللّه وهذا ما نقرؤه في دُعاء شهرِ رجب المروي عن إمامِ زماننا صلواتُ اللّهِ وسلامهُ عليه: (لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا - بَيْنَكَ وَبَينَ حَقائقِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد - إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك)، لأنَّهم وجههُ، لأنَّهُم المرآة الَّتي تجلَّى اللّهُ فيها، هم مرآةُ اللّه، فطهارتُهم طهارةُ اللّه، وعِصمَتُهم عِصمةُ اللّه، ذواتٌ تتأبَّى عن كُلﱢ رِجسٍ وعن كُلﱢ نقصٍ، ولذا فهذهِ الذواتُ لا تنفعلُ بالنَّجاسةِ..

المجموع :2701