منهجية المذهب الطوسي في التفسير بخصوص النَّسْخ في القُرآن
وصف للمقطع

في الصفحةِ الثالثةِ بعدَ العاشرة وهو يتحدَّثُ عن النَّسْخِ في القُرآن، عن النَّاسِخِ والمنسوخ ماذا يقول؟ هذا هو الَّذي يتبنَّاه، يقول: ولا يخلو النَّسخُ في القًرآن من أقسامٍ ثلاثة؛ أحَدُها نَسخُ حُكْمهِ دُونَ لفظهِ، كآية العِدَّةِ في المتوفّى عنها زوجُها المتضمّنة للسَّنة، فإنَّ الحُكْمُ مَنسوخٌ والتلاوةُ باقية - يُشيرُ إلى الآيةِ الأربعين بعدَ المئتين بعدَ البسملة من سورة البقرة: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، ففترةُ العِدَّة هُنا للمتوفّى زوجُها تمتدُّ إلى سنة، الحَوْل سنةٌ قَمَريَّةٌ كاملة هو هذا الحَوْل، هذهِ نُسِخت بالآية الَّتي جاء ترتيبُها في الرابعةِ والثلاثين بعدَ المئتين بعدَ البسملة، أليسَ يُفترَض أنَّ هذهِ الآية يكونُ ترتيبها بعدَ تِلكَ الآية لأنَّها ناسِخةٌ وتِلكَ مَنسوخةٌ؟! المنسوخة وضعوها برقم (240) والنَّاسخةُ وضعوها برقم (234)، هذا هو الَّذي اعترَضَ عليهِ قبلَ قليلٍ الطوسي وقالَ: "مِن أنَّ قَوماً قالوا مِن أنَّ مَواضِع الآياتِ قد تغيَّرت" وهُو رفضَ ذَلك، هذا دليلٌ واضحٌ؛ لِماذا جاءت الآيةُ النَّاسِخةُ قبلَ المنسوخة؟! الآيةُ النَّاسخة: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، فتحولَّت عِدَّةُ الَّتي توفّى زوجها مِن حولٍ مِن سنةٍ قَمَريَّةٍ كاملة إلى أربعةِ أشهرٍ وعشرةِ أيَّام، فهذهِ الآيةُ ناسخةٌ للآيةِ المتقدِّمة، ولكنَّ الآيةَ المنسوخةَ بَقيت تُتلى، هذا النَّوعُ الأوَّل مِن النَّسخ.

- وكآية النجوى - أنْ يدفعوا صدقةً حينما يُريدونَ أن يزوروا رسول اللّه يُريدونَ أن يُناجوا رسولَ اللّه - وآيةِ وجوبِ ثبات الواحدِ للعشرة - في القتال في الجهاد - فإنَّ الحُكمَ مُرتفعٌ والتلاوةَ باقية، وهذا يُبْطِلُ قولَ مَن مَنعَ جوازَ النَّسخِ في القُرآن لأنَّ الموجودَ بخِلافه - هذا النوع الأوَّل وهذا معروفٌ ويقولُ بهِ الشيعةُ والسُنَّة على حدٍّ سواء، آياتٌ في القُرآنِ تُتلى إلى اليوم لكنَّ حُكمُها قد نُسِخ.

والثاني؛ ما نُسِخ لَفظهُ دُون حُكمهِ - الحُكمُ باقٍ واللفظُ قد نُسِخ، وهذا لا علاقة لهُ بدين العترةِ الطاهرة، هذا يقولهُ النَّواصب، هذا نحنُ لا نقولُ بهِ في دين العترة الطاهرة، أمَّا في الـمَذْهَب الصوفي فهذا موجود - ما نُسِخ لَفظهُ دُونَ حُكمهِ كآية "الرَّجم"، فإنَّ وُجوبَ الرَّجم على الـمُحصنَة لا خِلافَ فِيه والآيةُ الَّتي كانت مُتضمنةً لهُ مَنسوخةٌ بلا خِلاف - بلا خِلاف عِندَ النَّواصب وليسَ عندَ أهل البيت، صحيحٌ عندَنا رواياتٌ بهذا الخصوص لكنَّها جاءت بلسان التقيَّة، هذهِ الآيةُ الَّتي افتراها عُمَر - وهِي قَولهُ - قولُ اللّه، هكذا يقول الطوسي - "والشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زنيا فَارجمُوهما البَتَّة فإنَّهُمَا قَضيا الشهوةَ جَزاءً بِما كَسبا نَكالاً مِن اللّه وَاللّهُ عزيزٌ حكيم" - باللّهِ عليكم هذا تعبيرٌ قرآني؟! الَّذينَ يَمتلكونَ ذوقاً بلاغيّاً وأدبيّاً هذا تعبيرٌ قرآني؟! هُو يقول هذهِ آيةٌ كانت في القُرآن لكنَّها نُسِخت لَفظاً، أمَّا الحُكم فَهُو باقٍ، نحنُ في ثقافةِ العترةِ الطاهرة نَعرِفُها هذهِ الآيةُ الَّتي افتراها عُمَرُ بنُ الخطَّاب..

ثُمَّ هُو يَقول الأمرُ يتعلَّق برجم الـمُحصنة، لم يأتي ذِكرٌ للمُحصَنة، جاءَ الحديثُ عن "الشَّيخِ والشَّيخة"، فَمن قالَ أنَّ الشَّيخَ مُحْصَنٌ ومِن قالَ أنَّ الشَّيخةَ مُحْصَنَةٌ؟ الإحصانُ لهُ تَعريفٌ: الإحصانُ بالنسبةِ للرجلِ وبالنسبةِ للمرأة أن يكونَ الرجلُ مُتمكِّناً مِن مُضاجعةِ زوجتهِ صباحَ مساء ليسَ هُناكَ مِن حاجزٍ يحجزهُ، مثلاً لم تَكُن زوجتهُ قد خاصمتهُ وذهبت إلى بيتِ أهلها، أو أنَّ زوجتهُ كانت مريضةً ولا يستطيعُ أن يقتربَ مِنها، أو أنَّ زوجتهُ كانت مُسافرةً أو أنَّها تقضي أكثرَ أوقاتها في عملِها الخاص، وكذلكَ بالنسبةِ للزوجةِ إذا لم تَكُن مُتمكّنةً مِن زوجها صباحَ مساء فهي ليست مُحْصَنة، ولِذا مِن الصعوبةِ أن يُقام حَدُّ الرَّجم، غريبٌ أن يُقامَ حدُّ الرَّجمِ في زماننا فإنَّ شرائطَ الإحصانِ ليست مُتوفِّرةً، يُشترطُ في الإحصانِ أن يكونَ التمكُّنُ حاصلاً في كُلِّ يوم، هذا موضوعٌ خارجٌ عن بحثنا.

أذهبُ إلى النوع الثالثِ مِن النَّسخ وهو أيضاً عِندَ النَّواصب وليسَ عِندَنا، النَّسخُ الَّذي عِندَنا هُو الأوَّلُ فقط - الثالث - الثالثُ مِن النَّسخ - ما نُسِخَ لَفظُه وحُكْمهُ وذَلِكَ نَحو ما رواهُ المخالِفونَ مِن عائشة أو عن عائشة؛ "أنَّهُ كانَ فِيما أنزلَ اللّه أنَّ عَشرَ رضعاتٍ تُحَرِّمن ونُسِخَ ذَلِكَ بخمس عشرة"، فَنُسِخت التلاوةُ والحُكْم، وأمَّا الكلامُ في شرائط النَّسخِ فما يصحُّ مِنها وما لا يَصح - إلى آخرهِ، أنا لا أريدُ أن أقولَ مِن أنَّ الطوسيَّ سُنيٌّ بالـمُطلق، فإنَّني أقولُ مِن أنَّ الطوسيَّ شِيعيٌّ في أصلهِ المجتمعي، لكنَّهُ دَرَسَ عِندَ الشَّوافع وتأثَّرَ بِهم، وبعدَ ذلكَ وقعَ في أحضانِ الشريف المرتضى الَّذي أوقعهُ في أحضان العبّاسيّين وأُشْبِعَ بالفِكر الإعتزالي الَّذي كانَ فِكراً شائعاً..

المجموع :2701