وَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ الفَرَج
وصف للمقطع

ماذا نقرأُ في أهمِّ توقيعٍ وردنا من النَّاحيةِ المقدَّسة زمانَ السَّفيرِ الثَّاني رضوان الله تعالى عليه، العَمْرِي الثَّاني؟ أنا أقرأ عليكم من المصدر الأصل لهذا التوقيع من (كمال الدين وتمام النعمة) للصَّدوق، الطبعةُ الَّتي أشرتُ إليها قبل قليل، التوقيعُ يبدأُ نَصّهُ من صفحة (510) وأنا أقرأ من صفحة (512)، الإمام بخطِّ يدهِ كَتَبَ هذا التوقيع، من جُملةِ ما جاء في هذا التوقيع الشريف: وَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ الفَرَج - هذا أمرٌ من الإمام، لا يستطيعُ أحدٌ أن يقولَ مِن أنَّ هذا الأمر ليس في حدِّ الوجوب، هذا أمرٌ في حدِّ الوجوب - فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُم - أمرٌ صريحٌ ولابُدَّ أن نفهم حديثهم وفقاً لمعاريضِ كلامهم، فإنَّهم حينما يأمروننا بالدعاء إنَّهم يأمروننا بالعملِ الَّذي يكونُ من سِنخِ ذلكَ الدعاء، لأنَّ الدُعاءَ من دون عملٍ كما هم يقولون كما علَّمونا كالقوسِ بلا وتر، القوسُ بلا وتر هل يعمل؟ هل يستطيعُ الرَّامي أن يرمي سهماً بقوسٍ ليس لهُ وتر؟ كيف يكونُ ذلك؟!

إمامنا السجَّادُ يقول لأبي خالدٍ الكابلي وهو من الَّذين استثنوا من ارتدادِ الأُمَّةِ بعد عاشوراء، إنَّهُ من خواصِّ إمامنا السجَّادِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، حديثٌ طويلٌ يبدأ من صفحة (351)، من نفسِ المصدر إنَّهُ كمال الدين وتمامُ النعمة، صفحة (353) من نفس الحديث، هذا المقطعُ دائماً أُكرِّرهُ لأهميَّتهِ، إمامنا السجَّادُ يقول لأبي خالدٍ الكابلي: يَا أَبَا خَالِد، إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ - غَيْبَةِ الحُجَّةِ بنِ الحسن - القَائِلِيْنَ بِإِمَامَتِهِ - القَائِلِينَ يعني المعتقدينَ بإمامتهِ - وَالْمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَان - لماذا؟ - لأنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْطَاهُم مِنَ العُقُولِ وَالأَفْهَام وَالْمَعْرِفةِ مَا صَارَت بِهِ الغَيْبَةُ عِنْدَهُم بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاهَدَة - اللهُ سبحانه وتعالى لا يُعطي عقولاً وأفهاماً ومعرفةً إلى هذا المستوى الَّذي تتحوَّلُ بهِ الغَيْبَةُ عندَ هؤلاء بمنزلة المشاهدة إلَّا أن يكونوا قد أخلصوا لله سُبحانه وتعالى، فهذهِ العقولُ والأفهامُ والمعرفةُ هي الحكمةُ (مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحَاً تَفَجَّرَت يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِه)، والإخلاصُ للهِ هُوَ الإخلاصُ لإمامِ زماننا لأنَّهُ هُوَ وجهُ الله، الإخلاصُ للهِ هو هذا المعنى الَّذي يتحدَّثُ عنه دُعاءُ الندبةِ الشريف: (أَيْنَ وَجْهُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ الأَوْلِيَاء)، توجُّهُ الأولياءِ إلى وجهِ الله هو هذا الإخلاص - وَجَعَلَهُم فِي ذَلِكَ الزَّمَان بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِيْنَ بَيْنَ يَدَي رَسُوْلِ اللهِ بِالسَّيْف - هم لا يحملون سيفاً، جعلهم بمنزلة المجاهدين، لماذا؟ لأنَّهم في عملٍ متواصلٍ، مثلما أمرهم إمامهم الحُجَّةُ بنُ الحسن في توقيعِ إسحاق بن يعقوب، أمرَهُم من أن يُكثروا من دُعائِهم لتعجيلِ الفرج، وهذا الإكثارُ من الدعاء هو أمرٌ بحسبِ معاريضِ كلامهم، هو أمرٌ بالإكثارِ من العمل، وهذهِ نتائجُ العمل - أُوْلَئِكَ الْمُخْلِصُوْنَ حَقَّاً - المخْلِصُونَ الَّذين تفَجَّرت ينابيعُ الحكمةِ من قُلوبهم على ألسنتهم، هؤلاء هم الَّذين أخلصوا لإمام زمانهم، والإخلاصُ يحتاج إلى معرفةٍ كي تتحوَّل إلى نِيَّةٍ صادقةٍ، وبعد ذلك تتحوَّلُ النِيَّةُ الصَّادقة إلى عزمٍ راسخٍ، والعزمُ الرَّاسخُ يتحوَّلُ إلى هِمَّةٍ عاليةٍ، كي يتمكَّنوا من ترجمةِ ذلك في كُلِّ شؤونهم.

- أُوْلَئِكَ الْمُخْلِصُوْنَ حَقَّاً وَشِيْعَتُنَا صِدْقَاً وَالدُّعَاةُ إِلَى دِيْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرَّاً وَجَهْرَاً - في جميعِ أحوالهم عملٌ مستمرٌّ، فكيفَ ليسَ هُناكَ من تكليفٍ للشيعةِ زمانَ الغَيْبَةِ الكُبرى كي نعود إلى هؤلاءِ العُلماءِ الَّذينَ يُعانون من جهلٍ واضحٍ بثقافةِ العترة الطاهرة ومن جهالةٍ في سلوكهم ومن تخلّفٍ عقليٍّ ومن انعدام ثقافةٍ، هؤلاءِ لا ندري من أين جاءونا من أيِّ كُهوفٍ من كُهوفِ التاريخِ قد خرجوا علينا.

المجموع :2701