مسرح التقدير ودعاء أبي حمزة الثمالي
وصف للمقطع

في دُعاءِ أبي حمزة الثُّمالي الَّذي رواهُ عن إمامنا زين العباد صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه في أوَّل الدُّعاء الشريف: إِلَهِي لَا تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِك - إنَّها العقوبةُ الظاهرة على خشبةِ مسرح التقدير - وَلَا تَمْكُر بِي فِي حِيْلَتِك - إنَّها كواليسُ مسرح التقدير، المكرُ يكونُ في الخفاء - مِن أَيْنَ لِي الخَيْرُ يَا رَبِّ وَلَا يُوجَدُ إِلَّا مِن عِنْدِك، وَمِن أَيْنَ لِيَ النَّجَاةُ وَلَا تُسْتَطَاعُ إِلَّا بِكَ، لَا الَّذي أَحْسَنَ اسْتغنَى عَن عَونِكَ وَرَحْمَتِك، ولا الَّذي أَسَاءَ وَاجْتَرَأ عَلَيك وَلَم يُرْضِكَ خَرَج عَن قُدْرَتِك.

كُلُّ الأدعيةِ تلاحظونَ أنَّ خُيوطها نُسجت وفقاً لحقيقةِ ارتباطِ التشريعِ بالتكوين، إنَّهُ ارتباطٌ مِفصليٌّ لا نستطيعُ أن نُفَكِّك بينهما بين التشريعِ والتكوين، كُلُّ الأدعيةِ نُسجت خُيوطها وفقاً لهذا النظام، وحينما يأتي الحديثُ عن التقدير فَكُلُّ الأدعيةِ تتحدَّثُ عن تقديرٍ ظاهرٍ على خشبةِ مسرحِ التقدير وعن حقيقةٍ خفيَّةٍ في كواليسِ مسرح التقدير والعاقبة هناك، ولذا فإنَّ الأدعية تحاولُ أن تجعل الإنسانَ قادراً على تجاوزِ ما يظهرُ على خشبةِ مسرح التقدير كي يُحصِّلَ المعونةَ، كي يُحصِّلَ اللُّطفَ لدفعِ ما يجري في الكواليس، من هُنا كان قانون الدُّعاء هكذا يقول: (مِن أنَّ الدُّعاء - قطعاً بحقائقهِ - يردُّ القضاءَ ولو أُبرِم إبراماً)، كُلُّ الأدعيةِ مدارها هذا المدار، لن تجدوا دُعاءً في منظومةِ أدعيةِ العترةِ الطاهرة ليسَ مُهندساً ومُنظَّماً وفقاً لهذهِ الحقائق الَّتي أشرتُ إليها ولو بنحوٍ إجمالي.

ويستمرُّ الدُّعاءُ بنفسِ هذهِ القواعدِ والقوانين وفي ضوءِ هذا الذَّوقِ والطعمِ الوجداني الَّذي يجمعُ بينَ اللذَّةِ والألم، يجمعُ بين الحلاوةِ والمرارةِ بطريقةٍ سحريَّةٍ لا يُماثلها تعبيرٌ أدبيٌّ لا في لُغةِ الضادِ ولا في أيِّ لُغةٍ أخرى، إنَّها هندسةُ أدعيةِ العترة الطاهرة الَّتي صَدقَ من قالَ عنها: إنَّها قُرآنٌ صاعدٌ.

- هُناكَ قُرآنٌ نازلٌ؛ هو في المصحف.

- وهُناك قرآنٌ صاعدٌ؛ إنَّها الأدعيةُ الَّتي علَّمنا إيَّاها مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين.

في دُعاءٍ مرويٍّ عن سَيِّد الشُّهداء من أدعيةِ يومِ عرفة، دُعاءُ سَيِّد الشُّهداءِ في يوم عرفة الدُّعاءُ المرويُّ عنه - هُناكَ نصٌّ مُضافٌ إلى هذا الدُّعاء، من (مفاتيح الجنان)، ماذا جاء في هذا الدُّعاءِ المشحونِ بالإشاراتِ والتلويحاتِ والتلميحاتِ في أعمقِ معانيها؟ هكذا نقرأ في هذا الدُّعاء: إِلَهِي إِلَهِي أَنَا الفَقِيرُ فِي غِنَاي - هذهِ صورةٌ على خشبة المسرح - فَكَيْفَ لَا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْري - هذهِ حقيقتي في الكواليس - إِلَهِي أَنَا الجَاهِلُ فِي عِلْمِي - وأنا على خشبةِ المسرح أتباهى بعلمي - فَكَيْفَ لَا أَكُونُ جَهُولَاً فِي جَهْلِي، إِلَهِي إِنَّ اخْتِلَافَ تَدْبِيرك وَسُرْعَة طَوَاءِ مَقَادِيرِك مَنَعَا عِبَادَكَ العَارِفِينَ بِك عَن السُّكُونِ إِلَى عَطَاء، وَاليَأسِ مِنْكَ فِي بَلَاء - ماذا أقولُ عن هذهِ الكلمات؟ هذهِ الكلماتُ بحرٌ مُتلاطمُ الأمواج في معانيها ودقيقِ أسرارها.

إلى أن يقول الدعاء: هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْك، وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِمَا هُو مَحَالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْك (بِمَا هُو مَحَالٌ) (بِمَا هُو مُحَالٌ) أَنْ يَصِلَ إِلَيْك، أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حَالِي وَهُو لَا يَخْفَى عَلَيْك - هذهِ العبارةُ عجيبةٌ: أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقَالِي وَهُو مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْك، أَمْ كَيْفَ لَا تُحْسِنُ أَحْوَالِي وَبِكَ قَامَت.

- "أَمْ كَيْفَ لَا تُحْسِنُ أَحْوَالي"؛ على خشبة المسرح.

- "وَبِكَ قَامَت"؛ في الكواليس.

- "أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقَالِي"؛ على خشبة المسرح.

- "وَهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْكَ"؛ في الكواليس.

أنا لستُ مُرتاحاً لاستعمالِ هذهِ التعابير؛ أن أستعمل خشبة المسرح وأن استعمل الكواليس وأنا أتحدَّثُ عن هذهِ الأدعيةِ العظيمة، لكنَّني ماذا أفعلُ كي أُقرِّب لكم الفكرة والصورة؟!!

المجموع :2701