وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهار
وصف للمقطع

في سُورةِ إبراهيم، الآيةِ الثانيةِ والثلاثين بعد البسملةِ وما بعدها: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ﴾، الحديثُ عن التسخير، الخطابُ إذا كانَ مُوجَّهاً لي ولكم فهذا التسخيرُ تسخيرٌ ليسَ مُباشراً، وهو تسخيرٌ إجماليٌّ، وهو تسخيرٌ بحسبِ حاجتنا وقدرتنا، وهوَ تسخيرٌ عبرَ الأسبابِ والوسائل، إذا كانَ الخطابُ مُوجَّهاً لي ولكم، تسخيرٌ بحدودنا، لكن إذا كانَ الخطابُ لِمن هُو حُجَّةٌ على السَّماواتِ والأرض، على مَن في السَّماواتِ والأرض، (وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لَكُم)، فإنَّ التسخير لهُ دِلالةٌ أخرى تختلفُ اختلافاً كاملاً عن التسخيرِ الَّذي يرتبطُ بي وبكم.

۞ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار ۞ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا - إلى آخرِ الآيةِ - إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار﴾، هذهِ الطبيعةُ البشريّةُ الَّتي يُهيمنُ عليها الحسد، وإنَّما يكون الإنسانُ ظَلُوماً وكَفَّاراً حينما يكونُ حسوداً، والحسدُ موجودٌ في طينةِ الإنسان، وما قصّةُ أبينا آدم معَ شجرةِ العلم معَ شجرة الحسدِ تلكَ القصّةُ تُشيرُ إلى ما تُشيرُ إلى هذهِ الحقيقة الَّتي تتحدَّثُ هذهِ الآيةُ عنها.

في سُورةِ لُقمان، الآيةِ العشرين بعد البسملة: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾، هذا الكلامُ ينطبقُ بنحوٍ حقيقيٍّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، وإلَّا فنحنُ متى رأينا أنَّ الله قد سَخَّرَ لنا ما في السَّماواتِ وما في الأرض؟! متى رأينا ذلك بنحو الحقيقةِ، بنحو التقريبِ، بنحو المثالِ، بنحوِ المجازِ رأينا بحدود رؤيتنا، لكنَّ الآية لا تتحدَّثُ بهذا المستوى إنَّها تتحدَّثُ في مستوىً عميقٍ وعميقٍ جِدَّاً وفي مستوىً واسعٍ وواسعٍ جِدَّاً، هذا لا يعني أنَّ الآية لا تُخاطِبُنا أبداً، فالآياتُ الَّتي تُخاطبهم هي تُخاطبنا كي تكشفَ لنا عن جانبٍ من مقاماتهم، القُرآنُ نزلَ بهذا اللسان؛ "بلسانِ إيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة"، فتارةً يأتي الخِطابُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وكأنَّهُ يُمكنُ أن يكونَ مُقصِّراً؛ ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾، مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وآله أسمى من أن يُخاطَبَ بِما هُوَ هُوَ بهذا الخطاب، منزلتهُ أعلى عندَ اللهِ سُبحانهُ وتعالى، لكنَّ الخِطابَ بلسانِ إيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة، وفي أحيانٍ أخرى يكونُ الخِطابُ مُناسباً لمقامهم ومنزلتهم لكنَّهُ في الحقيقةِ مُوجَّهٌ إلينا كي نعرفَ شيئاً من مقاماتهم.

في وجهٍ من وجوه الآيةِ إذا كانَ الخِطابُ مُوجَّهاً لنا فإنَّ النِّعمة الظَّاهِرة هم أئِمَّتنا من مُحَمَّدٍ فعليٍّ فَفَاطِمَة فالمجتبى إلى إمامنا الحسن العسكري، وأمَّا النِّعمةُ الباطنة فهوَ إمامنا الحُجَّةُ بنُ الحسن، ما أنا الَّذي أقول، كلماتهم رواياتهم أحاديثهم، قطعاً كُلُّ هذهِ البيانات تُمثِّلُ وجوهاً من وجوهِ هذهِ الآيات..

في سُورةِ الجاثية، الآيةِ الثالثةِ بعد العاشرةِ بعد البسملة: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ - منهُ إليكم، هذهِ الآيةُ صريحةٌ وجليّةٌ وواضحةٌ في خِطابِها الحقيقي بلسانها الصَّريح تُوجِّهُ بيانها لـمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد - إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾، أعتقدُ أنَّ المغزى صارَ واضحاً، وأنَّ الصورةَ صارت بَيِّنةً، فنحنُ نتحرَّكُ في أجواءِ التَّعظيم، كُلُّ هذهِ المضامين ملامحُ لِمَسارِ التَّعظيم، إنَّهُ التَّعظيمُ للمشروعِ المهدويّ.

المجموع :2701