عليٌّ عليه السلام: وَلَعَمْرِي لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُم التَّيْه مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَت بَنُو إِسْرَائِيل

الكافي.خُطبةٍ مِن خُطَبِ أميرِ المؤمنين صلواتُ اللّهِ عليه.
أحمد بن محمد الكوفي، عن جعفر بن عبد الله المحمدي، عن أبي روح فرج بن قرة، عن جعفر بن عبد الله، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه ‌السلام، قال «خطب أمير المؤمنين عليه ‌السلام بالمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله، ثم قال
أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء، ولم يجبر كسر عظم من الأمم إلا بعد أزل وبلاء.
أيها الناس، في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر، وما كل ذي قلب بلبيب، ولا كل ذي سمع بسميع، ولا كل ذي ناظر عين ببصير.
عباد الله، أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه، ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه، كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والأمر والنهي، ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون، ولله عاقبة الأمور.
فيا عجبا وما لي لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها،لا يقتصون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب، المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا، وكل امرى منهم إمام نفسه، آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات، وأسباب محكمات، فلا يزالون بجور، ولن يزدادوا إلا خطأ، لاينالون تقربا، ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عز وجل، أنس بعضهم ببعض، وتصديق بعضهم لبعض، كل ذلك وحشة مما ورث النبي الأمي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله، ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض، أهل حسرات، وكفوف شبهات، وأهل عشوات وضلالة وريبة، من وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله، غير المتهم عند من لايعرفه، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها.
ووا أسفى من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا، وكيف يقتل بعضها بعضا، المتشتتة غدا عن الأصل، النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ منه بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله وله الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف، يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فأرة، فلم يثبت عليه أكمة، ولم يرد سننه رص طود يذعذعهم الله في بطون أودية، ثم يسلكهم ينابيع في الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم، ويمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية، ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا، يضعضع الله بهم ركنا، وينقض بهم طي الجنادل من إرم، ويملأ منهم بطنان الزيتون.
فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك، وكأني أسمع صهيل خيلهم، وطمطمة رجالهم، وايم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد، كما تذوب الألية على النار، من مات منهم مات ضالا، وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج، ويتوب الله عز وجل على من تاب، ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء، وليس لأحد على الله عز ذكره الخيرة، بل لله الخيرة والأمر جميعا.
أيها الناس، إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير، ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم، ولم يقو من قوي عليكم، وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها، لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى عليه ‌السلام.
ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل، ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة، وأحييتم الباطل، وخلفتم الحق وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى من أهل بدر، ووصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله.
ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء، وقرب الوعد، وانقضت المدة، وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق، ولاح لكم القمر المنير،فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة، واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق، سلك بكم مناهج الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله، فتداويتم من العمى والصمم والبكم، وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق، ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾».
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نهج البلاغة الخطبةِ السابعةِ والأربعين بعد المئة
فَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ وَ مِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَ أَحْكَمَهُ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ وَ لِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ وَ لِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَ خَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ وَ كَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلَاتِ وَ احْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ.
وَ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْ‏ءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ وَ لَا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ وَ لَا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَ لَا أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لَا فِي الْبِلَادِ شَيْ‏ءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لَا أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَ تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَ أَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ وَ صَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لَا يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ فَالْكِتَابُ وَ أَهْلُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَ لَيْسَا فِيهِمْ وَ مَعَهُمْ وَ لَيْسَا مَعَهُمْ لِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وَ إِنِ اجْتَمَعَا فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وَ افْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَ لَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلَّا اسْمُهُ وَ لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا خَطَّهُ وَ زَبْرَهُ وَ مِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ وَ سَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللَّهِ فِرْيَةً وَ جَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّيِّئَةِ وَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَ تَغَيُّبِ آجَالِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ وَ تُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ وَ تَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَ النِّقْمَةُ.
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللَّهَ وُفِّقَ وَ مَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلًا هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ فَإِنَّ جَارَ اللَّهِ آمِنٌ وَ عَدُوَّهُ خَائِفٌ وَ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَ سَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ فَلَا تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَجْرَبِ وَ الْبَارِئِ مِنْ ذِي السَّقَمِ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ وَ لَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ وَ لَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَ مَوْتُ الْجَهْلِ هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ صَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الكافي : الحديثُ السادسُ والخمسون بعدَ الثلاثمائة
الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة، قال سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله عليه ‌السلام، فلم يزل يسائله حتى قال فهلك الناس إذا، قال «إي والله يا ابن أعين، فهلك الناس أجمعون».
قلت من في المشرق، ومن في المغرب؟
قال «إنها فتحت بضلال، إي والله، لهلكوا إلا ثلاثة ».
524