وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ...ما بين ظاهر المسرح وكواليسه
وصف للمقطع

الآيةُ التاسعةُ والثمانون بعدَ البسملةِ من سورة النحل جاء فيها: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾، إنْ أُريدَ بالكتابِ القُرآنُ المصحف وهو كذلك رُبَّما للآيةِ وجوهٌ أعمق من هذا الوجه، ولكنَّنا مع هذا الوجه، القرآنُ المصحفُ محدودٌ في ألفاظهِ فكيفَ يكونُ تِبياناً لِكُلِّ شيء، كلماتُ القُرآنِ المصحف محدودةٌ، إذا أردنا أن ننظر إلى هذهِ الألفاظِ بما هي هي فهذهِ الألفاظُ لها ظواهر ولها بواطن، وللبواطنِ بواطن مثلما هو التكوين، فهذا المصحفُ خارطةٌ تدوينيَّةٌ، خارطةٌ مكتوبةٌ ملفوظةٌ منطوقةٌ في تجاويفِ أسرارها في بواطنِ هذهِ الآياتِ وفي أغوارِ هذهِ الكلمات وفي خزائنِ هذهِ السورِ؛ إنَّها الخزائنُ العميقةُ والعميقةُ، مثلما جاء في كلماتهم: "من أنَّ بطونهُ تمتدُّ إلى سبعين من البطون"، والقضيَّةُ لا تقفُ عندَ هذا الحد، لأنَّ التكوينَ عميقٌ، هذا الكونُ عظيمٌ وهذا الكونُ لهُ ظاهرٌ ولهُ باطنٌ، ولباطنِ باطنهِ باطنٌ..

فَهُناك ظاهرٌ هو هذا الَّذي يبدو على خشبة المسرحِ في عالم التفسير، وهُناكَ باطنٌ يستقرُّ في كواليسِ مسرح التفسير، هذا هوَ الَّذي أردتُ الإشارة إليه، شيءٌ يتجلَّى لنا يظهرُ على خشبة الواقع، وهُناكَ شيءٌ يكونُ في ما وراءَ الواقع الَّذي نحنُ نتحسَّسهُ نحنُ نتلمَّسهُ، وإلَّا لن تكونَ الآيةُ سليمةً ولن تكونَ الآيةُ صحيحةً إنْ لم تُفهم بهذا الفهم، كيفَ يكونُ القرآنُ المصحفُ بحدودِ ألفاظهِ الَّتي هي ما بينَ الدفتينِ كيف يكونُ تِبياناً لِكُلِّ شيء؟ أبسط الأمورِ ما بُيِّنت فيه؛ أحكامُ الصَّلاةِ الَّتي هي عبادةٌ من أهمِّ العباداتِ في ديننا أين هي أحكامُ الصَّلاةِ؟ أحكامُ الحجِّ؟ تفاصيلُ العقيدةِ أين هي؟ لن نستطيعَ أن نتواصلَ معَ القُرآنِ المصحف إلَّا بالرجوعِ إلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وهذا في أُفق الظاهر في أُفق العبارة، ما وراءَ الظاهر فإنَّ الحديثَ سيأخذُ بُعداً آخر، نحنُ في مستوى الظاهرِ لا نستطيعُ أن نتعامل معَ القُرآنِ المصحف إلَّا بالتلازُمِ مع العترةِ الطاهرة.

حدَّثتنا الرواياتُ عن جانبٍ من باطن القُرآنِ لكن ذلك وفقاً لقانون المداراة، وحينئذٍ فهو أقربُ إلى الظاهرِ مِمَّا هُو إلى الباطن، وهو أبعدُ عن حقيقة الباطن، هذهِ المضامين الَّتي وصفت في الرواياتِ من أنَّها من بواطن القُرآنِ هي حالةٌ برزخيَّةٌ ما بينَ الظاهر والباطن، القُرآنُ مثلما قال أمير المؤمنين: (ظَاهِرهُ أَنِيق - نحنُ إلى الآنَ ما أدركنا أناقة الظاهر هذا، فماذا نقولُ عن الباطن العميق؟! هكذا وصفهُ سَيِّدُ الأوصياء - مِن أنَّ ظَاهِرَهُ أَنِيق وَبَاطِنَهُ عَمِيق)، فما جاء في الرواياتِ من ذكرٍ للمعاني الباطنةِ القُرآنيَّة إنَّها في الأفق البرزخي ما بينَ الظاهرِ والباطن، نصطلحُ عليها من أنَّها من المعاني الباطنيَّةِ لأنَّها ليست من المعاني الظاهريَّة، الحكايةُ عميقةٌ، ومن هنا قالوا: (مِن أنَّ أبعدَ شيءٍ عَن عُقول الرِّجَالِ تَفسيرُ القُرآن)، ولذا اشترطوا علينا أن نأخذ التفسيرَ من عليٍّ وآلِ عليٍّ في بيعة الغدير، أن نأخذ التفسيرَ منهم فقط وفقط.

الآيةُ واضحةٌ جِدَّاً من أنَّ في مسرح التفسيرِ هُناكَ مشهدٌ، لكن في كواليسِ مسرح التفسيرِ هُناكَ حقيقةٌ، الحقيقةُ الَّتي في كواليسِ مسرح التفسيرِ هي الَّتي حدَّثونا عنها وقالوا: "مِن أنَّ القُرآنَ لا يفهمهُ إلَّا مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد"، هذا المضمون الَّذي تحدَّثَ القُرآنُ عنهُ أوَّلاً في سورةِ آل عمران: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، هم أخبرونا صلواتُ اللهِ عليهم من أنَّ القُرآنَ لا يفهمهُ إلَّا مَن خُوطِبَ به، الَّذين خُوطِبوا بالقُرآنِ بشكلٍ مُباشرٍ مُحَمَّدٌ وآلُ مُحَمَّد، نحنُ خُوطبنا بالقُرآنِ عِبرهم، لذا فإنَّ القاعدةَ التفسيريَّةَ واضحة من أنَّ القُرآنَ نزلَ بإيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة، الخطابُ لمن؟ لـمُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، المضمونُ لنا، فنحنُ إذا أردنا أن نصلَ إلى هذا المضمون لابُدَّ أن نكونَ أوفياء لبيعة الغدير أن نأخذ التفسيرَ منهم صلواتُ اللهِ عليهم.

المجموع :2701