مقطع من رسالة الإمام المهدي عليه السلام للشيخ المفيد (الرسالة الثانية 412هـ)
الإحتجاج - ج2 - الطبرسي
وورد على الشيخ المفيد كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث
والعشرين من ذي الحجة سنة 412 هـ ؛ نسخته:
من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليك أيها الناصر للحقّ، الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنا نحمد الله
إليك الذي لا إله إلا هو إلهنا وإله آبائنا الأولين، ونسأله الصلاة على سيّدنا
ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد؛ فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه وحرسك
به من كيد أعدائه، وشفعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا ينصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه
آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان، ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح
من غير بعد من الدهر و لا تطاول من الزمان، ويأتيك نبأ منّا يتجدّد لنا من حال،
فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقك لذلك برحمته.
فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام ـ أن تقابل لذلك فتنة تبسل نفوس قوم حرثت
باطلاً لاسترهاب المبطلين، يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون، وآية
حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظّم من رجس منافق مذمّم مستحلّ للدم
المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأننا من
وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء، فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا
القلوب، وليتّقوا بالكفاية منه، وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة بجميل صنع الله
سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهيّ عنه من الذنوب.
ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين ـ أيّدك الله بنصره الذي
أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين ـ أنّه من اتقى ربّه من إخوانك في الدين، وأخرج
مما عليه إلى مستحقّيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلّة، ومن
بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه
وآخرته.
ولو أنّ أشياعنا ـ وفّقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد
عليهم؛ لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ
المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره
منهم. والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد
وآله الطاهرين وسلم، وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها:
«هذا كتابنا إليك أيها الوليّ الملهم للحقّ العليّ بإملائنا وخطّ ثقتنا، فاخفهِ
عن كلّ أحد، واطوِهِ، واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا ـ
شملهم الله ببركتنا إن شاء الله ـ الحمد لله والصلاة على سيّدنا محمد النبي وآله
الطاهرين».